السبت: 13 . 08 . 2005

كتبت : عــزة سـامي

رغم كل ما قيل عن
فظائعه ودمويته ومذابحه الجماعية وحروبه الطاحنة التي جر إليها شعبه بلا طائل‏,‏ فإن صدام حسين الرئيس المخلوع الذي يستعد حاليا للمحاكمة والمهدد بعقوبة الإعدام مازال حتي اليوم يحظي بشعبية وإن كان من الصعب قياس حجمها في ظل الظروف الراهنة‏,‏ هذا علي الأقل ما أكده طباخه الشخصي بقوله‏:‏ لم أصوت في الانتخابات الأخيرة ولكن لو كان صدام قد رشح نفسه لكنت اخترته علي الفور‏.‏

هذه المقولة قد ينطق بها كثيرون غيره‏,‏ فالأوضاع الخطيرة التي تشهدها الأراضي العراقية وحالة الفوضي والدموية التي يعاني منها الغالبية العظمي من الشعب العراقي‏,‏ بالإضافة إلي الفقر المدقع والبطالة وحالة اللاأمن قد جعلت البعض يتناسون ممارسات صدام ودكتاتوريته ويترحمون علي أيامه التي تحولت في نظرهم من كابوس عاشوه إلي حلم يأملون يوما في بلوغه‏..‏ كلما شاهدته علي شاشة التليفزيون يتمتع بصحة جيدة أحسست بالراحة هذا ما أكده رئيس طهاة صدام حسين في نبرة منخفضة خشية أن يسمعه أحد من زبائنه الجدد الذين لا يعرفون شيئا عن ماضيه القريب عندما كان يتولي إعداد الطعام لأشهر شخصية في القرن العشرين علي مدي‏16‏ عاما قضاها في خدمته‏.‏

والرجل الذي يعيش اليوم في مدينة اربيل بإقليم كردستاني العراق منذ‏9‏ إبريل‏2003‏ تاريخ سقوط بغداد‏,‏ افتتح مطعمه الصغير لإعداد البيتزا‏,‏ ورغم أن عمله الجديد حقق نجاحا كبيرا إلا أن هذا الرجل البالغ من العمر‏40‏ عاما مازال ينظر إلي عمله السابق بحنين شديد بل لا يملك أن يمنع نفسه من الابتسام كلما طرأت علي ذهنه إحدي تعليقات مخدومه الأسبق الذي كان يعشق الأطباق الشرقية البدوية‏.‏

علي أية حال فإن مهمته لم تكن من الأمور السهلة‏,‏ فقد كان صدام علي حد تعبيره شخصا يأكل بنهم ولكنه كان يكره الأطباق الغربية وعندما كنا نقدم له احد هذه الأطباق كشريحة لحم مثلا كنا نطلق عليها اسم الأكلة الصدامية حتي لا يعترض ويوافق علي ابتلاعها‏.‏

وعن نظامه الغذائي يقول الرجل إن صدام كان يخضع لرجيم بأوامر من طبيبه الفرنسي وكان يفضل طبق الدواجن بالبيض ويحب الخيار المخلل والطماطم والكثير من الحساء ويتجنب السكريات ولكنه كان يشعر بضعف شديد أمام لبن الماعز الذي كان يرسل رجاله خصيصا للحصول عليه من القري البدوية الصغيرة بالقرب من مسقط رأسه بمدينة تكريت‏,‏ وأحيانا كان يقوم بايقاظنا في الخامسة صباحا لنشوي له السمك الذي اصطاده بنفسه في الفجر‏,‏ أما عن الفريق المسئول عن اطعامه فقدكان ينقسم إلي مجموعتين ويرأس أحدها السيد‏(‏ س‏)‏ والذي أثر الاحتفاظ باسمه حتي لا يتعرض للأذي من جانب جيرانه الجدد خاصة أنهم من الأكراد الذين يشعرون بالرغبة من الانتقام من صدام وكل من كانوا يحيطون به أو كان يعمل في خدمته ذات يوم‏.‏

ويقول السيد‏(‏ س‏)‏ إن صدام كان كثيرا ما يأتي معنا إلي المطبخ عندما كان حسن المزاج ولكن قبل ثلاثة أشهر من اجتياح قوات التحالف للعراق أصبح صعب المراس ولا يثق في أحد‏.‏ الواقع أن صدام الذي كان دائم الشك في كل الناس‏,‏ نادرا ما كان يسافر إلي أي مكان دون أن يصطحب معه طهاته لأنه كان يخشي أن يتعرض لمحاولة تسميمه بل إنه لم يكن يتناول طعامه دون أن يخضع لعملية تحليل دقيقة وحتي بعدأن تثبت هذه التحاليل خلو الطعام من أيةسموم فإن الطباخ المسئول كان عليه أن يتناول من كل طبق ملعقة لقد جرت بالفعل محاولة لتسميمه في عام‏1996‏ من قبل أحد زملائي تم إعدامه علي الفور‏,‏

هذا ما أكده السيد س نافيا تماما أن يكون قد فكر يوما في مثل هذه المحاولة ومع ذلك فإن الرجل مازال يذكر الصفعة التي تلقاها يوما علي وجهه من صدام عندما استشاط غضبا لمجرد سماعه خطابا كان يلقيه الرئيس الأمريكي بوش‏:‏ لقد كان مزاجه يتعكر كلما جاءته أخبار من الولايات المتحدة ومع كل خطاب لبوش كنا نعلم أننا معرضون لثورة من الغضب‏,‏ وهنا يذكر السيد س كيف تعرض هو نفسه للاعتقال لمدة أسبوعين إثر حديث أجراه صحفي أمريكي لم يتحمله الرئيس والمرة الثانية كانت عندما أرسله للسجن عندما تجرأ يوما وترك سيارته بالقرب من أبواب القصر‏.‏ والعجيب حقا أن هذه الأعمال الانتقامية لم تجعله يفقد يوما حبه وإعجابه الشديد بشخص الرئيس مفسرا ذلك بقوله‏:‏ كرئيس للبلاد‏,‏ فإنه يجب أن يلعب دوره بحزم‏..‏ العراق تحتاج إلي رجل قوي مثله وإلا كانت الفوضي‏..‏ ومع ذلك فإن صدام كان في أغلب الأوقات شخصا ودودا‏.!‏