أحمد الجار الله


من ثمانمئة سنة حتى اليوم لم يجدد العرب تاريخهم, وظلوا يعيشون على آخر نسخة توفروا عندها, من دون أن يقدموا اسهامات جديدة للإنسانية, ومن دون أن يجددوا تاريخهم أو يحدثونه. ولذلك لابد من الارتداد نحو حقبات سابقة من التاريخ العربي من أجل الاثبات ان لاشيء تغير فينا, وأن حاضرنا, كما الماضي, استطراد في الهباء واللاشيء.
قبل هزيمة 1967 أمام اسرائيل كان هناك قرار عربي يمنع الإعلام من الاضاءة على العدو, أو التعرف عليه عن بعد, أوحتى ذكر اسمه... كانت اسرائيل وجوداً مزعوما في هذا الاعلام, وبقرار ذاتي أحادي الجانب لا يكفي لنفي الواقع أو الغائه.
وعندما وقعت الهزيمة من قبل هذا raquo;العدو اللاموجودlaquo;, في نظرنا, سارعنا إلى تفريغ الانكسار من معناه, وقلنا ماهي إلا نكسة عابرة لابد من تجاوزها, وهناك منا من ادعى الانتصار اذ يكفي أن النظام الحاكم لم يسقط, أما تدمير البلد واقتصاده وتغيير حدوده فأمور هامشية لا تهم مقابل أن يبقى نظام الحكم باقياً ولو على تلال الركام والخرائب.
بعد ذلك ادخلت علينا مفاهيم جديدة تسمح بالتعرف على العدو, وعلى اساس ان معرفة العدو هي سبيل الانتصار عليه.. وظلت هذه الامواج من الهذيان النفسي تلاطم الواقع الى ان انتهى بنا الأمر الى نقيضه, أي إلى الاعتراف باسرائيل, ومنا من ابرم معاهدات سلام معها كمصر والأردن.
التوقف عند هذه المحطات ليس القصد منه الاشارة إلى رسوبنا تاريخياً, بل الاشارة أيضا إلى أن raquo;حزب اللهlaquo; هو صورة متكررة عن هذا الرسوب التاريخي, وعن كل هذا الهذيان الذي يدفعنا إلى اعلاء الشعور بالكرامة, بينما وجوهنا مصعرة تحت الاقدام.
raquo;حزب اللهlaquo; الآن يهمش احتلال الجيش الاسرائيلي لمارون الراس ولبنت جبيل, وقال إن هذا الاحتلال غير مهم مادام انه سيتيح لنا فرصة المقاومة واسترجاع البلدين ولو بعد اربعين سنة... raquo;حزب اللهlaquo; هذا ارسل الى المدن والقرى الاسرائيلية أكثر من الفي صاروخ, لم تحدث شيئا ذا قيمة على الأرض إذ أن اغلبها وقع في الأراضي الخلاء أو سقط في البحر, ومقابل ذلك أمامنا ما فعلت اسرائيل بلبنان الذي قطعت اوصاله, ودمرت بنيته التحتية, وقضت على اقتصاده, وشردت شعبه, وهدمت بيوته ومنازله, والفرق هنا شاسع في موازين الخراب والتدمير.
في لبنان كان هناك اتفاق الطائف الذي ابرم قبل ستة عشر عاماً لاجل قيام الدولة وخلو البلد من المليشيات والقوات الاجنبية من سورية وغير سورية, ومع الأسف لم يطبق هذا الاتفاق, وبدأت مساوئ عدم تطبيقه تتجلى في احتلال إيران لجنوب لبنان, بدل الفلسطينيين, وعبر raquo;حزب اللهlaquo;, ثم صدر القرار الدولي 1559 الذي نص على ماجاء في اتفاق الطائف من مقررات, وطالب بخروج سورية من لبنان وتجريد مليشيا raquo;حزب اللهlaquo; من السلاح, وكذلك المليشيات الفلسطينية المنتشرة خارج المخيمات وتتلقى اوامرها واحتياجاتها اللوجيستية من النظام السوري. صدور هذا القرار لم يفهمه أحد على أساس انه توجه دولي لتطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده, وبالذات طهران ودمشق, فانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه في لبنان حيث يتعرض raquo;حزب اللهlaquo; الى التكسير على ايدي الآلة العسكرية الاسرائيلية في جو ملائم من الاغضاء العربي والدولي لم يسبق له مثيل.
ويذكر في هذا الجانب أن اجتماعات مجالس الحوار الوطني في لبنان تطرقت الى تنفيذ القرار الدولي 1559 , وتم ابلاغ المتحاورين أن العالم لن يسكت عن النفوذ الإيراني المنفلش عبر raquo;حزب اللهlaquo;, وطلب منهم أن يكون أمنهم الوطني عزيزاً وغالياً وغير قابل للبيع, لكن لم يسمع أحد, ونتيجة لذلك حصل ما حصل من الكوارث والفواجع.
raquo;حزب اللهlaquo; لم يكن في نظر العالم مقاومة وطنية لبنانية حقيقية يهمها قضايا وطنها, ولو كان كذلك لكان أول من سلم سلاحه إلى الدولة اللبنانية فور انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان, لكن مع الأسف لم يكن هذا الحزب يكترث بأمن بلاده الوطني, الذي كان رخيصاً عنده, الأمر الذي أفسح المجال للإيرانيين وللسوريين ليجعلوا لبنان ساحة مفتوحة لمصالحهم, وساحة بديلة تتلقى عنهم ضربات اسرائيل وما تحدثه من تخريب وتدمير.
هذا الوضع الاستباحي للبلد جعل العالم والعرب يفضلون الاستعانة بmacr; raquo;عدوlaquo; لتطبيق اتفاق الطائف والقرار ,1559 ويؤثرون السكوت رغم انهم يزرفون الدموع على الشعب اللبناني المصلوب على خشبات المصالح الاجنبية منذ أكثر من ثلاثين سنة.
أما السؤال من منع تطبيق اتفاق الطائف, وتنفيذ القرار الدولي 1559 , وافسح في المجال لإيران كي تمثل الجنوب اللبناني, فإن الجواب عليه معروف وسهل, وهو النظام السوري الذي لجأ الى حسابات ترتكز على مغامرين اشقياء لن يعود قرار السلم والحرب بايديهم بعد اليوم.
الآن هناك فرصة أمام الحكماء العرب كي يعيدوا تحديث تاريخهم, والاسهام في اقامة شرق أوسط جديد لا وجود فيه للخارجين على القانون الدولي, ولصانعي الازمات والاضطرابات للتعيش منها, والبقاء على حسابها, ونعتقد أن ما يحصل اليوم هو البداية, أو هو المخاض كما عبرت عنه كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية.