يوليا تيموشينكو‏...‏قطعة بسكويت غير قابلة للكسر

كتبت: هناء دكروري

أميرة الغاز‏,‏جان دارك الثورة البرتقالية‏,‏المرأة الحديدية‏,‏ سيدة باحد عشر ملياردولار‏,‏ كرة اللهب الأوكرانية وجه جميل باسنان حادة‏..‏الكثير من الالقاب والصفات اطلقت علي يوليا تيموشينكو رئيسة وزراء أوكرانيا التي استطاعت خلال أعوام قليلة أن تصبح من أغني أغنياء أوكرانيا‏,‏ وزعيمة ثورية‏,‏ وأول رئيسة وزراء في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق‏.‏

والآن وبعد مرور‏6‏ أشهر علي نجاح الثورة البرتقالية في الانتصار للديمقراطية بتولي فيكتور يوشينكو رئاسة البلاد واسناد رئاسة الحكومة لتيموشينكو‏,‏مازال الكثيرون مشغولون بتحليل فرص استمرار ونجاح الثنائي يوشينكو تيموشينكو‏,‏وبتحليل شخصية يوليا‏(44‏ عاما‏)‏ تلك السيدة الظاهرة التي تجمع بين الكثير من المتناقضات‏..‏

أما فيما يتعلق بالثنائي يوشينكو‏-‏تيموشينكو‏,‏ فبرغم اعتراف الجميع باتساع مساحة الحرية‏,‏وبالانجازات الملموسة في مجالات الاعمال والاستثمار والخدمات الاجتماعية منذ توليهما السلطة الا ان هناك ايضا الكثير من الاحباطات‏.‏فبرنامج اعادة الخصخصة الذي تبنته حكومة تيموشينكو محاط بالكثير من علامات الاستفهام‏.‏فمعايير وآليات اعادة خصخصة الشركات غير واضحة‏.‏ كما ان القرار الذي اتخذته تيموشينكو بتثبيت اسعار البنزين بحجة ان هناك مؤامرة ضد أوكرانيا من قبل شركات الطاقة الروسية ادي إلي حدوث ازمة وقود مما اثار موجة انتقادات حادة‏.‏ واضطر يوشينكو إلي التدخل والغاء التثبيت وترددت شائعات حول وجود خلافات حادة بين الرئيس ورئيسة الوزراء وانه يفكر جديا في اقالتها‏.‏

ولكن من المستبعد ان يستغني يوشينكو عن تيموشينكو في الوقت الحالي‏.‏ فبخلاف التناغم المثمر للثنائي الذي ظهر من خلال تعاونهما معا عندما كان يوشينكو رئيسا للوزراء وهي نائبته ووزيرة الطاقة في عام‏1999,‏ تعد تيموشينكو بمثابة تميمة الحظ للرئيس‏.‏ فشخصيتها الديناميكية وخطبها النارية وسرعة بديهيتها هي التي اشعلت حماس الاوكرانيين فخرجوا للاحتشاد في ميدان الاستقلال احتجاجا علي تزوير الانتخابات الرئاسية في‏2004‏ التي كان يتنافس فيها يوشينكو مع مرشح الحكومة يانكوفيتش لصالح الاخير‏.‏كما أن تيموشينكو تتمتع بشعبية كبيرة في المناطق الشرقية من البلاد حيث تقع مدينة دنيبروبتروفسك مسقط رأسها وهي المناطق التي يتضاءل فيها التأييد ليوشينكو‏.‏هذا بالاضافة إلي شعبيتها الكبيرة جدا لدي النساء باعتبارها نموذجا مشرفا لنجاح المرأة في مجتمع مازال مقيدا بالسيادة الذكورية‏.‏

ولكن من هي يوليا تيموشينكو؟هل هي زعيمة الحرية والمبادئ الليبرالية الاوروبية؟أم هي المليارديرة الانتهازية التي مازال الغموض يحيط بمصدر ثروتها؟الأمر المؤكد انها امرأة من طراز خاص تجمع بين الكثير من الصفات المتناقضة‏.‏ ومما يزيد هذه الحيرة في تصنيف شخصية تيموشينكو تعقيدا هو تبديلها لمظهرها الخارجي بما يتناسب مع كل مرحلة تمر بها‏,‏وللتدليل علي ذلك ذكرت صحيفة اوكرانية انه يمكن التعرف علي السيرة الذاتية ليوليا تيموشينكو ليس فقط من خلال السجل الزمني للأحداث التي مرت بها ولكن من خلال صورها عبر المراحل المختلفة‏.‏ومن الواضح جدا أن يوليا تعشق التصوير ويضم موقعها علي الانترنت‏,‏والذي صممته ابنتها التي تدرس الاقتصاد في لندن‏,‏أكثر من‏1200‏ صورة فوتغرافية لها‏.‏ففي بداية حياتها العملية كان شعرها بني داكن وقصير‏,‏ وكانت ملابسها متحررة بعض الشئ‏.‏

