زهير قصيباتي
طلاق الأكثرية والأقلية في لبنان اكتمل عقده، بعد زواج عسير بالإكراه. وأمس اكتمل ايضاً الفرز النهائي بين المعسكرين، ليشمل الصراع كل الشرعيات الدستورية في البلد: بعد رئاسة الجمهورية والطعن بالتمديد للرئيس اميل لحود، طعن بالتمثيل الشعبي الذي يجسده البرلمان. والطاعن مثل العماد ميشال عون بين laquo;فرسانraquo; الدفاع عن الشرعية الدستورية، وهو لم ينكر انه بين آخرين ارتضوا بحماسة مقعداً في البرلمان، ثم هشموا دوره تحت لافتة انه وليد قانون انتخابي لا يجسد التمثيل الشعبي بعدالة.
وبعد استقالة الوزراء الشيعة من مقاعد laquo;حزب اللهraquo; وحركة laquo;أملraquo; في حكومة فؤاد السنيورة، اكتمل هدر الشرعيات الثلاث في خنادق صراع المعسكرين الذي ما كان له إلا أن يتمدد وينحسر ثم يتمدد مجدداً على إيقاعات لعبة الأمم في المنطقة، الهادرة باشتباك المحورين: السوري ndash; الإيراني والأميركي ndash; الفرنسي. الأول المنتعش بعاصفة الانتخابات في الولايات المتحدة والذي يعد بإعصار، إذ يعتقد بأنه كسب الرهان على الوقت وعلى فيتنام العراقية، بما يمكّنه من تجاوز أي قرار نجحت إدارة الرئيس جورج بوش في تمريره عبر مجلس الأمن. والمحور الثاني هو الذي بات متأرجحاً بين العاصفة laquo;الديموقراطيةraquo; في الكونغرس، وبين من يحصون الأيام للرئيس جاك شيراك في الإليزيه... لأن رحيله سيريحهم من laquo;كوابيسraquo; في المنطقة، ولبنان تحديداً، ومن ضغوط هائلة لفرض تطبيق قرارات دولية.
وبعيداً من التدقيق في واقعية تلك الحسابات، وتناسي نهج الديموقراطيين في الولايات المتحدة وتاريخ التصاقهم بالمصالح laquo;الدفاعيةraquo; والأمنية لإسرائيل، يبدو الصراع الذي احتدم في لبنان ليدشن حرب شرعية الشرعيات الثلاث، أبرز تجليات الهجوم المضاد على سياسة المحور الأميركي ndash; الفرنسي، وهو مرشح ايضاً ليمهد أرض البلد ساحةً للحرب الإسرائيلية ndash; الإيرانية. بمعنى آخر، انها لحظة انهيار كل الجهود التي بُذِلت لتحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية.
ومثلما بدت المحكمة الدولية التي ستُكلف محاكمة المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، المحك الذي انفرط أمامه عقد الزواج بالإكراه بين الأكثرية وثنائية تحالف laquo;حزب اللهraquo; و laquo;أملraquo;، قد يكون انهيار شرعية الحكومة في رأي بعض فريق الأقلية، مقدمة للتنصل من موجبات القرار 1701، بوصف هذه الحكومة حاضنة للمفاوضات التي سهّلت ولادته... على رغم موافقة كل القوى السياسية عليه، لا سيما الحزب والحركة. والتنصل لن يعني سوى تمكين إسرائيل من التحضير لما سمّته الحرب المقبلة صيف 2007.
حتى ذلك الصيف، شتاء الرياح الإقليمية laquo;المتآخيةraquo; مع حرب الشرعيات اللبنانية (بالأحرى لها نَسب الأبوّة) لا يعِد اللبنانيين إلا بتدفيعهم الثمن، بعدما اكتملت مقومات مسرح الجريمة الجديدة: الاستقلال ممنوع، لبنانكم مجرد ساحة، خنادق، ملعب لمن يصفقون، متاريس للطرد اللامركزي، ساحات للصراخ والشتائم، منابر لتخوين البشر كي يكفروا بالوطن...
يُحسد رئيس البرلمان اللبناني مدير الحوار والتشاور، زعيم laquo;أملraquo; نبيه بري على جرأته في وصف حال البلد الصغير الذي كان تنوّعه غنى ونعمةً باتت من مسبّبات نقص المناعة في تكوينه... أو هكذا أُريد له. زعيم laquo;أملraquo; لم يوصد أبداً أبواب الأمل للبنانيين الذين لم تفارقهم بعد كوارث الحرب الإسرائيلية فدهمتهم صدمة laquo;الطلاقraquo; بين معسكري الأكثرية والأقلية. هو لا يرى ان الطلاق بات بائناً بالثلاثة، ولا يتحدث عن جبهتين بين الشرعيات الدستورية الثلاث، أو اثنتين في مجلس الوزراء. لا يبشّر بالتحدي في الشارع، فيما laquo;حزب اللهraquo; يصنّف الشارع أداة تعبير ديموقراطي. وما لا يدركه معظم المواطنين تبرير مدير الحوار وجود laquo;عشرات من المرشحينraquo; لشغل مقاعد الوزراء المستقيلين، في وقت لا أحد في لبنان يجرؤ على القفز من فوق الخندقين.
أما الحكومة التي بات مطعوناً في laquo;شرعيتهاraquo; كما يرى لحود في مطالعته الدستورية، وأما رئيسها فؤاد السنيورة الذي تجرّع مرات كأس الطعن في نياته، ومقاصد صبره على التخوين، فهما كسلطة تنفيذية تدير البلد كبش laquo;الاستقرارraquo;، ما أن تضرب الأيدي الخفية شارع التظاهرات السلمية.
الطلاق كي يصبح بائناً، قد يحتاج الى تحريض نواب المعارضة على مقاعدهم، فيتمردون على شرعيتهم!... من اجل نية laquo;إنقاذraquo;. والأكيد ان بعض السياسيين في لبنان يعلم كم الخراب سهل، لكنه ما زال يستمرئ أن يجرّب، والمأساة أكبر من خراب للشرعيات، إذ تضع البلد على كف الشيطان.














التعليقات