الخميس: 2006.10.19



طهران-أحمد الدليمي


يمثل الجدل الدائر في دوائر القرار السياسي الإيراني حول وضع الأقليات والقوميات الإيرانية أهم تحد يواجه الحكومة الإيرانية الحالية؛ والمعروف أنه ومنذ مجيء حكومة المتشددين برئاسة الرئيس أحمدي نجاد تفجرت ثلاث دوائر قومية في إيران: الأولى في إقليم خوزستان الذي تقطنه الأغلبية العربية والذين يشكلون %15 من سكان إيران ويعانون من مشاكل سياسية واقتصادية فهم ومنذ قيام الثورة الخمينية عام1979 مازالوا محرومين من المشاركة السياسية حتى في أبسط الدوائر السياسية؛ كما أن مناطقهم تشكل في موقعها الجغرافي عمدة الصادرات البترولية الإيرانية إلا أن تلك المناطق كتب عليها أن تعيش تحت خط الفقر منذ عصر الشاه وحتى الوقت الراهن.
ومازال إقليم خوزستان العربي يشكل مسرحا خصبا لعمليات فدائية تقوم بها جماعات إيرانية عربية ترفض الأساليب المقيتة وعملياتها التفريس؛ ورغم أن السلطات الأمنية تتهم الخارج بتمويل تلك العمليات وإداراتها للتقليل من حجمها إلا أن المجاميع لاتزال تواصل عملياتها وكانت السبب الرئيسي في إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس نجاد إلى المدينة؛ وتتهم خوزستان السلطات الإيرانية بتنظيم عمليات لتصحر الإقليم من خلال ربط نهر الأحواز بمناطق فارسية خارج الإقليم وتحويل المياه المعدنية إلى تلك الأقاليم تاركين أهل خوزستان يتجرعون المياه غير الصالحة للشرب؛ كما يتهم السكان السلطات بسرقة أموالهم ونفط المنطقة حيث لا تزال مناطقهم تعيش تحت خط الفقر بينما تعيش المدن الفارسية في حالات من الرثاء بأموال خوزستان ونفطها, وتشكل تلك العوامل مشتركات للمعارضة الأحوازية التي تتطلع إلى إقامة إقليم لها والانفصال عن الجسد الإيراني رغم المحاولات الدامية التي يقوم بها الحرس الثوري لضرب أي تجمع عربي في الإقليم واتهام الخارج بتحريك تلك المجاميع الثورية وقد انطلقت يوم الجمعة 15 (أبريل) نيسان الماضي، مظاهرات سلمية، إثر نشر رسالة طالبت وزارة التخطيط التابعة للرئاسة الإيرانية، بتعديل التركيبة العرقية في الإقليم، وقد نسبت الرسالة إلي حُـجة الإسلام، محمد علي أبطحي، المدير السابق لمكتب الرئيس محمد خاتمي. وكالعادة في أية مظاهرات تجري في إيران، فقد تحولت المظاهرة من الحالة السلمية إلى الحالة العسكرية. وبات واضحا أن التطوّرات الجارية في العراق المجاور.. تركت بصمتها بقوة على تحرّك القوميات الإيرانية، التي يتواجد فيها من يُـخطط أو يُـفكّـر بالانفصال، خصوصا أن الولايات المتحدة التي أصبحت تُـحاصر إيران من جميع الجهات، والتي تدعَـم أو تؤيّـد على الأقل أي تحرك ضد النظام، تنظر إلى ( تفكيك إيران، وتفجيرها من الداخل)، بأنه السلاح الأنجح لإسقاط النظام الإيراني، والتخلص منه بعيدا عن الحرب وورطة قوية على شاكلة ما حصل في العراق).
