الثلاثاء: 2006.09.26

د. محمد عابد الجابري

موضوع الزيادة والنقصان في القرآن موضوع قديم كثر فيه القيل والقال. وقد تحدثت المصادر، السُّنية منها والشيعية، عن التحريف في القرآن، نذكر هنا ملخصاً لما ورد في الأولى على أن نخصص المقال المقبل لما ورد في المصادر الشيعية.

تميز المصادر السُّنية بين الأصناف التالية من التحريف في القرآن:

- صنف يقع بالتأويل بمعنى quot;نقل معنى الشيء من أصله وتحويله إلى غيرهquot;، أو بالنقص أو الزيادة في الحروف أو الحركات، وذلك كاختلاف القراءات، أو بـquot;الزيادة والنقصان في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن والتسالم (عدم التنازع) على قراءة النبي صلى الله عليه وسلم إياهاquot;، وهذا مثل تسالم المسلمين في البسملة على أن النبي قرأها قبل كل سورة غير سورة التوبة مع اختلافهم هل هي من القرآن أم لا. وهذه الأنواع من التحريف واقعة في القرآن ومعترف بها بصورة أو أخرى من طرف علماء الإسلام تحت العناوين التالية: التأويل، الأحرف السبع، القراءات، مسألة البسملة... الخ.

- وصنف يراد به القول بأن quot;بعض المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزلquot;، وهذا مرفوض بإجماع المسلمين (ينسب إلى فرقة العجاردة من الخوارج أنهم رفضوا أن تكون سورة يوسف من القرآن، زاعمين أنها قصة من القصص).

وهذان الصنفان من التحريف لا يدخلان في موضوعنا هنا. إن ما يهمنا هنا هو ما يتصل بمسألة quot;جمع القرآنquot;، أعني ما يدخل في نطاق السؤال التالي: هل quot;المصحف الإمامquot; -الذي جمع زمن عثمان والذي بين أيدينا الآن- يضم جميع ما نزل من آيات وسور، أم أنه رفعت (أو سقطت) منه أشياء أثناء جمعه؟

الجواب عن هذا السؤال، من الناحية المبدئية، هو أن جميع علماء الإسلام، من مفسِّرين ورواة حديث وغيرهم، يعترفون بأن ثمة آيات، وربما سوراً، قد quot;سقطتquot; أو quot;رُفعتquot; ولم تدرج في نص المصحف. وفي ما يلي أنواع النقص التي ذكرتها المصادر السُّنية.

1- يقول القرطبي عند تفسيره لسورة الأحزاب، وعدد آياتها 73 آية: quot;كانت هذه السورة تعدل سورة البقرة (وعدد آياتها 286). وكانت فيها آية الرجم. وبعد أن يشير إلى أن هذا روي عن أُبيّ بن كعب، أحد كتاب الوحي وجامعي القرآن، يضيف قائلاً: quot;وهذا يحمله أهل العلم على أن الله تعالى رفع من (سورة) الأحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا (منها), وأن آية الرجم رفع لفظهاquot; (وبقي حكمهاً سائراً). وروي أنّ عمر بن الخطاب، قال: (إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها، [ونصها]: quot;الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيمquot;، فإنّا قد قرأناها). وقيل إن عمر أتى بهذه الآية إلى زيد بن ثابت حين كان يجمع القرآن فلم يأخذها منه لأنه ndash;أعني عمر- كان وحده، وزيد كان قد اشترط شهادة رجلين فيما يأخذ من الآيات.

وفي رواية عن عائشة أنها قالت: quot;كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتي آية, فلما كتب المصحف لم يُقْدَر منها إلا على ما هي الآنquot;. وفي رواية أخرى أنها قالت: quot;نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن (شاة) فأكلهاquot;.

