الإثنين: 2006.11.06


بشير البكر

ما الدوافع والأسباب التي حدت بالرئيس العراقي جلال الطالباني لزيارة باريس في هذا الوقت بالذات؟ طرح هذا السؤال انطلاقاً من التطورات المتسارعة، التي تشهدها الساحة العراقية، وخصوصاً تلك المتعلقة بإصدار الحكم على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وكذلك بالنظر إلى النتائج المتواضعة للزيارة في حد ذاتها.

الرئيس الطالباني الذي حل في العاصمة الفرنسية في زيارة ظاهرها عمل، ومضمونها الفعلي سياحة، اختتم خلال يوم واحد مواعيده الرسمية، حيث اجتمع مع نظيره الفرنسي جاك شيراك لمدة ساعة ونصف الساعة في قصر الرئاسة ldquo;الإليزيهrdquo;، وبعد ذلك عبر جسر ldquo;الكونكوردrdquo; نحو قصر ldquo;آل بوربونrdquo;، ليلتقي رئيس البرلمان جون لوي دوبريه، ومن هناك توجه إلى المبنى المحاذي مباشرة، حيث استقبله وزير الخارجية فيليب دوست بلازي الذي أولم له في مقر الوزارة.

بدا وكأن برنامج لقاءات الطالباني السياسية قد تم تجميعه قصدا في يوم واحد، بهدف تحريره من الالتزامات الرسمية، لاسيما وأنه أعلن نيته القيام بجولة سياحية على بعض الأماكن الأثرية تستمر ثلاثة أيام.

بغض النظر عن نتائج لقاءات الوفد الوزاري الذي رافق الرئيس العراقي، فإن زيارة الطالباني ظلت بروتوكولية أكثر منها زيارة عمل. ورغم أنه استقبل بعض مسؤولي الشركات الفرنسية وخصوصاً في قطاع النفط، فلم تسجل نتائج تذكر. واقتصر الحديث في الإعلام والكواليس على نقطة واحدة فقط، هي مسألة انسحاب القوات الأجنبية من العراق. وقد جرى التطرق إلى هذه المسألة خلال اجتماع شيراك مع الطالباني، ولكن من دون وضوح كاف على ما يبدو. فالخبر الأول الذي تسرب هو أن شيراك أثار مع الطالباني ضرورة تحديد ldquo;روزنامةrdquo; زمنية لانسحاب القوات الأجنبية من العراق، مما اضطر الرئيس العراقي للرد بالقول إن القوات الأمريكية تظل ضرورية ldquo;لعامين أو ثلاثةrdquo;. وأوضح قائلاً: ldquo;أعتقد شخصياً أن عامين أو ثلاثة كافية لنا، لكي نبني قوتنا ونقول لأصدقائنا وداعاًrdquo;.

استدعى الأمر من طرف الناطق باسم قصر الإليزيه جيروم بونافون، إلى إصدار توضيح رسمي يقول فيه إن الرئيس الفرنسي لم يتطرق إلى مسألة ldquo;الروزنامةrdquo; الزمنية، بل تحدث فقط عن ldquo;أفقrdquo; للانسحاب.

إن الحديث عن ldquo;أفقrdquo; للانسحاب لا يعد تراجعاً عن المواقف الفرنسية السابقة فحسب، بل هو تحت سقف الكثير من المواقف الأمريكية التي صدرت في الآونة الأخيرة، والتي تتحدث عن إتمام بناء القوات العراقية خلال فترة أقصاها 81 شهرا، وبعدها لابد من البدء بسحب القسم الأكبر من القوات الأمريكية.

إن عدم الوضوح الفرنسي تجاه هذه النقطة نابع من اختلاط الموقف في العراق، وعدم رغبة باريس في زج نفسها في شأن يمكنه أن يثير حفيظة واشنطن.

لقد تم عطف الطابع ldquo;الخفيفrdquo; للزيارة إلى موقع الرئاسة العراقية في الدستور الجديد، فهي ذات موقع رمزي، ولا سلطة لديها للقرار الذي تم حصره برئيس الحكومة. ومع أن الطالباني حاول في أكثر من مناسبة أن يتصرف من موقع أنه يمتلك حصة في القرار، فإنه ظل بعيداً في جميع الأحوال عن القدرة على تحديد وجهة القرارات الكبرى، التي تتخذ استناداً إلى آلية بعيدة كليا عن مؤسسة الرئاسة العراقية.

يعرف الفرنسيون البعد الرمزي للرئاسة العراقية، ومع ذلك استقبلوا الطالباني مثلما سبق لهم وأن استقبلوا سلفه غازي الياور في يناير/كانون الثاني سنة 2005. لذا ليس أمراً يثير الاستغراب القول إن الزيارة خالية من أي بعد سياسي أو اقتصادي مهم.

وفي هذا الجو أثارت انتباه المراقبين مسألة انصراف الطالباني إلى السياحة بعد الانتهاء من برنامجه الرسمي، في الوقت الذي يعيش فيه العراق حالة توتر شديد واستنفار عام، تحسباً من ردود فعل واسعة لصدور الحكم ضد صدام حسين بعد سنة من المحاكمات في قضية ldquo;الدجيلrdquo;، الأمر الذي يستدعي وجود الرئيس الطالباني قبل غيره.