لن نعود الى خطاب الرئيس السوري بشار الاسد في شكل عام، لكننا سنتطرق الى بعض شعارات قديمة جديدة عاد اليها:

-1 "لبنان بات ممرا ومصنعا وممولا للتآمر على سوريا". هذا الشعار يستعيد نمطا قديما من التفكير في سوريا وتحديدا من رحم النظام السوري عينه، ويقدم فكرة مفادها ان لبنان بوابة للمؤامرات، مما يسبغ على التدخل السوري في شؤونه "شرعية" الدفاع عن الداخل في مواجهة الاعداء. ومن منا لا يذكر هذا الطرح الذي اعتبر في السبعينات من القرن الماضي احد المسوغات المعلنة لدخول الجيش السوري لبنان (1976) ثم العمل على نيل شرعية عربية لهذا التدخل فالتمركز العسكري من ضمن ما سمي آنذاك قوات الردع العربية؟ وقد نالت سوريا حافظ الاسد تلك الشرعية العربية في قمة الرياض باعتبار ان لبنان لم يعد بعد عامين على الاقتتال الداخلي والتمدد الفلسطيني المهدد بنشوء حرب اقليمية، قادرا على ضبط داخله. ومن منا لا يتذكّر التغطية الاميركية التي انتزعها الاسد الاب ليقوم بدور الاطفائي بعدما ادى خلال اكثر من عام ونصف عام دور مشعل الحرائق؟ وقد اعترف الرئيس الراحل حافظ الاسد في خطابه الشهير في تموز 1976 بانه سلح الفلسطينيين ليعود بعدها فيدعم القوى المناوئة، اي التنظيمات المسيحية عبر تدخله مباشرة بقواته المسلحة تحت شعار منع تقسيم لبنان ووقف الحرب وانقاذ المسيحيين. لقد ادى الاسد الاب الدورين معا. سلّح القوى الاسلامية والتقدمية والفلسطينيين ضد الجيش اللبناني والقوى المسيحية، ثم ذهب في الاتجاه المعاكس من دون ان يثير قلقا اسرائيليا بسبب احترامه التفاهمات غير المكتوبة والتي كانت تتلخص بعدم تجاوز خط الاربعين كيلومترا مسافة من الحدود، والامتناع عن تحليق الطيران الحربي السوري في سماء لبنان، وعدم ادخال انظمة صواريخ مضادة للطائرات متطورة الى الاراضي اللبنانية، واخيرا تحمّل مسؤولية ضبط التوتر على الحدود تحت سقف معين.

مؤدى هذا الكلام التذكير بأن سوريا ايام الاسد الاب بررت دخولها لبنان وصولا الى توقيع جملة اتفاقات في اطار معاهدة الاخوة والتنسيق، واخيرا جعل هذا الشعار "لبنان ممرا للمؤامرات" جزءا من المحرمات اللبنانية إن لم نقل عقدة نقص مزمنة.

-2 "هذا 17 ايار جديد". شعار اراد منه الاسد الابن التذكير بمرحلة مقاومة الاجتياح الاسرائيلي للبنان، ورفض الاذعان لاتفاقات تخدم اسرائيل على حساب عروبة لبنان. في مرحلة السابع عشر من ايار كانت المعركة بين تيارين في البلد، الاول متحالف مع سوريا ومدعوم من الاتحاد السوفياتي آنذاك، والثاني مزدوج التحالفات بين اسرائيل من جهة والولايات المتحدة من جهة اخرى. وقد اشتعل لبنان على قاعدة مواجهة متعددة الوجه، طائفية، وطنية، اقليمية ودولية. اليوم ماذا نرى؟ ان المعركة لم تعد بين خط اسرائيلي أميركي وآخر عروبي سوري. المعركة على ارض لبنان وهي سياسية سلمية بخلاف الاولى باتت بين خط لبناني متنوع يضم مسلمين ومسيحيين على السواء، وخط النظام السوري المتهم بتحول سلوكه في لبنان في المرحلة الاخيرة سلوكا اقرب ما يكون الى الاحتلال السافر الذي ادى في مرحلة صعود الرفض له الى اطلاق سلسلة جديدة من الاغتيالات في محاولة لوأد حالة النهوض الاستقلالي اللبناني.

معركة 17 ايار جديدة وهم يطلقه النظام السوري. لان المعركة ليست بين اسرائيل وسوريا على ارض لبنان. انها معركة استقلال لبنان والتخلص من ذل المافيا المشتركة التي كادت تحول اللبنانيين عبيداً مأمورين! انها معركة الانعتاق.

هاتان فكرتان من مجموعة افكار استعادها الرئيس بشار الاسد في خطابه، في سعي منه الى التهرب من التعاون مع التحقيق الدولي والتملص من موجباته حيال الشرعية الدولية. يبقى الاهم ان يتعاون الرئيس السوري وفقا للقرار 1636، لا لانقاذ افراد من اسرته واجهزته الامنية متهمين بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، انما لانقاذ الشعب السوري من مواجهة مع المجتمع الدولي يتسبب بها الاهل والاقرباء. فسوريا لا تختصر بهؤلاء يا سيادة الرئيس.


علي حمادة