القرني المنظّر الشرعي لبن لادن يتذكر محطات صعود حلم الدولة الإسلامية في أفغانستان وانهياره (2 من 3) ...

القرني:لا أستبعد مسؤولية laquo;الجهادraquo; المصرية عن اغتيال عبدالله عزام... و laquo;الموسادraquo; بريء من دمه

جميل الذيابي

في الحلقة الثانية من حديثة لـlaquo;الحياةraquo; يمضي القرني في سرد تاريخ الخلافات والمواقف والأحداث التي عصفت بدولة laquo;المجاهدينraquo; في أفغانستان، التي اختطفتها laquo;طالبانraquo; الأصولية، ويروي قصة مقتل الشيخ عبدالله عزام، ويخص laquo;بن لادنraquo; بإشارات، أكد فيها استحالة استسلامه، وكيف كان laquo;القرنيraquo; مفتياً شخصياً لأسامة بن لادن، الذي أضحى المطلوب الأخطر في العالم.

من كان يدعم أحمد شاه مسعود غير أميركا؟

- مسعود لم يكن مدعوماً من أميركا، لأن دعم اميركا كان كله يأتي عن طريق الجيش الباكستاني، والجيش الباكستاني كان يعتبر العدو رقم واحد له في أفغانستان ليس الشيوعيين، بل مسعود، لأنه حينما خرج من بيشاور خرج هارباً. أنا رأيت السلاح الذي عند مسعود بأم عيني، معظم سلاح مسعود من الجيش الروسي، غنائم من الدبابات والطائرات والأسلحة، وما كان يأتي دعم لمسعود الا النزر اليسير. كانت الأولوية في الدعم إلى سياف وحكمتيار ويونس خالص مع انهم اقل منه جنداً وعدداً، لكن هؤلاء كلهم بشتون، ولهم علاقات بالحكومة الباكستانية. مسعود كان أحد قادة الأستاذ رباني، فكان يأتيه من المساعدات جزء مما يُدفع للأستاذ رباني من المساعدات، وكان اكثر ما عند مسعود كان اعتماداً ذاتياً، يعني السلاح عنده أنا رأيته، ومعظمه من الغنائم، كان عنده مصدر دعم آخر، أنا سألته لأنني عشت معه، مكثت معه مدة ليست طويلة، نحو شهر تقريباً، وكنت اقضي معه احياناً ما يقرب من 12 ساعة يومياً، وفي بعض الاحيان لم اكن الا انا وهو والمترجم فقط، كنا نقضي الساعات الطوال، وتوطدت بيني وبينه علاقة قوية.

gt; هل وجدته حاقداً على الأفغان العرب؟

- مسعود لا يعرف الحقد الى قلبه سبيلاً.

gt; كيف اشتد القتال بين حكمتيار ومسعود؟

- كان قتالاً دامياً في أفغانستان، كان حكمتيار احياناً يقاتل احمد شاه مسعود اكثر مما يقاتل الشيوعيين، وكان يرى قتاله مقدماً على قتال الشيوعيين، لذلك حينما دخل مسعود الى كابول واستولى عليها، أبى حكمتيار ان يدخل وأعلن الحرب عليه، على رغم ان مسعود قبل ان يدخل الى كابول، جلس خارج بيشاور، وأرسل الى المجاهدين جميعاً، وقال لهم كابول سقطت، شكلوا حكومة منكم في بيشاور وتفضلوا وادخلوا استلموا الحكم في كابول، اتفقوا جميعاً على هذا الا حكمتيار، الذي خرج من الاجتماع معلناً الحرب على مسعود، وأعلن انه لا بد من ان يدخل كابول تحت الرايات السود، يعني تحت رايات الحزب الاسلامي. فنصحه كثير من الناس بأن يكف عن هذا القتال.

