الخميس 30 نوفمبر 2006

نواف عبيد

في فبراير 2003، وقبل شهر من غزو العراق، حذّر وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، الرئيس الأميركي، جورج بوش، من أنه quot;سوف يحل مشكلة وسيوجد خمساً أخرىquot;، إذا ما أطاح بصدام حسين بالقوة. ولو تمت الاستجابة لهذه النصيحة لما كان العراق الآن على حافة انفجار شامل للحرب الأهلية، والتفكك.

ويتمنى المرء ألا يقوم الرئيس بوش بالخطأ ذاته من خلال تجاهل نصيحة سفير السعودية إلى الولايات المتحدة، الأمير تركي الفيصل، الذي قال الشهر الماضي: quot;بما أن أميركا جاءت للعراق غير مدعوة، فلا يجب أن تغادر العراق غير مدعوةquot;. وإذا ما فعلت فإن أول النتائج ستتمثل في تدخل سعودي كبير لوقف المسلحين الشيعة المدعومين من إيران، عن ذبح العراقيين السُّنّة.

طوال السنة الماضية طالبت quot;جوقة أصواتquot;، من السعودية بحماية السُّنّة في العراق، وطلبت شخصيات عراقية عشائرية ودينية بارزة، إلى جانب قادة مصر والأردن ودول عربية وإسلامية أخرى، من القيادة السعودية تزويد العراقيين السُّنّة بالأسلحة والدعم المالي. كما أن هناك ضغطاً داخلياً قوياً للتدخل. وتطالب العشائر السعودية الرئيسية، التي ترتبط بعلاقات تاريخية واجتماعية وطيدة مع نظيراتها في العراق، باتخاذ إجراء. وتحظى هذه العشائر بدعم جيل جديد من أعضاء العائلة المالكة السعودية، الذين يحتلون مناصب حكومية استراتيجية ويتوقون لرؤية المملكة تلعب دوراً أكثر قوة في المنطقة.

ولأنّ الملك عبدالله يعمل لتقليل التوتر الطائفي في العراق والإصلاح بين الشيعة والسُّنّة، ولأنه وعد الرئيس بوش بعدم التدخل في العراق، ولأنه سيكون من المستحيل التأكد من أن ميليشيات تمولها السعودية لن تهاجم القوات الأميركية، تم رفض جميع هذه الطلبات، ولكن ستتم الاستجابة لها إذا بدأت القوات الأميركية انسحابها التدريجي من العراق. وبما أن السعودية هي موقع القوة الاقتصادية في الشرق الأوسط، ومكان ميلاد الإسلام، والقائد الفعلي للعالم المسلم السُّنّي (الذي يضم 85% من مسلمي العالم)، فإن لديها الوسائل والمسؤولية للتدخل.

وحتى أشهر قليلة، لم يكن متخيلاً أن يسحب الرئيس الأميركي، أعداداً كبيرة من الجنود، قبل الأوان، ولكن بما أن ذلك محتمل الآن، فإن القيادة السعودية تستعد لإجراء مراجعة جوهرية لسياستها في العراق، حيث تشتمل الخيارات، الآن، على تزويد القادة العسكريين السُّنّة (وهم بشكل رئيسي أعضاء سابقون في الجيش العراقي البعثي السابق، الذي يشكل القاعدة الأساسية للتمرد)، بأنواع المساعدة ذاتها -التمويل والأسلحة والدعم اللوجيستي- التي تقدمها إيران للجماعات الشيعية المسلحة منذ سنوات. ويشتمل الاحتمال الآخر على تشكيل ألوية سُنّية جديدة لمحاربة الميليشيات المدعومة من إيران. كما أنه من المحتمل أن يقرر quot;العاهل السعودي، الملك عبدالله، أن يحاصر الدعم الإيراني للميليشيات الشيعية من خلال سياسة نفطية، فإذا عمدت السعودية إلى رفع الإنتاج وتخفيض سعر النفط إلى النصف، فإن المملكة تبقى قادرة على تغطية مصروفاتها، بينما إيران التي تعاني صعوبات اقتصادية حتى في ظل ارتفاع أسعار النفط، ستجعلها تلك السياسة النفطية غير قادرة على دعم الميليشيات بمئات الملايين من الدولارات سنوياً.

وعلى حين أن كلاً من التمرد السُّنّي وفرق الموت الشيعية يشتركان في التسبب في حمَّام الدم في العراق حالياً، إلا أن خطر الحرب الأهلية، في حال اندلاعها، على سُنّة العراق أكثر من خطرها على الشيعة، وذلك في ضوء أن الشيعة يشكلون 65% من سكان العراق، بينما تتراوح نسبة السُّنّة ما بين 15% إلى 20% فقط، وبذلك فإنهم سيعانون تطهيراً عرقياً في حال اندلاع حرب أهلية.

الواضح هو أنه لا الحكومة ولا الشرطة العراقيتان، ستحميان السُّنّة في العراق من الميلشيات الشيعية المدعومة من إيران، خاصة أن عشرات الآلاف من رجال الميليشيات الشيعة يشغلون، حالياً، مناصب في قوات الشرطة تلك. والأسوأ أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لا يمكنه عمل شيء بهذا الخصوص، لأنه يعتمد على دعم اثنين من القيادات الشيعية الأساسية في العراق.

هناك سبب للاعتقاد أن إدارة بوش، على الرغم من الضغوط الداخلية، ستهتم بنصيحة السعودية، وتؤكد زيارة نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، إلى الرياض، الأسبوع الماضي، لبحث الوضع (لم تكن هناك محطات أخرى في رحلته الطويلة) أهمية السعودية في المنطقة وأهميتها للاستراتيجية الأميركية في العراق. لكن إذا بدأ انسحاب تدريجي للقوات فسيتصاعد العنف على نحو مثير.

وفي هذه الحالة، فإن البقاء في وضع المتفرج لن يكون مقبولاً للسعودية، وسيعني غض الطرف عن مذابح العراقيين السُّنّة التخلي عن المبادئ التي قامت عليها المملكة، وسيؤدي ذلك إلى تقويض مصداقية السعودية في العالم السُّنّي، وسيمثل استسلاماً لأعمال العسكرة الإيرانية في المنطقة.

وللحقيقة فإن التدخل السعودي في المنطقة ينطوي على مخاطر كثيرة، فقد يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية، فلتكن: لأن نتائج الوقوف جانباً أسوأ بكثير.

مستشار أمني بالحكومة السعودية ومدير مشروع تقييم الأمن الوطني السعودي