الإثنين: 2006.08.14
د. عيدة المطلق قناة
للمرة الثالثة وخلال عقد واحد من الزمان تحتدم حرب الفتاوى الشرعية حول شأن مفصلي من شؤون الأمة؛ الأولى حين أفتى عدد من العلماء بجواز استقدام القوات الأجنبية والاستعانة بها لإخراج القوات العراقية من دولة الكويت عام ،1990 والثانية في أعقاب احتلال العراق في عام 2003 حين أفتى بعض المراجع بالتعاون مع الاحتلال الأمريكي للعراق والدخول في العملية السياسية تحت حرابه. وها هي الثالثة تتكرر في عام 2006 حين حرمت بعض الفتاوى نصرة حزب الله وحظرت ldquo;الانضواء تحت إمرتهrdquo;. أو حتى ldquo;الدعاء له بالنصر والتمكينrdquo;. وما تبعها من فتاوى أخرى تنقضها وعلى رأسها فتوى جماعة الإخوان المسلمين، واتحاد علماء المسلمين.
إن التضارب في آراء العلماء في العديد من المنعطفات المفصلية في حياة الأمة كانت له ارتدادات خطيرة على قضية الإفتاء من جهة وعلى قضايا الأمة من جهة أخرى. كما مثلت قفزاً على حقائق الصراع مع الصهيونية العالمية وتجلياتها ldquo;الإسرائيليةrdquo; - الأمريكية وخلقت تناقضات مع الذات. فكانت بذلك أشد إيذاء ونيلاً من القضية من أسلحة العدو.
فلماذا؟ ومن أجل من؟ وإلى أين؟ وحتى متى؟ تساؤلات مشروعة تطرح نفسها بقوة في هذه المتاهة. أَوليس الضرب بسلاح الفتوى وإثارة النعرات الطائفية والدينية تخذيلاً للمجاهدين وانحيازاً لمقولات العدو وتخندقاً في خنادقه؟ وهل أن ldquo;إسرائيلrdquo; بحاجة إلى مبررات لتوحشها وهمجيتها واقتراف ما اقترفته من فظائع؟ فمن يجرؤ على أن يتفرس في وجوه الضحايا فيدلنا على أي مذهب أو دين قضى ldquo;أبو اللهايةrdquo;؟
وهل حقاً تكمن الخشية من المثلث السني أو الهلال الشيعي، أم أن الخشية الحقيقية هي من مد المقاومة المتصاعد ومن احتضان الشعوب لفكر المقاومة على أي مذهب أو دين أو لغة جاءت، ومن أي ساحة انطلقت وفي أي جغرافيا استوطنت؟ أم أنها محاولة بائسة لإخفاء العجز عن دعم المقاومة والتخاذل عن نصرتها، في وقت تخوض فيه هذه المقاومة معارك الأمة في العراق وفلسطين ولبنان؟ ثم ما هي الحكمة في ادعاءات الحكمة والتزام الصمت في وقت تساق فيه الشعوب والأوطان نحو نهاياتها؟
أم أنها قوانين العصر الباغية التي جعلت الطريق إلى قلب أمريكا يمر عبر ldquo;إسرائيلrdquo; مروراً بأشلاء الأمة؟
إن الأمة اليوم وأكثر من أي وقت مضى تتعرض للإهانة والإذلال اليومي وسيتواصل هذا الإذلال. ولكن المواجهة اليوم وما أفرزته من حقائق جديدة على الأرض تقدم في كل يوم برهاناً جديداً على تفاهة ldquo;الدولةrdquo; العبرية، وسقوطها العسكري والأخلاقي، وما التصريحات الغبية المنفعلة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش حول ldquo;الفاشيين الإسلاميينrdquo; إلا من تجليات لهذا السقوط. فهذه التصريحات وغيرها تأتي لتعبر وبشكل مباشر عن خيبة أمل وإحباط وارتباك شديد حلّ بإدارة العدوان في البيت الأبيض وبتوابعها وهوامشها في المنطقة.
إن صمود المقاومة وإنجازاتها وتأييد أكثر من (86%) من الشعب اللبناني العظيم للمقاومين، والتفاف الأمة في العالمين العربي والإسلامي من حولها، وتجاوزها على فتاوى التشكيك والتخذيل، فضلاً عن مساندة كافة شعوب العالم، قلبت معادلات الصراع وغيرت قواعده، وأرغمت ldquo;إسرائيلrdquo; على أن تهرع إلى الجدر والقرى المحصنة، فأصبحوا.. ldquo;يألمون كما تألمونrdquo;، وتفرض واقعاً جديدا للمنطقة والعالم الإسلامي والعربي.
بهذا الإنجاز العبقري برزت المقاومة بحق (كما وصفها اتحاد علماء المسلمين) ldquo;واحداً من أنبل مواقف هذه الأمة في القديم والحديثrdquo;، فهي منذ اليوم الأول للعدوان، ورغم ما أصابنا جميعاً من وجع في لبناننا الجميل. أكدت أنها مقاومة مستغرقة في إنسانيتها، وأعلنت بلسان عربي مبين (على لسان أبو حسين أحد مجاهدي حزب الله الميدانيين) أننا ldquo;لا نحب القتل. نعتبر أن جميع الناس أشقاؤنا، مهما كانت ديانتهم، لكننا نريد الدفاع عن أرضنا وكرامتناrdquo;....rdquo;إننا نحب الشهادة ونحب أيضا الحياة.. ولا نريد الموت من اجل لا شيءrdquo;.
على هذا المستوى من الوعي والتألق الجهادي تمضي المقاومة لتسطر في كل يوم صفحة مضيئة في ملحمة البقاء والخلود تخوضها الأمة في أكثر من ساحة. وبهذه الروح والأخلاق سوف تستمر طالما استمر الصراع بين الحق والباطل وبين العدل والظلم وبين الحرية والقهرِ.














التعليقات