وأما الدائرة القومية الثانية المرشحة للانفجار فهي منطقة كردستان (شمال غرب إيران) وهي المنطقة التي تحتضن القومية الكردية التي تشكل %15 من سكان إيران وهؤلاء يطمحون إلى إقامة نظام فيدرالي على غرار النظام الفيدرالي في كردستان العراق؛ وبسبب الجيرة التاريخية والمشتركات الاجتماعية والثقافية والعقائدية لايكاد المرء يميز ما بين كردستان العراق وإيران فالتزاوج والروابط الاجتماعية مازالت على شدتها ولم تتمكن حرب السنوات الثماني من فك عرى الرابط الاجتماعي أو تغيير الأولويات الكردية فالجميع يتطلع إلى الانفصال وإقامة الحكومة الكردستانية وعلى غرار ما قام به إخوانهم أكراد العراق يقاتل أكراد إيران الحكومة الإيرانية منذ تأسيس النظام السياسي الإيراني ويطمحون إلى الانفصال والانفكاك عن الجسد الإيراني وهو حلم يقدمون كل يوم القرابين من أجله ويتحدث المراقبون عن حكايات وقصص مأساوية تعمدت السلطات الإيرانية إخفاءها إلا أن ما يترشح عنها لوسائل الإعلام يوضح أن تلك المناطق تخرج ليلا من أيدي السلطة المركزية؛ ولم تتمكن السلطة رغم محاولات شراء الذمم من السيطرة على تلك المنطقة التي تشكل مع الفصائل السنية المسلحة (مثلث الموت) حيث تمكنوا في الفترة السابقة من التعرض لموكب الرئيس أحمدي نجاد وقتل أحد حراسه.
ويؤكد خبراء إيرانيون لـ (المجلة): أن تدخل إيران في العراق بعد رحيل النظام السابق يهدف إلى إيقاف المشروع الكردي في شمال العراق والقضاء على الحركات الكردية المسلحة التي تتخذ من شمال العراق مقار لها؛ وخلال زيارة الرئيس العراقي الجديد جلال الطالباني إلى طهران طرح موضوع التجاوزات الإيرانية وقصفها للقرى الكردية العراقية إلا أن الحكومة الإيرانية رفضت تلك الاتهامات وطلبت من الطالباني أن يوفر لها التسهيلات الكاملة لأجل مطاردة الأكراد الإيرانيين وحزب العمال الإيراني؛ وفي تاريخ 2006/9/17 قامت الحكومة بتنظيم أكبر مناورة تهدف إلى القضاء على الفصائل الكردية والسنية المعارضة للنظام حيث تسبب إسقاط القذائف في تهجير أعداد كبيرة من العائلات الإيرانية إلى جانب العمق العراقي وبحسب تأكيدات الخبراء الإيرانيين فإن (الدائرة الكردية) تعد اليوم من أسخن الدوائر تهديدا للنظام السياسي في إيران.
وإلى جانب تلك الدائرتان برزت في الآونة الأخيرة دائرة (التركمان) الذين يحلمون بالتفكك عن الجسد الإيراني والالتحاق بجمهورية أذربيجان الروسية والتي استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي, والمعروف أن التركمان الذين ينحدرون من القومية الأذرية يشكلون نسبة كبيرة من سكان إيران ويحتلون المحافظات الغربية والشمالية لإيران مثل ( تبريز وأذربيجان الغربية والشرقية وهمدان وينتشرون في العاصمة طهران واصفهان والأحواز وكرمنشاه) وهؤلاء يطمحون إلى إقامة إقليم مستقل ويحلمون بإقامة (دولة أذربيجان الكبرى) بالانضمام إلى جمهورية أذربيجان المجاورة لهم حيث مازالت العائلات الإيرانية تعيش التزاور مع تلك العائلات ويتمتعون بأصول مشتركة؛ وما زالت راسخة في ذاكرة الجميع مشاهد توجه جحافل من المواطنين الإيرانيين إلى زيارة أقربائهم وعبورهم سباحة إلى الضفة الأخرى من نهر ( أرس) المتجمد، الذي يفصل الآذريين الإيرانيين عن نظرائهم في الجمهورية الفتية، مع ملاحظة أن النظام الحاكم في أذربيجان، علماني موال للولايات المتحدة ومرشح للعب دور كبير في أية هجمات محتملة تقوم بها الولايات المتحدة لضرب إيران. وتبلغ الحدود الفاصلة بين هذه الجمهورية (السوفياتية) مع محافظة أذربيجان المجاورة لها نحو 760 كم، وقد تطورت العلاقات بين إيران وأذربيجان كثيرا بعد استقلال الأخيرة، وأثر ذلك كثيرا في تنامي الشعور القومي لدى الأذريين الإيرانيين رغم استمرار الشكوك المتبادلة بين السلطات في البلدين.
