الأربعاء: 30. 11. 2005

د. فاطمة الصايغ

من تابع منا الشريط الذي بثته وكالات الأنباء للمرأة الإرهابية التي تم إلقاء القبض عليها في الأردن في أعقاب العمليات الإرهابية التي طالت بعض المدنيين وبعض المنشآت المدنية يدرك على الفور حقائق عديدة، أولها أن الإرهاب قد أصبح كابوساً يسيطر على عصرنا وأنه من دون استراتيجية وطنية عربية إسلامية وعالمية منظمة ومنسقة لن نستطيع القضاء على هذا الكابوس الذي أصبح يرمي بظلاله الثقيلة على حياتنا الطبيعية وطريقة ممارستنا لها.

الحقيقة الأخرى والأهم والتي يدركها المرء من مشاهدة ذلك الشريط هي كم هم جهلاء الذين ينفذون تلك العمليات الانتحارية وخلو عقولهم من أي منطق عقلاني، والجهل التام المسيطر عليهم. فتلك المرأة التي تم القبض عليها والتي عجزت عن تفعيل الحزام الناسف قد عجزت أصلاً عن اقناع المواطن البسيط بأن لها قضية تدافع عنها. ولكن في الوقت ذاته يدرك المرء أيضا أن هؤلاء الجهلاء قد نجحوا في التغلغل إلى حياتنا وزرع السم فيها من دون أن يكون لديهم منطق يستندون إليه أو حجة عقلانية يقنعوننا بها. فهم لا يملكون سوى منطق القوة والعنف والضغينة على كل ما هو طبيعي في الحياة وكل ما هو طبيعي لدى المواطن البسيط. هل هو الفقر والبطالة اللذان يدفعان أمثال هؤلاء لتسميم حياتنا وفرض الإرهاب علينا أم أنهم مجموعة من الحاقدين الجهلاء الذين يحاولون إقناع الجهور بأن لهم قضية دينية ووطنية تدفعهم بينما تحركهم في الواقع أطماع ومصالح شخصية بحتة؟

على الرغم من كل الجهود الذي بذلها العالم العربي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول للقضاء على الإرهاب ألا أنه يبدو وكأنه كالسرطان الذي ما أن يتم استئصاله من ناحية حتى يمتد لناحية أخرى. وعلى الرغم من هذه الظاهرة التي امتدت إلى معظم الدول العربية وخرجت منها لتغزو العالم إلا أن العالم العربي لم يتخذ حتى الآن خطوة حقيقية وحاسمة تجاهها والتي تبدو وكأنها تلقى تشجيعاً من بعض فئات الشعب الجاهلة. لذا يأتي تصريح الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي والذي أدلي به في الأردن في أعقاب زيارة سموه وتفقده لمواقع الانفجارات وللضحايا، وتصريح الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع بإدانة الإرهاب ومرتكبيه إدانة واضحة وصريحة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة برفض منطق الإرهاب والعنف وإدانة مرتكبيه بل وتكفيرهم. وجاء تصريح الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان صريحاً واضحاً حين حث رجال الدين على القيام بدور فعال ليس فقط في إدانة مثل هذه العمليات الإرهابية بل في تكفير القائمين بها وإخراجهم من “الملة”. الإرهابيون الذين ينفذون العمليات الانتحارية والإرهابية والتي غالباً ما تطال مدنيين أبرياء، نساء وشيوخاً وأطفالاً، ينفذون تلك العمليات الدنيئة بعد أن اقتنعوا، أو أقنعوا، بأنها تتم باسم الدين والمقاومة الوطنية وبأنهم سوف يكونون شهداء. بل إن بعض الانتحاريين ومنفذي العمليات الإرهابية جهلاء أصلاً عندما اقتنعوا بأن قتل مدنيين أبرياء ونسف أهداف مدنية سوف يدخلهم الجنة. فكيف يمكن القضاء على الإرهاب وجذوره؟

إن التبريرات التي أطلقتها بعض وسائل الأعلام بأن هدف هؤلاء الإرهابيين هو المقاومة، وأنها جاءت كرد فعل للغزو الأمريكي للعراق هي حجة مردود عليها. فلو أمتلك أولئك الناس شيئاً من المنطق والعلم لأدركوا أن الأهداف التي يتم تصويبها وتوجيه النار عليها إنما هي أهداف مدنية لا تخدم قضيتهم بل تسيء إليها في المقام الأول. وهذا ما يجعل العقل العربي والمسلم يفكر كثيراً في نظرية المؤامرة.