gt; هل لك أن تروي لنا قصة مقتل عبدالله عزام؟

- قبل مقتل الشيخ عبدالله عزام كان الخلاف قد احتدم بين رباني وحكمتيار، وحصل قتال شديد بينهما في شمال أفغانستان، طبعاً رباني ممثلاً في مسعود، وحكمتيار كان ممثلاً في قائد له في الشمال قتل بعد ذلك اسمه سيد جمال رحمه الله. حصل بينهم قتال مرير، الى ان وصل الى قطع الطرق ومنع الناس من التنقل ومنع الارزاق من الدخول. فبدأت الاجتماعات بين بعض الذين لهم علاقة بالجهاد لمحاولة الإصلاح، جاء وفد من السعودية، طبعاً وفد (شعبي) ممن يثق بهم المجاهدون ومن بينهم الدكتور محمد عمر الزبير مدير جامعة الملك عبدالعزيز سابقاً، والشيخ ابراهيم افندي، الذي هو رئيس نادي الاتحاد في ذلك الحين، والشيخ عبدالمجيد الزنداني من اليمن، هؤلاء ابرز أعضاء اللجنة، ومعهم اخوة آخرون من القدامى الموجودين في الساحة هناك، وأنا اختاروني ان اكون مقرراً لهذه اللجنة. الشيخ عبدالله عزام كان في تلك الفترة على الجبهات في الداخل, وفي تلك الليلة، وصل الى بيشاور عندما علم ان هناك لجنة للمصالحة، جاء الشيخ عبدالله عزام، وانا في الحقيقة كنت من اقرب الناس إليه، وحصلت زيارات لحكمتيار ورباني الى ان كُتب اتفاق بين الطرفين، هذا الاتفاق كتبته انا بخط يدي، وكنا في مساء الخميس، يعني أن صباحه يوم الجمعة، كنا مجتمعين في فيلا، كل هذه اللجنة في منطقة في باكستان تسمى ديفينز كالوني، كان أعضاء اللجنة يقيمون فيها وكانوا يجتمعون فيها. اجتمعنا تلك الليلة وانتهينا من صياغة الاتفاق الساعة 12.00 ليلاً، ولم يبق الا التوقيع، وأردنا في تلك الليلة ان يُوقع في الليل لكي يُعلن الجمعة صباحاً على الناس. فقرروا ان يأخذ الشيخ عبدالله عزام الاتفاق ويذهب الى بيت رباني ليوقعه الأخير، وكان رباني يسكن في بيشاور في منطقة قريبة من ديفينز كالوني. انتخبوا أخاً آخر مصرياً من كبار المجاهدين وهو معروف، اسمه الشيخ فتحي رفاعي، لكي يذهب الى حكمتيار في معسكر خارج بيشاور يسكن فيه حكمتيار هناك. ولما كان الشيخ عبدالله عزام ذاهباً الى رباني، قال لي: laquo;تذهب معي يا شيخ موسىraquo;، لأنه كان يعرف ان بيني وبين رباني مودة كبيرة. ذهبت معه في الليل، انا والشيخ عبدالله عزام وسائقه ابن اخته أبو الحارث الذي كان يقود السيارة، طرقنا باب رباني فخرج لنا أحد حراسه وكان من طلابنا، أخبرناه عن الاتفاق، فذهب وأيقظ رباني، خرج إلينا ونحن عند باب البيت، قرأنا عليه الاتفاق على مصباح السيارة الصغير. وقّع عليه وأخذناه وعدنا. الشيخ فتحي رفاعي ذهب للقاء حكمتيار، فلم يستطع ان يقابله في البيت، اتصل بنا من هناك وقال إنه لم يستطع مقابلة حكمتيار.

gt; كيف اتصل؟

- هناك اجهزة هاتف في مكتب حكمتيار، اجهزة هاتف متصلة مع هاتف الشيخ عبدالله عزام، اتصل وقال انا لم استطع مقابلة المهندس، كانوا يسمونه المهندس، قال له الشيخ عبدالله عزام تبيت هناك وتنتظره الى صلاة الفجر وتأخذ توقيعه وتأتي به.