ثم تخلت عن هذا الشكل للتتبني مظهر سيدة الاعمال ذات الملابس الكلاسيكية مع تفتيح لون شعرها إلي الذهبي‏.‏وأخيرا استقرت علي تسريحة الضفيرة الريفية الاوكرانية التقليدية التي تضفي عليها مظهر البراءة والطهر مع الاحتفاظ بملابس تواكب احدث خطوط الموضة وتبرز انوثتها وذلك تجسيدا لصورة‏'‏قطعة بسكويت ناعمة ورقيقة في مظهرها ولكنها صلبة من الداخل‏.‏

ولدت تيموشينكو في نوفمبر‏1960‏ في مدينة دنيبروبتروفسك‏,‏معقل الصواريخ السوفيتية العابرة للقارات‏,‏مدينة تتحدث الروسية وسط بحر من القري لا تعرف سوي الاوكرانية‏.‏وقد درست يوليا العلوم الاقتصادية بالجامعة‏.‏ وقد بدأت حياتها العملية كخبيرة اقتصاد في احد المصانع العملاقة‏.‏ثم مديرة لعدد من الشركات التي لها علاقة بقطاع الطاقة‏.‏وجاءت الانطلاقة الكبري مع توليها رئاسة شركة‏'‏ يونيتد انرجي سيستمز لطاقة وكان يعمل بها ايضا زوجها ووالده وقد استفادت تيموشينكو من صداقتها بابن مدينتها بافلو لازارنكو والذي تولي رئاسة وزراء اوكرانيا في عام‏1996‏

ففي اطار خطته لحل ازمة الطاقة التي كانت تعتصر البلاد في ذلك الوقت‏(‏ نتيجة عجز المصانع الاوكرانية عن تسديد فواتير الغازالروسي‏)‏ انشأ لازارنكو شبكة من شركات الغاز الوطنية لإمداد المصانع بالغاز في مقابل ما تستطيع تلك المصانع تسديده سواء نقود او بضائع او اسهم‏.‏وحصلت شركة تيموشينكو علي نصيب الاسد من تلك العقود لدرجة انها أصبحت تسيطر علي عشرين في المائة من اجمالي الناتج القومي الاوكراني‏,‏واطلق عليها لقب‏'‏ أميرة الغاز‏'.‏وقد استطاعت تيموشينكو في الفترة ما بين‏1995-1997‏ جمع ثروة قدرت بـ‏11‏ مليار دولاروتحوم شبهات كثيرة حول مدي شرعية تلك الاموال‏.‏

ورغم ان لازارنكو اقيل بتهمة الفساد واستغلال النفوذ في‏1997‏ الا ان تيموشينكو استطاعت اقصاء نفسها عن الفضيحة واستكملت مسيرتها وتوغلت في عالم السياسة وتولت منصب وزيرة الطاقة في حكومة يوشينكو في عهد الرئيس السابق ليونيد كوتشما‏.‏لكن التغييرات الجذرية التي اتخذتها تيموشينكو لاصلاح قطاع الوقود والطاقة قلب عليها رجال الاعمال واوغر صدر كوتشما ضدها فاقالها‏.‏وهنا عادت صداقتها السابقة مع لازارنكو لتطاردها واعتقلت‏,‏لفترة وجيزة في عام‏2001,‏ ووجهت لها رسميا اتهامات الفساد والتهرب الضريبي ورشاوي وتزوير وثائق لاستيراد‏3‏ مليارات مترمكعب من الغاز الروسي‏.‏

وبعد ان اسقطت التهم واطلق سراحها‏,‏استغلت حادثة اغتيال صحفي معارض لقيادة مظاهرات حاشدة في شوارع العاصمة كييف للمطالبة بالاطاحة بالرئيس كوتشما وشكلت حزب الوطن الأم‏.‏وسرعان ما تحولت صورتها في أذهان العامة من الانتهازية التي تنتمي لطبقة الأثرياء الجدد إلي رمز للمقاومة والتصدي للديكتاتورية‏.‏ وترسخت هذه الصورة بشكل أكبر بعد الدور الذي قامت به خلال الثورة البرتقالية‏,‏ولكن تبقي خلفية صورة البطلة غامضة ومحيرة خاصة وان مسألة مصدر اموالها وتورطها في قضية فساد لم تحسم نهائيا‏,‏كما ان زوجها اولكسندر مسجون حاليا بتهمة الفساد‏.‏