علي حماده


ثمة من قال ان الوقت ليس لمساءلة quot;حزب اللهquot; حول اطلاقه شرارة الحرب على لبنان، ودماء الشهداء لم تجف بعد، وبعضهم لم يُرفع بعد من تحت الانقاض. وذهب الامين العام للحزب ابعد من ذلك الى حد اعتبار المسارعة الى البحث في سلاح حزبه أمراً لاأخلاقياً. الى ما هنالك من مواقف تنتفض على من يسأل، او يحاول البحث عن اجابات لما حصل. وثمة من يذهب ابعد بكثير ، الى تخوين كل سائل او ناقد او معترض. لقد صار اللبناني ممنوعا من النقد في بلد يفترض انه ديموقراطي ، وتعددي، لان النقد في عرفهم بات استفزازا!

من جانبنا نقول اننا نرفض المنع، ونرفض محاولات تعطيل العقل النقدي، وخنق حرية التعبير، تحت اي حجة كانت وان مقدسة.

فالحرب التي تفجرت فوق ارضنا ورؤوسنا طالت الجميع، ولم تقتصر على جمهور بعينه. حرب قررتها جهة وأطلقت شرارتها من دون استئذان احد في لبنان. حرب فرضت على اللبناني فرضا وعنوة. حرب جرى تبريرها في مرحلة اولى انها كانت لاطلاق ثلاثة اسرى، ثم عندما بدأ التدمير المنهجي للبنان، وبلغ عدد القتلى المئات صدرت تبريرات تقول انها كانت حربا لمواجهة quot;مؤامرة حيكت قبل 12 تموز 2006 quot;. و اليوم وبعدما أصيب لبنان كله يأتون الينا ليقولوا لنا اصمتوا ولا تعترضوا، باسم المشاعر والنفوس المحتقنة!

وماذا عن مشاعر الآخرين ونفوسهم؟ و ماذا عن كراماتهم؟ و ماذا عن مستقبلهم ومستقبل اولادهم؟ و ماذا عن ارزاقهم؟ وخصوصا خصوصا، ماذا عن الشراكة في الوطن؟ ماذا عن المشاركة في تقرير مصير هذا الوطن؟ وهل تلاشت في يد فئة وحدها دون الآخرين؟ هل صار حق الحياة او الموت في هذا البلد مقبوضا عليه بيد واحدة دون الايدي الاخرى؟ او صار علينا ان نقول لابنائنا انهم في طريقهم لان يترسخوا كمواطنين من الدرجة الثانية و ما دون؟

ممنوع على غالبية اللبنانيين ان يقرروا مصيرهم، وممنوع عليهم ان يشاركوا في صنع مستقبل اولادهم؟ فقط بات عليهم ان يجلسوا في مقاعد المتفرجين ووطنهم يزحل امام عيونهم. بات عليهم ان يصمتوا لئلا يخدشوا مشاعر quot;منتصرينquot;؟ وماذا عن مئات الالاف من اللبنانيين الذين لم يسألهم أحد عما اذا كانوا يوافقون على الصيغة التي يجري فرضها عليها عنوة؟

صيغة تجعل من مستقبل وجودهم في هذا البلد مطروحا بقوة. وهنا وللمرة الاولى منذ مدة طويلة نقول اننا بتنا امام استحقاق حاسم لبناء الدولة ليس بالصيغة التي تحدث عنها البعض ( القادرة والعادلة) وانما بكل بساطة دولة كل اللبنانيين حيث يشعر كل منهم انه منها وانها منهم. فإما دولة لكل اللبنانيين بالتساوي او لا دولة و لا لبنان!

لقد كشفت هذه الحرب عمق التناقضات في النظرة الى لبنان بين ضفتين، الاولى تمتلك قرار الحياة والموت وتبحث عن المزيد في ظل انسداد كامل لاحتمال تقديمها تنازلات على مذبح دولة كل لبنان، والثانية في طريقها الى خسارة جميع أدوات صنع مستقبل آمن للاجيال اللبنانية المقبلة في ظل دولة ينعم فيها الجميع بمساواة في المواطنية، ومساواة تحت القانون في الحقوق والواجبات.

ان محاولات تعطيل العقل النقدي، وخنق الاعتراض في لبنان هي منتهى الاستهداف لمعنى لبنان كما تراه غالبية ابنائه، و كذلك لوجوده. من هذا المنطلق سيكون السكوت اليوم بمثابة الجريمة التي تتعدى جريمة العدوان نفسه. وهنا نقول ان شركاءنا مطالبون بالانصات جيدا الى نبض الجمهور الآخر، لان المطروح اليوم على بساط البحث لم يعد مجرد خلاف سياسي في وجهات نظر، بل ان مصير لبنان بالصيغة التي عرفناها الى اليوم هو المطروح اليوم. وان ادارة الظهر لنبض الجمهور الآخر اليوم سيكون خطأ جسيما لن يحجبه التغني بـquot;الانتصار الاستراتيجي والتاريخيquot;.

والبداية تكون بأن نخرج من دائرة التكاذب الذي يعتبره البعض احيانا صمام أمان في العلاقات اللبنانية ndash; اللبنانية.