gt; وأنتم عدتم؟

- كان ابن الشيخ عبدالله عزام الكبير محمد قد ذهب الى الأردن للزواج، وفي تلك الليلة وصل هو وزوجته الى بيشاور. الشيخ عبدالله عزام غادرنا بعد منتصف الليل بعد أن رجعنا من عند رباني، وجاءنا خبر أنه طلب من الشيخ فتحي ان يبقى ليأخذ توقيع حكمتيار على الاتفاق ويأتي. ثم تم الاتفاق بيننا على أن نلتقي نحن مع الشيخ عبدالله عزام في الصباح. بعد أن صلينا الفجر اتصل الشيخ عبدالله عزام وقال: انا وصلت الى البيت فوجدت محمداً وزوجته قد وصلا، وليس عندي وقت لألتقي بهم إلا الآن، فأجلوا لقاءنا الى بعد صلاة الجمعة، تصلّون معي الجمعة في الجامع، ثم بعد ذلك نتوجه سوياً الى إسلام آباد، واتفقنا على هذا. كنا جالسين في الفيلا وكنا نتهيأ لصلاة الجمعة، وإذا بالهاتف يرن عندنا، رفع السماعة أخ مصري من كبار المجاهدين وأنا كنت معه في الردهة نفسها في الفيلا، سمعته وهو يصيح بأعلى صوته ويقول: لا حول ولا قوة الا بالله، ثم رمى السماعة من يده وقال: الشيخ عبدالله تعرض لحادثة اغتيال، سألناه أين، قال في منطقة قريبة في بيشاور، وهي قريبة من المنطقة التي نحن فيها، وقرية من بيت الشيخ عبدالله عزام، وهو المسجد الذي يصلي فيه الشيخ عبدالله دائماً، ويجتمع فيه المجاهدون العرب في خطبة الجمعة. كان القصد ان نجتمع عند الشيخ عبدالله بعد الفجر، ثم نمشي الى اسلام آباد، فلما وجد محمداً وزوجته قال انا سأبقى مع محمد وأخطب الجمعة في مسجد سبع الليل، لأنه كان في الجبهة قبل ذلك، والشباب منذ فترة لم يلتق بهم، فقرر ان يخطب بهم الجمعة ثم نذهب الى اسلام آباد. وكأن القدر كان هناك، وكان معه في السيارة نفسها ابنه محمد وابنه ابراهيم، كانت هناك عبوة ناسفة تحت المعبر، في مجرى للمياه، كانت موضوعة في انتظاره. عندما جاءنا الخبر خرجنا كل واحد يجري على طريقته، الى ان وصلنا الى مكان المسجد، وجدنا الجثث متناثرة، انا سألت عن الشيخ عبدالله قالوا لي إنهم نقلوه الى مستشفى في بيشاور، ذهبنا ولحقنا به الى المستشفى هناك، أبناؤه تطايروا جثثاً، بعضهم اوصاله كانت على بعد خمسين متراً، وبعضهم اوصاله كانت معلقة على الاشجار، اما الشيخ عبدالله فجسمه كان سليماً ولم يصب بجروح. نقل الى مستشفى في بيشاور وبعد ذلك نقل الى قرية الهجرة عند سياف، تجمع الناس، الى ان صلينا عليه صلاة العشاء.

gt; من كان وراء هذه العملية؟

- نحن صراحة في تلك الفترة كانت اكثر تحليلاتنا تميل الى ان وراء هذا الحادث الموساد الإسرائيلي، بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية، لكن بعد فترة ظهر تحليل يقول إنه ربما ان الذي كان وراء ذلك هم جماعة الجهاد المصرية، لأنهم كانوا يكرهون الشيخ عبدالله عزام، وكانوا ربما يرونه إحدى العقبات التي تحول دون تنفيذ برنامجهم الخاص بهم في أفغانستان، وأنا شخصياً لا أستبعد مثل هذا الاحتمال.

