ساطع نور الدين

في ذروة الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان وعندما كان الطيران الحربي الاسرائيلي يدفن كل يوم عشرات اللبنانيين تحت ركام منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، كان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد يصر على أنه يرى علامات على قرب زوال الدولة اليهودية في فلسطين.
وعلى الرغم من ان اسرائيل تمكنت من إلحاق أضرار بشرية ومادية بلبنان واللبنانيين لم يسبق لها مثيل في تاريخ حروبها مع العرب، فإن الرئيس الايراني ظل يحتفظ بهذه الرؤية ويسعى جاهدا الى تطويرها وتقريبها من ارض الواقع، ويشاركه في ذلك عدد من الذين رأوا في الحرب الاخيرة هزيمة نكراء للاسرائيليين ودرسا لن ينسوه ابدا، وتجربة لن يكرروها مطلقا..
آخر هذه المساعي كان مؤتمر الهولوكوست الذي عقد في طهران يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، وقال فيه الرئيس الايراني ان مصير اسرائيل سيكون شبيها بمصير الاتحاد السوفياتي، فاستحق تصفيق المدعوين، وتنديد الاسرائيليين، واستياء العالم الغربي، الذي جاءته تلك النبوءة من حيث لا يدري، وفي الوقت الذي كان يشعر فيه بالارتياح الى انه على وشك التحرر من ذلك النقاش القديم حول المحرقة النازية وعلى وشك التخلص من عقدة الذنب تجاه اليهود ودولتهم، وأعبائها السياسية والاخلاقية والاقتصادية المتزايدة.
الزعم الايراني أنه كان مؤتمرا علميا لا ينكر المحرقة لكنه يجادل في وقائعها وتفاصيلها وأرقامها، لا سيما رقم الستة ملايين يهودي اوروبي الذي قضوا في غرف الغاز النازية، كما يحاجج في كونها احد اهم الاساطير المؤسسة لدولة اسرائيل، وذلك من اجل ان يساهم في اعادة الحق الفلسطيني الى اصحابه والارض الفلسطينية الى ملاكها.
لكن حصل العكس تماما، وبدا ان المؤتمر ساعد في اعادة إحياء وظيفة دولة اسرائيل المبنية على نظرية الاضطهاد اليهودي التاريخي، وعلى فرضية الغيتو اليهودي التقليدي، وعلى حاجة الاسرائيليين الى اعلى درجات القوة من اجل الدفاع عن وجودهم وعن كيانهم وعن هويتهم. ولم تكن صدفة lt;زلّة لسانgt; رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت لحظة افتتاح مؤتمر طهران عندما أقر بأن اسرائيل تمتلك اسلحة نووية، وألمح الى انها يمكن ان تستعملها ايضا..
وكذلك الامر في الغرب الذي كان قد نسي بالفعل ذكرى المحرقة وتعب من دفع تكاليفها المالية والانسانية طوال أكثر من نصف قرن. فقد أعاد الغربيون وبحجة مؤتمر طهران اكتشاف دولة إسرائيل كقاعدة متقدمة في معركتهم المفتوحة مع الاسلام، بعدما كانوا يميلون الى تنحيتها جانبا بل والتقليل من شأنها السابق، عندما كانت معسكرا رئيسيا في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.
كان المؤتمر غلطة ايرانية فادحة لا يعوضها سوى الايمان مع الرئيس الايراني ان اسرائيل ستزول في المستقبل القريب من الوجود.. ولن تدمر لبنان مرة اخرى.