ولكن هذا العقل الذي كثيرا ما يحار في إيجاد التبريرات المنطقية والعقلانية يصطدم بعقبة تلو أخرى: إنه مقتنع بأن مقاومة المحتل والغاصب حق طبيعي للشعوب، ولكنه يعجز عن التفسير والتبرير عندما يجد تلك الجهود قد وجهت لقلب الوطن ولأهداف تسيء للإسلام وللسلام وللمقاومة الوطنية. فكيف يبرر للعالم بأن المقاومة الوطنية هي هدف وطني سام في حين أن إرهابيين يسددون سهامهم لأهداف وطنية باسم الدين والمقاومة الوطنية؟ وكيف يبررون للعالم أن الجهاد هو فرض على كل مسلم بينما حرمات الآمنين تنتهك باسم الدين؟ وكيف يبررون للعالم أن مقاومة العدو والغاصب فريضة بينما يرى أولئك الإرهابيين يصرحون للعالم وعلى الملأ بأن هجماتهم وقتل الأبرياء هي فريضة جهادية. هذا هو منطق الإرهابيين الذين اختطفوا الإسلام “مطية” واستخدموه كما قال سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتحقيق أغراض وأهداف شخصية ومصالح ذاتية لا تنتمي للإسلام بشيء. فما هو دور القلم ودور المثقف ودور عالم الدين والمواطن العادي في مساعدة الأجهزة الرسمية على القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة التي استشرت في مجتمعاتنا وأصبحت تبرزها بصورة سيئة لا تليق بكفاح هذه المجتمعات من أجل الاستقلال ودفاعها عن السلام وإنما تظهرها في صورة مجتمعات متطرفة تتبنى العنف والغلو وتدعو لهما؟ إن هؤلاء الإرهابيين على قناعة بأن عملية انتحارية واحدة تنسف عشر عمليات سلام، وأن عملية انتحارية واحدة تنسف محاولات ألف قلم شريف يحاول إثبات أن الإسلام بريء من الإرهاب والعنف. كما أن ضربة إرهابية واحدة تنسف جهود مائة ندوة فكرية تحارب التطرف والغلو في الفكر والمعتقد.

إن لجوء مدبري هذه العمليات الإرهابية ومنفذيها لعناصر جاهلة لا علم لديها ولا منطق لتقنعها بتنفيذ تلك العمليات ووعدها بالأجر المادي والثواب الديني، هو قمة في الجهل الذي تشهده مجتمعاتنا. وبما أن منفذي تلك العمليات الانتحارية ليسوا ممن يملكون العلم والمنطق والعقل فمن السهولة إقناعهم بتنفيذ تلك العمليات وبالتالي تشويه صورتنا في العالم لأغراضهم الشخصية.

إن خطورة العمليات الإرهابية والانتحارية لا تكمن فقط في أنها تضر بصورة المجتمعات العربية المسالمة ولكنها تنسف جهود القلم الحر النزيه الذي يدعو إلى التعايش والانفتاح على الآخر وتقضي على جهود علماء الدين المعتدلين الذين يدعون إلى الوسطية في الدين. إنها تنسف جهود العقل والمنطق المعتدل الذي يدعو إلى تحكيم العقل والتعايش بسلام مع العالم وتضر بجهود السلام وتؤثر في دعوتنا للانفتاح على العالم الخارجي الذي نحتاجه ويحتاجنا. إننا أمام اخطر تحديات العصر. فقد أمضينا زمناً طويلاً ندعو للصمود ضد العدو الخارجي ووجهنا كل جهودنا نحوه ونسينا عدونا الداخلي ألا وهو الجهل وثقافة التعصب والتطرف والغلو والتي هي أخطر عدو نواجهه الآن. إن أمامنا كمواطنين عاديين مهمة وطنية ألا وهي التكاتف من أجل تقوية الجبهة الداخلية والتصدي للغة العنف والتطرف التي تحاول تفكيك الوحدة الوطنية باسم الدين.

لقد جاء الإسلام ليمنحنا القوة ويرتقي بنا إلى مصاف الأمم القوية وليس ليكون أداة في يد البعض ليسددها سهاماً تنشر العنف في العالم. لذا على رجال الدين بذل مزيد من الجهد ليس فقط في إدانة الإرهاب والهجمات الانتحارية بل في نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والدعوة للوسطية التي هي وسيلتنا للخروج من هذا النفق الضيق الذي يحاول الإرهابيون زجنا فيه. كما أن على رجال الدين تبني موقف واضح ومحدد تجاه العمليات الانتحارية، فليس من الصحيح أن يقوم رجل دين بتحريم العمليات الانتحارية بينما يحللها رجل دين آخر. كما أنه على الأجهزة الرسمية الارتقاء بالواقع الثقافي للمجتمعات العربية، فالجهل والتخلف هما آفة كل الأمراض الاجتماعية. كما يجب التصدي بحزم لكافة العناصر التي تحاول التخفي بالإسلام لأغراضها الشخصية بينما تقوم بنشر روح التعصب والغلو في المجتمع. فالنار دوماً من مستصغر الشرر.