الثلاثاء:13. 12. 2005

يمارس الرئيس المصري حسني مبارك و هو جنرال سابق، السياسة بفظاظة عسكرية حيث انه لم يكن من الصعب ادراك خطته الاخيرة لاحباط برنامج الادارة الامريكية المؤيد للديموقراطية. قام مبارك هذا الخريف بعد ضغط من واشنطن للقيام بانتخابات حرة و عادلة لمجلس الشعب الشكلي التابع له و المردد لاقواله, قام بسحق وتحطيم كل فرصه لخصومه الليبراليين و العلمانيين في حين سمح لجماعة الاخوان المسلمين بترشيح عدد من الاشخاص و المساهمة في الحملة الانتخابية بحرية محدودة.
كان الهدف من وراء استبعاد مبارك لكل المرشحين المعتدلين هو وضع الولايات المتحدة في موقف اختيار بين استمرار حكمه و خلافة ابنه الحتمية له وبين وصول الاسلاميين الاصوليين الى الحكم. لعب مبارك استراتيجيته بإتقان منذ بداية جولات التصويت الثلاث في منطقة القاهرة,المنطقة التي تحتوي منافسه الليبرالي الديموقراطي الاقوى أيمن نور الذي يمثل التهديد المحتمل الاكبر لابنه في انتخابات ايلول الرئاسية غير الحرة. حيث قام حزب الرئيس بترشيح احد الضباط السابقين في جهاز الامن ضد المرشح نور وقام (الاخوان المسلمين) بسحب مرشحهم لصالح مرشح مبارك و سجل من خارج المنطقة 2000 شخص من الموالين للسلطة بطريقه غير شرعيه ليصوتوا ضد المرشح المفضل لاهالي المنطقة غير مبالين بقوانين المحكمة و نتيجة لهذا اعلنت خسارة نور واستأنفت الحكومة في الاسبوع الاخير مقاضاته بتهم الاحتيال الملفقة له.
سارت خطة مبارك على نحو جيد جدا,كما ظهر لاحقا فقد تم استبعاد المنافس الديموقراطي من مجلس الشعب ولكن جاء الاخوان بضربه صاعقه للحكومة عند صناديق الاقتراع خلال الجولتين الاولتين من الانتخابات حيث انتخب المقترعون 65 بالمائة من مرشحي الاخوان المسلمين مقابل 42 بالمائة من مرشحي الحزب الوطني الديموقراطي لمبارك.وظل مبارك محتفظا بأغلبية المقاعد الصانعة للقرار في مجلس الشعب بسبب اتفاق غير معلن بين الاخوان و مبارك فقد قام الاخوان بتقليص منافستهم الى اقل من ثلث مناطق البلاد.لكن فوز الاخوان النسبي كان قد بث الذعر في جهاز الحكومة الامني فخلال معظم ايام التصويت الاخيرة كانت الاجهزة الامنية منغمسة بإفراط في عمليات التزوير و الاحتيال محاولة منع وقوع المزيد من الخسائر في الاصوات وكان ذلك امام مرآى المصريين و المراقبين الدوليين والصحف الغربية و القنوات الفضائية العربية.حيث نشهد في واقعة واحدة قيام الاجهزة الامنية باعتقال 1300 شخص و قتل ثلاثة حين فتحت نيرانها على مقترعين كانوا يحاولون التصويت.
اثارت هذه التصرفات غضب معظم السياسيين و رجال الاعمال المصريين, و حتى الصحف الرسمية المحلية الموالية للحكومة بدأت تشجب منهج الحكومة الهزلى و عنفها المستمر. فقد ورد عن جريدة الاهرام وهي الصحيفة الرائدة في مصر ان 44 شخصيه تضم اشهر المفكرين و الكتاب المصريين ارسلوا الى موقع الجريدة على الانترنت quot; لوث التزوير الفاضح و العنف غير المسبق انتخابات مجلس الشعب المصريةquot; و بان quot; التزوير قد يؤدي الى انهيار في شرعية الدولة و النظام الحالي في ضوء حقيقة ان الاصلاح السياسي كان عنصرا اساسياً في تبرير بقاء الرئيس مبارك لمرحلة خامسةquot;
من الواضح ان حكم مبارك الفردي الذي دام 24 عاماً من غير المتوقع لن ينهار على المدى القريب لكنه فقد دعم معظم المصريين المعتدلين الذين كانوا قد عولوا على ان الانتخابات ستجلب لهم التحرر السياسي بالتدريج .هذا ما يجب ان يدفع ادارة بوش الى اتخاذ قرارات حازمة و ارساء نظام اصلاحي, لكن تصنيف الادارة للانتخابات المصرية بأنهاquot;خطوه مهمة في طريق مصر نحو الاصلاح الديمقراطيquot; كان مضحكا و يفتقر الى الحجة.
ما العمل ؟ اولا يجب ان يرفض الرئيس الامريكي بوش السماح لمبارك بتضليله فبالرغم من ان جماعة الاخوان المسلمين هم حقا اصوليون لكنهم تخلوا عن العنف منذ عقود مضت و انضموا الى تراكيب من جماعات علمانية في الدعوة الى تشكيل برلمان ديموقراطي حقيقي في مصر.
نقلا عن مقالة نشرت في جريده الاهرام ذكر عصام العريان احد كبار حركة اخوان المسلمين quot; نحن جادون في دعمنا لعمليه الاصلاح و دفعها الى الامام لتحقيق تحولات ديمقراطية وبناء نهضة متطورة على كل الاصعدةquot;
على الحكومة المصرية ان توافق و تدعم برنامج الاصلاح لجعله مثالا للحركات الاسلامية الاخرى في الشرق الاوسط.
ثانيا على الادارة الامريكية ان توضح من الان انها لن تسمح لمبارك بتحويل السلطة الى ابنه او الى أي شخص آخر على نحو غير ديمقراطي.
الرئيس صاحب الـ77 عاما يبدأ الان حقبة 6 اعوام جديدة من الحكم فعلى الولايات المتحدة ان تربط استمرار المساعدات الرسمية ببلايين الدولارات التي تسند نظامه لدفع لانتخابات الديمقراطية القادمة خطوات الى الامام. حيث اذا كانت حياة المصريين السياسية حره فسوف يكون هناك العديد من المرشحين الجيدين بحلول عام 2011 مثل ايمن نور الا انهم هذه المرة لن يكونوا اعضاء في برلمان مبارك.