gt; يعني انت لا تستبعد الموساد، لكن جماعة الجهاد المصرية من تسلسل الأحداث هي الأقرب لتنفيذ هذا العمل؟

- هناك نقطة لا بد من ان تكون مهمة هنا، الشيخ عبدالله عزام هو مؤسس حركة laquo;حماسraquo;.

gt; وأحمد ياسين؟

- أحمد ياسين المرشد الفكري هنا، اما الذي أسسها ودرب كوادرها على يديه في أفغانستان فهو الشيخ عبدالله عزام.

gt; هذا كلام غير تاريخي، كلام حِبّي؟

- لا. أنا أريدك ان تقرأ كتاباً مطبوعاً اسمه laquo;حماس ndash; الجذور التاريخيةraquo;.

gt; لا نستطيع ان نكذّب الفلسطينيين وحركة حماس كلها، ونقول ان مؤسسها عبدالله عزام. ممكن ان نقول إن عبدالله عزام شارك في التأسيس، لكن المؤسس الحقيقي الشيخ أحمد ياسين؟

- ربما.

gt; هل كانت جماعة الجهاد المصرية قوية آنذاك وظاهرة على السطح في أفغانستان؟

- حقيقة، جماعة الجهاد المصرية في فترة الجهاد الأفغاني وصولاً الى سقوط كابول، لم تكن لها جذور على ساحة الجهاد. كانوا في مرحلة خمود، طبعاً وجدوا في بيشاور مكاناً آمناً لهم، بحكم انه بلد مفتوح لا جوازات ولا أي شيء، أي انسان يستطيع ان يأتي ويعيش ولا أحد يسأل عنه، بلد مملوء بالمهاجرين من شتى بقاع الأرض، ولهذا، وجدوا في بيشاور مكاناً آمناً لهم، لكي يعيشوا فيه مع اسرهم ويعيدوا ترتيب أنفسهم داخلياً. لكن لم يكونوا معروفين بين شباب الجهاد بمشاركتهم في المعسكرات ولا بقيادة العمليات، أو بالعلاقة بزعماء الجهاد الافغاني المعروفين، وفي المراكز التربوية والدعوية فلم يكونوا معروفين ابداًَ. ابرز شخصية معروفة منهم الآن الظواهري، لم يكن معروفاً في ذاك الحين بهذا الشكل، كانت ابرز شخصية معروفة منهم شخص يسمونه الدكتور فضل.

gt; هل ما زال حياً؟

- لا. انا سألت عنه أين ذهب، قالوا لي بأنه لجأ الى أستراليا او الى كندا، وانه تخلى عن فكرة الجهاد تماماً، انسلخ عن جماعة الجهاد وتخلى عن فكرها وأصبح يعيش حياة مدنية. جماعة الجهاد لم تكن بارزة في ذلك الوقت، كانت في مرحلة إعادة لملمة صفوفها وترتيبها.

gt; هل كانوا تنظيماً منظماً، يعني كان اسمهم موجوداً كجماعة جهاد مصرية، أم أنهم كانوا منضوين تحت ما يسمى بالجماعات الجهادية أو الأفغان العرب؟

- ليس لهم بروز أساساً. كانوا يعيشون كأفراد، لا يعيشون في الساحة كتنظيم أو حزب له نشاطه ومحاضراته.

gt; قيل كلام بأن اسامة بن لادن هو من اغتال عبدالله عزام. وقبل كلام بأن اسامة بن لادن يريد ان يكون هو فعلاً العربي الوحيد الذي يقود الجماعات الجهادية، لقوته المالية وإضافة الى القوة الشرعية الجديدة، في الخطابة في وجود المجاهدين حوله، كيف ترى هذه الفرضية؟

