الجمعة: 2006.06.23

يوسـف إبراهيــم

هل جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; الأصولية, مهيأة لتسلم زمام القيادة والمسؤولية في أي من الدول العربية؟ وهل هي في مكانة تؤهلها لنيل ثقة الجماهير وتسلمها لسلطة كهذه؟ اعتماداً على التصريحات والمواقف والأفعال المنسوبة لممثلين بارزين لهذا التيار في كل من الأردن ومصر, مضافاً إليها ما رأيناه من مواقف وتصريحات حركة quot;حماسquot; في فلسطين, مصحوبة بالتصريحات النارية التي تطلقها تيارات الإسلام السياسي عموماً, فإن من المؤكد, النفي القاطع لأهلية quot;الإخوان المسلمينquot; للحكم والقيادة، بأي وجه. كما يصعب في الوقت ذاته, تصديق أي من الادعاءات المنسوبة لممثلي وقادة هذا التيار, بأنهم مع الديمقراطية والسلام, وغيرها من مزاعم لا يروجون لها إلا تكسباً وسعياً منهم للوصول إلى السلطة. ولكي ندلل على صحة ما ذهبنا إليه, دعونا نستشهد هنا بثلاثة أمثلة, لعل أشدها إثارة للصدمة ما وردنا من الأردن مؤخراً. فهناك ذهب أربعة أعضاء برلمانيين ndash;يمثلون حركة quot;الإخوان المسلمينquot; في الأردن في ذات الوقت- إلى منزل عائلة أبومصعب الزرقاوي, لـquot;العزاءquot; في مصرعه على يد القوات الأميركية مؤخراً.

ومن فرط تبني هؤلاء للمجرم القتيل, وصفه محمد أبو فارس ndash;وهو أحد أعضاء الوفد- بأنه quot;مجاهد شهيدquot;. ونسي أبو فارس, أن هذا القتيل الموصوف بـquot;الجهاد والشهادةquot;, هو نفسه من أرسل قتلته وسفاحيه إلى الأردن قبل بضعة أشهر فحسب, حيث نفذوا سلسلة عمليات إجرامية إرهابية, راح ضحيتها 60 مواطناً أردنياً كانوا يشاركون في حفل زفاف, إضافة إلى تفجيرهم لثلاثة فنادق مختلفة! وإزاء تصريح كهذا, يجد المرء نفسه لا يكف عن التفكير والسؤال عن المنطق الذي يدفع جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; الأردنية إلى الثناء على مجرم بكل هذه الدموية, ثم تتوقع من الشعب الأردني أن يثق فيها بعد ذلك!! وحتى لو صرفنا النظر عن خيانة هؤلاء الأصوليين لوطنهم وشعبهم, فكيف تأتت لهم رؤية أية صورة إيجابية تستحق الإطراء, في ذلك السفاح المتعطش للدماء؟!

فبكل المقاييس, لم يكن الزرقاوي سوى سفاح مريض, أزهق أرواح المئات من المدنيين العراقيين الأبرياء, شيعة وسُنة, نساءً ورجالاً وأطفالاً, ومصلين داخل حرم المساجد, وعمالاً فقراء يقفون في صفوف الانتظار الطويل بحثاً عن فرصة عمل ولقمة عيش كريم يقيمون بها أود ذويهم وعائلاتهم. وليس ذلك فحسب, بل أعلن الزرقاوي جهاراً نهاراً, أن هدفه هو إشعال نار حرب أهلية طائفية بين مسلمي العراق وغيره من الدول العربية. ثم أليس الزرقاوي عضواً بارزاً من أعضاء تنظيم quot;القاعدةquot;, وتابعاً لكل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري؟