وكانت إيران قد احتجت بصورة رسمية وعن طريق سفيرها في باكو على حكومة أذربيجان لنشر خريطة لأذربيجان الكبرى تضم جمهورية أذربيجان، والمحافظات الأذرية الإيرانية ومناطق أخرى من شمال إيران (تقع جنوب بحر قزوين) يقطنها أذريون إيرانيون.
واتهمت السلطات الإيرانية الحزب الحاكم في أذربيجان بنشر وتوزيع هذه الخريطة. وتتهم إيران أذربيجان بأنها جار غير مرغوب فيه ولذلك راحت تقدم الدعم لجمهورية أرمينيا رغم أن النظام هناك علماني وموال لإسرائيل, والهواجس الإيرانية إزاء أذربيجان قد تصاعدت بعد وصول معلومات استخباراتية للجانب الإيراني مفادها أن أذربيجان تستقوي بواشنطن لأجل تحقيق حلمها بجلب السكان الأذريين الإيرانيين وفي هذا الواقع تسربت معلومات شبه مؤكدة تفيد أن طائرة حربية أمريكية اخترقت في شهر أيار (مايو) الماضي المجال الجوي الإيراني عن طريق الحدود مع جمهورية أذربيجان، وأن عددا من الطائرات الحربية الإيرانية رافقت الطائرة الأمريكية وفرضت عليها الهبوط في مطار اردبيل (مرز محافظة اردبيل) قبل نقلها إلى أحد مطارات طهران. ويعتقد خبراء أن في جمهورية أذربيجان المجاورة قطعات جوية أمريكية، وأن البلد قد تكون مرشحة لكي تستخدم الولايات المتحدة أراضيها في أية عمليات عسكرية محتملة ضد إيران على خلفية أزمة برنامجها النووي. وفي الفترة الأخيرة اندلعت اضطرابات شديدة في محافظات أذربيجان على خلفية رسم كاريكاتوري يستهزئ بالأقلية الأذرية في إيران وأن ذلك الرسم كان مبررا لاندلاع مظاهرات واسعة في جميع محافظات أذربيجان والمحافظات التي تضم الأقليات الأذرية ورغم أن الرسم الكاريكاتوري يأتي في إطار حرية النشر وفن النكتة الإيراني إلا أن الخبراء يؤكدون بأن الرسم جاء مقارنا لذكرى ينوي الأذريون إحياءها وهي ذكري (1978) حيث قام الأذريون بانتفاضة ضد الشاه مطالبين بإقامة دولة فيدرالية والحقيقة أن الرسم الكاريكاتوري الذي يصور فتى يردد كلمة (صرصار) بالفارسية بعدة نبرات أمام صرصار يسأله ( ماذا؟) باللغة الأذرية، وكان السبب في تصعيد المطالبات القومية للقوميات الإيرانية خصوصا في أقاليم (العرب والأكراد والبلوش.. وطبعا الأذريين) الرسم أشعل شرارة الاضطرابات في العديد من مدن شمال غرب إيران التي يسكنها أذريون (مثل تبريز وارومية واردبيل)، وإثر ذلك اندلعت مظاهرات واسعة احتجاجا على الرسم الذي اعتبره الأذريون وهم يمثلون %25 من الإيرانيين البالغ عددهم 69 مليونا، إهانة لهم. إن التدافع والاحتكاك الذي تشهده القوميات الإيرانية قد يكون الرهان الناجح للولايات المتحدة وعاملا مساعدا في تنفيذ استراتيجيتها الجديدة (تفجير إيران من الداخل عبر عملية شد الأطراف والطرق أسفل الجدار الاثني والعرقي) والتخلص تعد من أهم البلدان المرشحة للتفكك بعد العراق بسبب الخلفيات الدموية للصراعات العرقية والتي يتكتم عليها الإعلام الإيراني الآن، رائحتها تزكم الأنوف رغما عنه).