الإتحاد: الأربعاء: 29 . 06 . 2005

جعل تحقيق مكتب التحقيقات الفدرالي مع المسؤول في البنتاجون (لاري فرانكلين) حول اتهامات بالتجسس لصالح اسرائيل الكثير منّا يتساءل لماذا؟ فالعلاقة بين حكومتي بوش وشامير هي أشبه ما تكون بالزواج، لدرجة أنه من الصعب التصوّر بأن هنالك أسراراً ذات أي عواقب لم تتم المشاركة فيها بشكل كامل.
ان الجاسوس (فرانكلين) كان يعمل بشكل مباشر تحت امرة (دوجلاس فيث) الذي كان يترأس المكتب سيئ السمعة حالياً، وهو مكتب الخطط الخاصة، وهو وحدة صنع القصص المثيرة داخل البنتاجون، حيث كانت الاستخبارات تنتقى انتقاءً لجعلها تبدو وكأن صدام حسين كان خطراً أكبر مما كان، وأيضاً لخلق علاقات خيالية بين صدام والقاعدة.
وكان (فيث) يقود المجموعة في جعل الاستخبارات تتلاءم مع السياسة، كما أنه تعاون في عام 1996 مع (دافيد ويرمسر) في وضع ورقة سياسية لحكومة نتنياهو بعنوان (فرصة واضحة)، وقد أكّدت الورقة على ضرورة القضاء على صدام حسين من أجل ضمان أمن اسرائيل الاقليمي. كما هاجمت الوثيقة (أوسلو) ومفاوضات الارض مقابل السلام مع الفلسطينيين، وهي لعنة لرؤية (اسرائيل الكبرى)، ويمكن لهذا ان يفسّر الابتعاد المثير لفريق بوش عن سياسات الحكومات السابقة، وقد قام كثير من المتعاطفين مع الليكود في الحكومة الامريكية بنسف (خارطة الطريق) حتى قبل ان تنطلق.

وعن رأي بعض المحللين الامريكيين:
(يجد المحافظون الجدد صعوبة كبيرة في التمييز بين متطلبات اسرائيل الاستراتيجية ومتطلبات الولايات المتحدة، لا يوجد في العراق قوات كافية للقضاء على المقاومة، لكن يوجد ما يكفي من الجنود لمنع أي تهديد استراتيجي لاسرائيل، لذلك.. فإن حكومة بوش لا تبدي أية نية لتخفيف أعداد القوات الاميركية في العراق في أي وقت قريب).
من هنا، يطرح لنا هذا السؤال بجدية هنا نحن كعرب نراقب هذه الظاهرة: كيف يمكن لهذا ان يؤثر على فهمنا لدور (لاري فرانكلين)؟
ان فرانكلين موظف ذو مرتبة متوسطة، متخصص في الشؤون الايرانية في فرع السياسة في البنتاجون، وقد قيل حتى الآن انه كان يحاول الحصول على معلومات لاسرائيل حول برنامج ايران النووي.
لا يمكن ان يكون هنالك من هو أكثر تعاطفاً مع هموم اسرائيل من حكومة بوش (وبخاصة فيما يتعلق بإيران)، حيث ان أهداف البلدين متلاحمة بشكل كامل لا يمكن الفصل بينهما. فكيف فتح ملف فرانكلين؟
فكلا البلدين يريدان تغيير النظام، وتنصيب حكومة ودّية مع الغرب، وهذا التلاحم في المصالح يجعل من الصعب ان نفهم لماذا شعر فرانكلين بأنه مطالب ان يسرق معلومات سرية ويجازف بالقبض عليه.

لقد كشف مصدر ان المعلومات التي مرّرت لاسرائيل كانت مسودّة أمر رئاسي باللى السرية حول السياسة ازاء ايران، وهو ما يُعرف باسم (توجيه رئاسي للأمن القومي)، وبسبب الخلافات القائمة حول السياسة تجاه ايران بين مستشاري الرئيس بوش، فإن من المعتقد ان الوثيقة قد أكملت.
وهنا يطرح المحافظون الجدد في الولايات المتحدة التساؤل التالي: كيف يمكن لمجرد الحصول على مسودة الوثيقة (التي يوفرها فرانكلين) ان يُسمح لاسرائيل بالتأثير على السياسة الامريكية؟
الجواب على هذا التساؤل يأتي لدينا على النحو التالي:
في أعقاب غزو العراق، قال الجنرال (شلومو بروم) الذي خدم في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية لمدة خمس وعشرين سنة، وعمل كنائب رئيس التخطيط للجيش الاسرائيلي: (كانت الاستخبارات الاسرائيلية شريكاً كاملاً مع الولايات المتحدة وبريطانيا في وضع صورة مزيفة لقدرة أسلحة الدمار الشامل لصدام حسين، فقد بالغت بشكل سيئ في التهديد العراقي لاسرائيل، وعزّزت الاعتقاد الاميركي البريطاني بأن الاسلحة موجودة فعلا).

فهذا يُظهر كيف ان اسرائيل كانت قد وفّرت استخبارات زائفة لحكومة بوش بنيّة واضحة من أجل التأثير على السياسة، ولكن هل أمكن استخدام معلومات فرانكلين السرية جداً في تحقيق نفس الهدف؟، هذا، ومع ان حكومتي بوش وشارون تكرسان نفسيهما لتغيير النظام، الاّ أنهما تتباعدان أميالاً من ناحية ان شارون يريد ان يقضي على البرنامج النووي في ايران، بالاضافة اغ ايجاد حاكم علماني ذي قبضة من حديد فيها، فيما نرى بوش حذراً تجاه الالتزام باحتلال آخر لدولة أخرى بعد العراق التي يحتلها منذ سنة ونصف تقريباً، خاصةً وان ايران تضم 70 مليون نسمة، وبوش لا يريد ان يتورط.
ان هذه الامور مجتمعة تجعل شارون مضطراً لجمع أكبر عدد ممكن من الاستخبارات في محاولة منه لتغيير خطط الحكومة الاميركية، وان كان ذلك يعني كشف عميل في مستوى رفيع وتعريضه للمخاطر بجعله يقوم بسرقة وثائق بالغة الاهمية واعطائها لمراسل منظمة (ايباك).
ومع ادانة فرانكلين التي لم تهتم بها صحافتنا العربية كثيراً، فإن رسالة اغ ان التناقض الامريكي الداخلي بللى ذروته، هي اليوم قد أرسلت.