- أما مسألة ان يكون أسامة بن لادن ضالعاً في مسألة اغتيال عبدالله عزام، فأنا اذا كنت أتهم نفسي فأنا أتهمه بهذا، لمعرفتي بما بينه وبين الشيخ عبدالله عزام من حب وعلاقة وطيدة واحترام متبادل.

gt; من دون معرفة أسامة بن لادن بالأمر، أي بتدبير laquo;التابعين لهraquo;؟

- نعم من دون معرفة أسامة بن لادن. أما ان يكون أسامة ضالعاً في هذا بتخطيط او بعلم او بتمويل فأنا لا أصدق ذلك.

gt; هل تعتقد أن اسامة بن لادن وضع يده في يد المصريين قسراً لا طوعاً، بسبب الظروف والمتغيرات التي حدثت؟

- لا أعتقد ان يكون قسراً بالمعنى الدقيق. لكن الظروف والتغيرات التي حصلت لأسامة بن لادن، جعلته لا يجد أمامه الا جماعة الجهاد. لأن اسامة بن لادن احاطت به ظروف دفعته الى ان يكون في الطرف الآخر، ودفعته الى ان يتبنى العنف، وكثير من الذين يعرفون أسامة بن لادن، وأنا واحد منهم، لم نكن نوافقه على تبنيه هذا المنهج، وكنا نعارضه في هذا، حتى حينما بدأت البوادر تظهر منه في هذا الاتجاه، كنا نعارضه ونبين له أن هذا الطريق خطأ.

gt; ماذا كان رده؟

- شخصية أسامة من النوع الذي يكره الجدال، هو دائماً يحب ان يعرض رأيه ويسمع، لكن بعد ذلك لا يستمر في الجدال، لكنه يتخذ القرار.

gt; يسمع قراراً ام يتخذ قراراً؟

- يسمع ويتخذ القرار.

gt; هل هو ضليع في العلم الشرعي؟

- ضليع لا. عنده إلمام بالعلوم الشرعية، ويحب ان يسأل من يثق به من أهل العلم، لكن ان يكون ضليعاً وفقيهاً قادراً على الاجتهاد في المسائل، لا.

gt; وماذا عن الأشرطة الأخيرة المسربة والافتراءات التي يقدمها بحق الأمة وكأنه وصي عليها. ألا تشعر بأنه رجل يرى نفسه فوق أئمة المسلمين؟

أحمد شاه مسعود وفي الاطار حكمتيار
أحمد شاه مسعود وفي الاطار حكمتيار
- الإشكالية الموجودة عند أسامة ليست قضية انه يرى نفسه أعلم من علماء العالم الإسلامي، لا. يعني هل يعتقد أسامة انه أعلم من الشيخ ابن باز أو أعلم من الشيخ ابن عثيمين لا. لكن أسامة يرى أن بعض علماء الأمة متخاذلون وموالون للحكومات.

gt; من خلال معرفتك بأسامة بن لادن، من هو الشخص المؤثر الذي يمكن أن يؤثر فيه في يوم من الأيام؟

- علاقتي بأسامة بن لادن انقطعت بعد ان خرج الخروج النهائي الى السودان ثم الى أفغانستان...، كان آخر عهدي به قبل ان يغادر الى السودان. أسامة شخصية مؤثرة وليست متأثرة، يرى في نفسه انه شخصية مؤثرة، شخصية قيادية، يعني هو يرى انه يؤثر في الناس ولا يتأثر بهم. أنا في تلك الفترة كان يحترمني احتراماً كبيراً، كان يقدمني في مجلسه في تلك الفترة قبل ان يخرج، لكن أسامة ليس من الناس الذين يتأثرون بشخص معين، هو يريد ان يسير الناس خلفه، وشخصيته مهيأة لهذا، بحكم نشأته في بيئة ذات مال وجاه، ومنذ شبابه، وهو مستقل في الفكر، تواق الى الجهاد. لما جاء للجهاد في أفغانستان، انا اعرف ان كثيراً من الناس نصحوه بألا يذهب بنفسه، وأن يبقى هنا ليكون دوره هو الدعم المالي، جمع المال وإرساله الى المجاهدين، وكانوا يرون أن دوره هذا أهم من الذهاب الى هناك. لكن هو كان لا يرضى بهذا، هو يريد ان يكون قائداً لا تابعاً.