وليس الأردن وحده, بل لقد تكشفت نوايا وأفعال حركة quot;الإخوان المسلمينquot; في دول عديدة أخرى, فلم يكن حصاد الشعوب منها سوى الحطام والهشيم. ففي كل مرة اقترب فيها quot;الإخوان المسلمونquot; من السلطة ومواقع اتخاذ القرار, لم تكن مؤشرات سلوكهم سوى التبشير بأنظمة حكم مستبدة قمعية باطشة, تزدري حقوق الإنسان, وتبصق على القوانين, وتستنكف عن إقامة العلاقات الطبيعية السلمية بين مجتمعاتهم والعالم الخارجي. ولكي لا نطلق القول على عواهنه, جاء مؤخراً في تصريح شهير للمرشد العام لحركة quot;الإخوان المسلمينquot; في مصر, أدلى به أثناء حوار صحفي أجري معه قوله بعبارة عامية: quot;...في القانونquot;. فهل يمكن لقائد يتحدث لغة quot;شوارعيةquot; سوقية كهذه, أن يثق به المصريون الذين لم يقدموا على اختياره مطلقاً على أية حال؟ بل السؤال: من الذي انتخب هذا المرشد ليكون مرشداً للحركة في المقام الأول؟ والإجابة أن من انتخبه هو quot;مجلس الشورىquot; داخل جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;. وكما نعلم فهو مجلس مؤلف من حاشية من الأصدقاء والمتواطئين الذين لم ينتخبهم أحد من المواطنين المصريين.

وأينما أجلت النظر حول حركة quot;الإخوان المسلمينquot; الأصولية إجمالاً, على نطاق الشرق الأوسط بأسره ndash;بما فيه العراق وفلسطين والأردن- فإنك لا تتلقى سوى صدمة تلو الأخرى. ففي قطاع غزة, لم يكن حكم حركة quot;حماسquot; لها خلال الأشهر القليلة الماضية, سوى كارثة محققة, علماً بأن quot;حماسquot; تعد جزءاً أصيلاً من حركة quot;الإخوان المسلمينquot; عموماً في المنطقة العربية, وتعمل تحت مظلتها الإقليمية الواسعة. نعم كان حكم quot;حماسquot; كارثة لأن الحركة وإن كان جرى انتخابها ديمقراطياً وشرعياً من قبل الفلسطينيين, إلا أنها شرعت في تدمير حياتهم, منذ لحظة وصولها إلى السلطة مباشرة. هذا وقد بدأت quot;حماسquot; فعل الدمار هذا, بإعلانها عن رفضها القاطع والمتشدد الاعتراف بأي من الاتفاقات الدولية التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة, منذ مؤتمر مدريد في عام 1990. كما أكدت الحركة رفضها لإبرام أية صفقة سلام مع إسرائيل, ورفضت نبذ العنف ومبادئها الداعية إلى تحرير فلسطين بالقوة العسكرية.

أما النتائج والتداعيات المترتبة عن هذا السلوك غير المسؤول فمعلومة ويمكن التنبؤ بها بكل سهولة ويسر. يجدر بالذكر أن كلاً من الولايات المتحدة وأوروبا, قد سارعت للتحذير من مغبة سياسات كهذه. وتكرر تحذير هذه الأطراف الثلاثة, من أن النتيجة المتوقعة لمواصلة quot;حماسquot; سياسة quot;اللاءاتquot; والرفض المتعنت هذه, هي وقف المساعدات الإنسانية المالية التي يعتمد عليها الفلسطينيون في حياتهم ومعيشتهم اليومية. لكن وعلى رغم هذه التحذيرات واصلت quot;حماسquot; السياسات ذاتها, غير عابئة بما سيحدث, مع العلم بأنه ليست لها موارد مالية مستقلة, تمكنها من دفع رواتب العاملين والموظفين, دون الاعتماد على المساعدات المالية الدولية.

والنتيجة الطبيعية المترتبة عن هذا التعنت quot;الحماسيquot; هي عدم تمكن نحو 160 ألف موظف وعامل فلسطيني, من صرف رواتبهم عن الأشهر الثلاثة الماضية كلها. وتنحدر حياة فلسطينيي القطاع اليوم إلى كارثة المجاعة حرفياً, لكونهم يعيشون على دخل يقل عن الثلاثة دولارات يومياً للأسرة كلها. ولا أظن أن هدف الفلسطينيين من انتخابهم لحركة quot;حماسquot; كان شوقهم وتمنيهم للجوع والفقر. وحتى هذه اللحظة, فإن الشيء الوحيد الذي أثبتت فيه الحركة كفاءتها عن جدارة وبسرعة البرق ndash;شأنها في ذلك شأن مثيلاتها في تيارات وحركات الإسلام السياسي- هو فشلها في تولي الحكم بشكل عقلاني ومسؤول.