2- ويذكر القرطبي أيضاً في بداية تفسيره لسورة براءة (التوبة وعدد آياتها 130)، وفي سياق عرضه للروايات التي تتناول عدم وجود البسملة في أولها، رواية جاء فيها: quot;إنه لما سقط أولها، سقط (بسم الله الرحمن الرحيم) معه. وفي رواية أخرى عن حذيفة أنه قالrlm;:rlm; ما تقرؤون ربعهاrlm;:rlm; يعني براءةquot;.

3- وذكر السيوطي وغيره أن دعاء القنوت كان سورتين، كل سورة ببسملة وفواصل، إحداهما تسمى سورة الخلع، والأخرى تسمى سورة الحفد. غير أن علماء السُّنة قد اعتبروهما ضرباً من الدعاء لا قرآنا منزلاً. وهما بالتتابع: أ) quot;اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجركquot;، ب) quot;اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحقquot;.

4- ورُوي أنّ عمر قال لعبدالرحمن بن عوف: quot;ألم تجد فيما أُنزل علينا: quot;أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّةquot;، فأنا لا أجدها؟ قال: أُسقِطت فيما أسقِط من القرآنquot;.

5- كما روي عن حميدة بنت أبي يونس أنها قالت: quot;قرأ عليَّ أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيُّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولىquot;. قالت: quot;قبل أن يغيّر عثمان المصاحفquot;.

6- وذكر السيوطي في باب الناسخ والمنسوخ عن ابن عمر أنه قالrlm;:rlm; ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله! قد ذهب قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهرquot;rlm;.

rlm;7- ورووا عن أبيّ بن كعب قالrlm;:rlm; quot;قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ سورةrlm;: quot;rlm;لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركينrlm;quot;،rlm; ومن بقيتهاrlm; -وهذا غير موجود في المصحف-rlm; quot;لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه سأل ثانياً، وإن سأل ثانياً فأعطيه سأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيراً فلن يكفرهquot;.

8- وفي رواية عن أبي موسى الأشعري أنه قال: quot;نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ منهاrlm;:rlm; إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تابquot;.

9- وعنه أيضاً أنه قالrlm;:rlm; quot;كنا نقرأ سورة نُشبهها بإحدى المسبحات (السور التي تبدأ بـquot;سبحquot; وquot;يسبحquot;) نسيناها، غير أني حفظت منهاrlm;:rlm; quot;يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلونrlm;rlm; فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامةquot;.

10- كما يروون عن عمر أنه قال: كنا نقرأrlm;:rlm; quot;لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكمrlm;quot;.rlm;

11- وروي أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال ذات يومrlm;:rlm; quot;أخبروني بآيتين في القرآن لم تكتبا في المصحف فلم يخبروه فقال، الأولى: quot;إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحونrlm;quot;.rlm; والثانية quot;والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملونquot;rlm;.rlm;

12- وفي الصحيحين عن أنس أنه قال: نزل قرآن في الذين قتلوا في موقعة بئر معونة، rlm;قرأناه حتى رفعrlm; وفيه:rlm; quot;أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضاناrlm;quot;.rlm;

13- وروى الطبري في تفسيره عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: quot;مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها نأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَاquot;، قال: إن نبيّكم صلى الله عليه وسلم أُقرئ قرآناً ثم نسيَه فلا يكن شيئاً, ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرؤونه. وفي لفظ آخر: quot;قال: إِن نبيكم صلى الله عليه وسلم, قرأ علينا قرآناً ثم نسيَهquot;. وعن ابن عباس قال: كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم, الوحي بالليل وينساه بالنهار, فأنزل الله عز وجل: quot;ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلهاquot;.

هذا ويعلل بعض علماء الإسلام من أهل السُّنة ظاهرة سقوط آيات من القرآن، بكونها داخلة في معنى النسخ. غير أن علماء آخرين أنكروا أن يكون ذلك من النسخ، وقالوا إن ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن يرجع إلى خبر الآحاد، والقرآن لا يثبت بها وإنما يثبت بالتواتر.