gt; عندما خرج بن لادن الى السودان، هل طلب منك الذهاب معه، وكم مرة التقاك قبل ان يخرج؟

- قبل ان يخرج الى السودان كنت دائم الصلة به، وكان بعض الجهاديين والمصريين يعتبرونه عميلاً للحكومات والاستخبارات. فقبل ان يخرج، حصلت احداث العراق وبدأ يلقي المحاضرات هنا، لتجييش الناس ضد نظام العراق وضد نظام صدام، ثم حصل نوع من توقيف النشاطات التي كان أسامة بن لادن يقوم بها، واعتقل بعض الأفراد التابعين له. كان بيته الذي يسكن فيه مسيجاً بالشباك العازل، فأمره الأمن بأن يزيل تلك الشباك وأن يعيش حياة عادية كما يعيش غيره، وبدأت بعض الجهات الأمنية تستدعيه وتحقق معه وتستجوبه، واعتبرها إهانات له. ولهذا أصبح يرى أن الطريق يضيق أمامه، وبدأ يفكر في مسألة الخروج من البلاد، وهو حدثني في هذا الموضوع حقيقة، لكن انا لم اكن اوافقه على هذا، وكنت اقول له نحن يجب ان نبقى في البلد، فهذا البلد لا يحتمل الصدام ولا العنف، هذا بلدنا ونحن اعلم به، ثم كنت اقول له اين نذهب، اين نجد مكة وأين نجد المدينة، الى أي ارض نذهب. هذه هي بلاد الإسلام.

gt; هل طلب منك ان تذهب معه الى السودان؟ وهل كان يريدك ان تكون مساعداً له؟

- تستطيع ان تقول إنه كان يثق بي من الجانب الشرعي. ويرى انني ربما اكون مفتياً له او منظّراً شرعياً.

gt; هذا دليل على ان لديه عدم إدراك في المسألة الشرعية؟

- هو لا يعتبر نفسه عالماً شرعياً.

gt; من خلال معرفتك به والأشرطة المسربة التي تخرج في كل مرة، كيف تشعر بنبرة صوته؟

- من خلال الأشرطة هذه، فقط شعرت من نبرة صوت أسامة بن لادن انه تقدم في السن.

gt; ألم تلاحظ نبرة حزن في صوته؟

- لا أبداً. هو شخصية غير مترددة ولا خائفة. أسامة رجل يحب الموت، ويسعى إليه ويطلب الشهادة.

gt; هذا الكلام أختلف معك تماماً فيه، والدليل انه لما قررت أميركا بعد 11 أيلول (سبتمبر) الهجوم على نظام طالبان وإسقاطه، طُلب منه، عبر الدول والمنظمات والهيئات الانسانية، تجنيب المجتمع الأفغاني شر الحرب والقتل والدمار والخراب والهلاك، لكنه فضّل أن يقتل الآلاف وينجو بنفسه، وهذا عكس ما تقول؟

- أنا لا أوافق على انه فضّل ان يموت الناس وينجو بنفسه.

gt; بتحليلك تقول إنه يحب الشهادة.

- يحب الشهادة ولكن...

gt; ألا ترى أن الشهادة هي أن تضحي بنفسك بتجنيب الآلاف من المسلمين القتل؟

- هو لا يفكر بهذه الطريقة. نحن لو نظرنا مثلاً الى مجيء القوات الاميركية الى افغانستان، أولاً اسامة تحت إمرة طالبان وليس مستقلاً بنفسه.

gt; هو كان يمول طالبان؟

- يموّل طالبان ولكنه يأتمر بأمرها، ويرى ان الملا محمد عمر هو أمير المؤمنين. هذا جانب. أما الجانب الثاني أيضاً فهو يعيش تحت ظل نظام تهاوى وسقط، ثم غيّر استراتيجيته، طالبان تهاووا تماماً وانتهوا. حتى من الجانب العسكري ليس من العقل ان يبقى هو، لا بد من ان ينسحب الى مكان يعيد فيه تنظيم صفوفه ويعيد ترتيب أجندته من جديد. انا عرفت أسامة في شدة المعارك، فهو ليس من النوع الذي يهرب او ينسحب، مرت معارك لم يبق أمام الدبابات الروسية الا أسامة ومعه إثنان او ثلاثة، كانوا يغطون انسحاب المجاهدين، وكان هو آخر من ينسحب بعد ان يغطي انسحابهم جميعاً، وبعد ذلك ينسحب.

gt; من بقي معه من أصدقائه القدامى الذين تعرفهم؟

- من أصدقائه القدامى لم يبق أحد معه. معظم الذين كانوا في تلك الفترة، بعد ان بدأت الفتنة في أفغانستان رجعوا الى هنا وغيروا برامجهم وعاشوا حياتهم العادية، لأن الأمر اصبح فتنة، ومشكلة أسامة انه دخل حتى في فتنة. أنا كنت اقول لكل إنسان من العرب ذهب الى أفغانستان أيام حكم طالبان، كنت اقول لهم اذا استطاع أحد منكم أن يصل الى أسامة بلّغوه عني نصيحة ان يجتنب القتال بين الأفغان، ولا يدخل في الفتنة بينهم، لا يقاتل.

gt; كيف ترى تنظيم القاعدة، هل هو فعلاً تنظيم حقيقي مبني على قاعدة عسكرية منظمة؟

- ما الفارق بين الدواعي والأسباب، وبين ان يكون هذا تنظيماً او ليس تنظيماً؟ لا شك في ان هناك ظروفاً توافرت، سواء أكانت اقليمية او عالمية، ودفعت هؤلاء الناس الى ان يلتقوا معاً، ويضعوا أيديهم في أيدي بعضهم بعضاً. أما انه تنظيم، فهو تنظيم بلا شك.

gt; تنظيم قائم على العنف؟

- العنف وسيلة من وسائله، بل من أهم وسائله، خصوصاً في ما يتعلق بقتال الاميركيين، ومن يعاونهم، فهذا أمر محسوم عندهم، لا إشكال في استخدام العنف والقتل، ويرون أنه نوع من الجهاد.

gt; كيف حللوا العمليات الانتحارية والعمليات التي يسمونها جهادية، لأنفسهم، يعني قتل المئات من الأبرياء في مقابل أن يسقط واحد منهم؟

- في نظري، القضية ليست قضية تحليل العمل الانتحاري أو تحريمه. لكن القضية هي العمل موجه لمن. فأن يأتي شخص ويقتل انساناً مسلماً، حتى لو قتله من دون عملية انتحارية، هذه جريمة كبرى.

gt; في هذه المرحلة، هل ترى أن اسامة بن لادن أصبح في قبضة الجماعة المصرية؟

- بكل تأكيد، هو الآن اصبح جزءاً من نسيج فكر جماعة الجهاد، يتحرك وفق مخططاتهم.

gt; من خلال معرفتك بأسامة بن لادن، كيف تتوقع نهاية هذا المشهد؟ هل يمكن ان يمل هذا الطريق ويسلم نفسه؟

- هذا من سابع المستحيلات، أسامة سيبقى مقاتلاً حتى يموت ولو لم يبق معه أحد.

