السبت 3 فبراير 2007

د. سعد بن طفلة العجمي

يقال إذا كرهت عدوك فادعُ عليه بالجهل لأن quot;الجاهل عدو نفسهquot;، أسوق هذا المثل وأنا شاهد عيان على الغباء العربي الذي يلصق التشيع بإيران قسراً وجبراً، مقدمين بذلك هدية للمتطرفين من الشيعة من جهة ولإيران quot;ولاية الفقيهquot; من جهة أخرى.
التشيع بدأ عربياً وفي الأرض العربية كصراع على السلطة بين فريقين من قبيلة قريش، هذه هي الحقيقة لمن يقرأ التاريخ بتجرد، كان هناك فريق شايع -أي ناصَر- بني هاشم من آل البيت، وفريق شايع بني أمية ومن قبلهم من الخلفاء عدا علي بن أبي طالب. وقد أخذ هذا الصراع أشكالاً دامية كانت قمة مأساتها في كربلاء وفي موقعة الطف التي أسفرت عن مذبحة لحفيد رسول الله الحسين بن علي وأهله.
هكذا بدأ الصراع بين فريقين استمد كل منهما من الدين والقرآن والحديث ما يعزز رأيه وموقفه السياسي، وقديماً قيل: quot;الدين حمَّال أوجهquot;. ثم تمايز كل فريق عن الآخر بمظاهر حرص كل طرف على تعزيزها تأكيداً لموقفه السياسي، والذي تحول شيئاً فشيئاً إلى مذهب ديني.
هكذا باختصار بداية الفريقين الشيعي والسُّني، صحيح أن تفاصيل تملأ المكتبات في تراث كلا الفريقين حول هذه الفوارق بينهما، ولكن الجوهر بقي واحداً في الاختلاف بين الفريقين..
إيران لم تكن شيعية حتى وقت قريب، بل إن دولة مثل مصر تشيَّعت في العصر الفاطمي، ثم تمذهبت سنياً في العصور اللاحقة، وإذا كنا نرى في إيران اليوم طموحاً وأطماعاً توسعية بعمائم الملالي، فإن التوسعيين كانوا يلبسون تاج الطاووس أيام الشاه، وكل ما تغير هو في المظهر لا في الجوهر..
الغباء والتطرف والجهل يحاول ربط كل ما هو شيعي بإيران، وفي ذلك جهل وظلم كبير للشيعة، فإيران دولة وسياسة، والتشيع مذهب وعبادة وفكر، والغالبية الساحقة من فقهاء الشيعة وقفوا ولا يزالون ضد quot;ولاية الفقيهquot;، أي ضد تسييس المذهب من أجل مصالح دنيوية، ولا يزالون يصرون على روحية المرجعية ودينيتها وتعددها، على عكس ما تؤمن به إيران الدولة التي تحارب أي مجتهد شيعي لا يرتبط بـquot;ولاية الفقيهquot; -أي المرشد الأعلى لثورة الإسلامية علي خامنئي.
وقد تعرض خصوم إيران من الفقهاء الشيعة إلى الإرهاب والإقصاء والاضطهاد، ومنهم صبحي الطفيلي -الأمين العام السابق لـquot;حزب اللهquot;، وآية الله منتظري وحتى محمد حسين فضل الله- وإن كان الأخير يخشى الإقرار بذلك. وقد تعرض مئات من مجتهدي المدرسة النجفية وملايين المعتدلين من الشيعة للإرهاب، ففي الكويت أعرف كُتاباً (شيعة) تعرضوا للتهديد والوعيد من قبل الموالين لإيران من أبناء وطنهم ومذهبهم الصيف الماضي لأنهم كتبوا كتابات تدين حسن نصرالله وحزبه وما جره من خراب على الشعب اللبناني. البعض انكفأ وتوقف عن الكتابة، والبعض الآخر غيَّر أسلوب قلمه، والشجعان تمسكوا بمواقفهم حتى الآن. وربط الإرهابيون من الشيعة أفكار المذهب ومبادءه بشعارات ديكتاتورية ضد أبناء المذهب أنفسهم، وعليك تبني هذه الشعارات وإلا فالويل لك...
إن الشيعة بحاجة إلى من ينقذ تشيّعهم، وبحاجة إلى الحماية من الإرهاب الذي يتعرضون له، ويحتاجون إلى الشعور بالأمن والحرية داخل أوطانهم لكي يعززوا مكانهم الطبيعي ومكانتهم الإسلامية. ومثل هذا الشعور والقناعة لديهم سيقطع الطريق على الخط الإيراني الذي ينطوي على أجندة إيران الدولة والطموح والتوسع. وإلا فإن من الطبيعي في ظل الاحتقان والاستقطاب الطائفي الذي يتفاقم أن يلجأ الشيعي لإيران التي تدعي أنها حامية الشيعة في العالم، وهذه الحماية المزعومة لها دوافعها السياسية لا الشيعية.