انه عمرو موسى، امين عام الجامعة العربية منذ خمسة اعوام، وقبلها وزير خارجية جمهورية مصر العربية لمدة عشرة اعوام تقريبا.

طبعا، ليس هناك ما يوحي بأنه يتحدر من سلالة رعمسيس وان كان الذين يعرفونه جيدا يشتمّون فيه "رائحة فرعونية". ولا هناك اي دليل على انه شكل امتدادا معاصرا لشجرة عائلة توت عنخ آمون، وان كان ابو الهول امام طلاقته لم يجد فرصة سانحة لينبس ببنت شفة.

لماذا كل هذا الكلام؟

لسبب بسيط جدا. فقد "اعترف" امين عام الجامعة العربية في حديث مسهب الى جريدة "الشرق الاوسط" امس انه لم يكن يفهم العرب ولا كيف يفكرون رغم خبرته السياسية والديبلوماسية الطويلة (!) وانه الآن يستمتع بأعوامه الخمسة في الامانة العامة للجامعة لأنه يتعرّف الى العالم العربي من الداخل، وكيف يفكر العرب، ولماذا يملكون هذا الميل الانتحاري!

في الواقع، لا ندري أين تكمن المشكلة هنا. هل تكمن في تلك الاحجية المستعصية على الفهم التي هي العالم العربي، ام انها كامنة في شخص الامين العام الذي عجز عن فهم هذا العالم الواضح كالشمس والشفاف كالزجاج؟!

والمشكلة الادهى بالتأكيد هي ان عمرو موسى الذي يقدم هذا الاعتراف المثير للدهشة، كان وزير خارجية اكبر دولة عربية على امتداد 10 أعوام، وهذا يعني انه اهتم بقضايا وملفات كثيرة تتعلق بهموم المنطقة الممتدة من المحيط الى الخليج، وانه بذل جهودا تتصل بالواقع العربي والعلاقات بين الدول العربية، فهل يعني اعترافه اليوم انه لم يكن يفهم شيئا من تلك الامور والمشاكل؟ وهل يعني ان آلاف التصريحات والخطب والمؤتمرات والتنظيرات التي جاءت منه، مؤتمرا بعد مؤتمر ومناسبة بعد مناسبة، كانت دائما تنطلق من عدم فهمه للعالم العربي؟!

واذا صح ان الامر على هذا النحو من الطلسمية العويصة، فهل تكون المشكلة في العالم العربي وحده، ام انها في الديبلوماسية المصرية ايضا ومن ثم في امانة "الجامعة" العربية، التي تبدو الآن معطلة بالكامل تقريبا؟

واذا كان عمرو موسى يخرج الينا، بعد تاريخ حافل من الشطارة الديبلوماسية، ليقول انه لا يفهم العرب ولا كيف يفكرون، فهل من المستغرب اذا كان العالم بأجمعه تقريبا يعجز احيانا، هو ايضا، عن فهم العرب في كثير من مواقفهم وسياساتهم وعلاقاتهم واساليبهم في التعامل مع بعضهم البعض ومع الآخرين؟

لا ندري اذا كان الامين العام يحاول ضمناً القول ان العالم العربي واقع في التناقض والتخلف والتحجر الى درجة انه كرجل من العصر يستعصى عليه فهم هذا العالم، الذي يبدو من خارج الواقع والمألوف. ولكن عمرو موسى لم يهبط في وزارة الخارجية المصرية من الفضاء الخارجي ولا انتقل الى الجامعة العربية من وراء الكون. ولعل اكبر دليل على الواقع المزري الذي ترتع فيه معظم الدول العربية ، ان رجلا مثله لم يتوان بعد كل هذه الاعوام عن الادلاء بتصريح مهين من هذا النوع.

***

ان عدم فهم موسى للعرب وطرق تفكيرهم، لا يمكن ان يقارن مثلا بعدم تصديق لبنان واللبنانيين وذهولهم امام هذا الواقع المزري والمحبط. فلقد تحول لبنان ساحة دموية لتصفية حسابات العرب، ولخوض حروبهم البديلة. وعلى امتداد اكثر من 17 عاما من الجنون، سقط اكثر من 150 الف قتيل وما يتجاوز 750 الف جريح ودمرت البلاد تقريبا، والعرب في خبر كان، اللهم الا حرص بعضهم على تمويل المقاتلين والميليشيات، وحرص البعض الآخر على التصفيق الببغائي لشعارات ذبحت لبنان وقضية العرب الاولى مثل القول المعروف: "ان طريق فلسطين تمر بجونيه"، وحرص من تبقى على دفن رؤوس النعام في رمال السياسات وصحارى الوعي القومي، حيث لم يكن لبنان اكثر من "دورة تدريبية" على القتل والارهاب والتفجيرات والسيارات المفخخة، التي يبدو العالم العربي الآن كحقل من الهشيم المترامي امامها.

واذا كان امين عام الجامعة العربية لا يفهم العرب ولا كيف يفكرون، فماذا يقول اللبنانيون مثلا في هذه الايام الملتهبة بجرائم القتل والطافحة بالتفجير والتصفيات الكيفية؟ ماذا يقول في ذلك الصمت العربي المريب، حيث تتعالى مواقف الاستنكار والشجب من اربع رياح الارض باستثناء هذه المنطقة الغارقة في السبات والغيبوبة والموت السياسي والاخلاقي؟

***

عمرو موسى لا يفهم؟ وكيف لنا نحن ان نفهم قعود الجامعة العربية وتقصيرها وصمتها المريب عن مسلسل القتل المتمادي في لبنان الذي يستحق ادانة واستنكارا اسوة بـ بعقوبة العراقية مثلا، مع ان مثل هذه البيانات لا توفر نقطة دم واحدة؟

اما عن الميل الانتحاري لدى العرب فانه بالتأكيد واحد من النتائج الحتمية لـ طلسمية الانظمة العربية، التي تجعل من هذه المنطقة شيئا من خارج العصر.

اما اذا كان موسى قد بدأ اخيرا يتعرف الى العرب، كما يقول، فانه يستحق جائزة نوبل، لكننا لا ندري كيف سيحل مشكلته الان مع شعبان عبد الرحيم، الذي سبق ان غنى: "باحب عمرو موسى وباكره اسرائيل"... فهناك من يسأل:

على ماذا يا شعبان؟!

العنوان الأصلي للمقال: على ماذا يا شعبان ؟

للإطلاع على اللقاء مع موسى