gt; هل اولاده، كلهم معه، ما آخر المعلومات، هل يأتيك أحد، هل تصلك رسائل؟

- لا، في الفترة الاخيرة بعد مجيء الاميركيين وضرب تورا بورا واختفائهم أصبحت المعلومات مقطوعة تماماً، لا أحد يذهب ولا أحد يأتي. لكن طبعاً قبل ذلك أسرته كلها معه، زوجته وأولاده، إلا بعض أولاده رجعوا باكراً، ولده الكبير عبدالله مثلاً رجع باكراً، له بعض الأولاد موجودون هنا، أما بقية اسرته وأولاده لا أعرف أين يعيشون، هل في باكستان ام هم معه مختفون، الله أعلم لا اعرف.

gt; أود العودة الى موضوع أحمد شاه مسعود. كيف تعرفت عليه... ووثق بك؟

- في فترة وجودي هناك تعرفت على معظم القيادات الموجودة في بيشاور، الاستاذ رباني، الاستاذ سياف، المهندس حكمتيار، الشيخ يونس، تعرفت عليهم، ثم بقي مسعود في طرف كبير في معادلة القضية الأفغانية. انا رأيت انه لا يمكن ان استكمل رؤيتي للقضية الأفغانية ما لم أقابله، وإلا ستبقى رؤيتي للقضية ناقصة، لأنه من خلال وجودنا هناك ادركنا فعلاً ان مسعوداً هو الشخصية المؤثرة في مسار الجهاد الأفغاني، وفي الوقت نفسه، الشخصية المرتقبة التي يمكن ان يحدث على يدها انتصار الجهاد الأفغاني، خصوصاً انه قبل ذلك حصلت محاولات كثيرة لتجميع المجاهدين وتقوية صفوفهم لكي يتفقوا على خطة واحدة لدخول كابول وإسقاط النظام الشيوعي، لكن كل هذه المحاولات كانت فاشلة. في الحقيقة النظام الشيوعي كان نظاماً ضعيفاً، لكن الذي كان يحول دون سقوطه هو اختلاف المجاهدين، وعدم وجود رغبة صادقة في ما بينهم ليكونوا يداً واحدة. ثم أيضاً ثناء الشيخ عبدالله عزام رحمه الله على مسعود، جعلني أقول إن لا بد من التعرف على هذه الشخصية. فكرت بأنه لا بد من أن ازور مسعوداً على رغم أي شيء. وكانت الحقيقة بمبادرة شخصية، اضافة الى ان الخلاف بين مسعود وحكمتيار كان محتدماً، فكنت اقول في نفسي لعل الله عزّ وجلّ يجعل لنا يداً في محاولة الصلح بين الاثنين، لأننا أدركنا في النهاية انه اذا حصل اتفاق بين حكمتيار ورباني، تقريباً 80 في المئة او 70 في المئة من مشكلات الجهاد الأفغاني والخلافات ستحل، لأنهما الفصيلان الكبيران المؤثران في مسار الجهاد الأفغاني، وهما متناحران في ما بينهما، وهما باختلافهما يؤثران. في الحقيقة تولدت رغبة شديدة أنني لا بد من ان أزور مسعوداً في مناطقه وأتعرف عليه هناك، وهذه رغبة شخصية، أحب ان اتعرف على قيادات المجاهدين، ومن الطبيعي جداً ان نحرص على التعرف على مثل مسعود.

gt; ما رؤيتك بالضبط، احمد شاه مسعود كان ناقماً على حكمتيار؟

- أولاً، احب ان اقول لك إن ذهابي الى مسعود قوبل بمعارضة شديدة من الفصائل الجهادية الأخرى، خصوصاً الاشخاص الذين بيني وبينهم علاقة من الأفغان، عندما علموا بأن عندي رغبة في الذهاب الى مسعود، أرسلوا إلي ما يشبه التحذير من الذهاب اليه.

غداً حلقة أخيرة