الثلاثاء 13 فبراير 2007



فريد وير


في مؤتمر أمني كبير عقد نهاية الأسبوع الفائت، شن الرئيس الروسي quot;فلاديمير بوتينquot; هجوماً عنيفاً على الولايات المتحدة بسبب نهجها العسكري في مجال السياسة الخارجية، متهماً إياها بأن ما تقوم به من أفعال يشجع على quot;نشوء سباق تسلحquot;. وفي غمرة ردود الفعل الأميركية والأوروبية الحادة على تعليقات فلاديمير بوتين، فإن الشيء الذي لم يحظ سوى باهتمام ضئيل هو المجمع العسكري- الصناعي الروسي، الذي كان يعتقد عموماً أنه قد تهاوى مع الاتحاد السوفييتي السابق.

ربما تكون أيام الحرب الباردة التي كان الاتحاد السوفييتي يقف فيها مع الولايات المتحدة على قدم المساواة قد ولَّت، بيد أن الخبراء يعتقدون مع ذلك أن روسيا قد غدت تمتلك قدرة متزايدة على إنتاج أحدث الأسلحة وبيعها إلى البلدان التي يتجنبها مصدرو الأسلحة الغربيون. وقد علق quot;سيرجي شيميزوفquot; رئيس مجمع quot;روسوبورونيكبورتquot;، وهو مجمع احتكاري يعمل في مجال تصدير الأسلحة على هذه الحقيقة في اجتماع سياسي عقد في نهاية العام الماضي بقوله: quot;إن حقيقة أن بلدنا يلعب دوراً قيادياً عالمياً في مضمار تصدير الإنتاج العسكري إنما هي علامة على أن الصناعات الدفاعية الروسية، لم تتمكن فقط من البقاء قائمة ولكن على أنها تتمتع بقدرات كبيرة على تحقيق المزيد من التطورquot;.

يُشار إلى أن ميزانية روسيا الدفاعية قد ارتفعت بشكل كبير منذ أن تولى بوتين زمام السلطة، ويبدو أن الاتجاه الصعودي في دخل البلاد من البترول، هو الذي ساعده على ذلك وأن تلك الميزانية يتوقع لها أن تقفز بنسبة 23 في المئة عام 2007 لتصل إلى 32.4 مليار دولار، محققةً بذلك ارتفاعاً قياسياً في الإنفاق الدفاعي في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي. وفي الوقت الراهن تتعامل روسيا في مجال التسليح مع 70 دولة من بينها الصين وإيران وفنزويلا، وتشير التقارير إلى أنها صدَّرت أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار خلال عام 2006.

ويلقي quot;إيفان سافرانشكquot; مدير quot;معهد الأمن العالميquot;، وهو معهد مستقل، المزيد من الضوء على هذه النقطة بقوله: quot;منذ أن جاء بوتين للسلطة في روسيا كانت هناك رغبة وسعي لتجاوز إرث الحقبة السوفييتية من خلال العمل على تطوير القدرات العسكرية فائقة التقنيةquot;، وأضاف quot;سافرانشكquot; إلى ذلك قوله: quot;لقد أصبح لدينا الآن المال الكافي والوضع السياسي المناسب لتكثيف هذه الجهودquot;.

وفي الأسبوع الماضي كشف وزير الدفاع الروسي quot;سيرجي إيفانوفquot; النقاب عن برنامج لإعادة تسليح القوات المسلحة الروسية، تصل تكاليفه إلى 189 مليار دولار، ويتم من خلاله استبدال نصف كمية المعدات والأسلحة الروسية الحالية في موعد لا يتجاوز عام 2015. ومن ضمن المعدات التي ستحصل عليها تلك القوات شبكة رادار للإنذار المبكر مجددة بالكامل، وصواريخ جديدة عابرة للقارات، وأسطول من قاذفات quot;تي يو- 160quot; الاستراتيجية الأسرع من الصوت و31 سفينة جديدة من بينها حاملات طائرات.

وفي الشهر الماضي عرض الرئيس بوتين على الهند الدخول في شراكة لإنتاج نسخة المستقبل من quot;الجيل الخامسquot; من الطائرات المقاتلة التي يعكف المصممون الروس على تطويرها في الوقت الراهن، ويمكن أن تصبح جاهزة للطيران خلال فترة وجيزة لا تتجاوز عام 2009. والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة حالياً، التي تمكنت من نشر طائرات مقاتلة نفاثة من هذا الجيل الأسرع من الصوت، والتي تتميز بقدرات فائقة في مجال التخفي، والمناورة، وقدرات الكشف الإليكتروني، وتبلغ قيمة الطائرة الواحدة منها 260 مليون دولار، وهو ما يجعل من هذه الطائرة الجديدة التي يطلق عليها اسم quot;إف/ آيه 22 رابتورquot; الطائرة الأغلى سعراً في العالم.

في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً قالquot; بوتينquot; إن روسيا لا تخشى منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية، لأن منظومة الصواريخ الباليستية الروسية العابرة للقارات الجديدة من طراز (توبول- إم) تتمتع بقدرات هائلة على التخفي تمكنها من اختراق الدرع الصاروخي الأميركي، وأن روسيا تعمل على إنتاج جيل جديد من تلك الصواريخ، quot;قادر على جعل منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية عاجزةquot;.

وفي يناير الماضي، أعلنت موسكو أنها قد استكملت عملية تسليم 29 بطارية مدفعية متحركة مضادة للطائرات من طراز quot;تور- إم 1quot; إلى إيران وألمح السيد quot;إيفانوفquot; إلى أن روسيا قد تسلم إيران أسلحة دفاع جوي بعيدة المدى من طراز quot;إس- 300quot;. ويعتقد الخبراء العسكريون أن المدفعية المضادة للطائرات quot;تور- إم 1quot;، القادرة على تعقب 48 هدفاً في وقت واحد يمكن أن تعرقل إلى حد خطير أية ضربة جوية على منشآت إيران النووية.

وعلى رغم كل هذه الأنواع من المعدات ومنظومات الأسلحة الروسية الجديدة، وعلى رغم عودة رؤوس الأموال للتدفق في القطاع العسكري، فإن الخبراء العسكريين يشكون في احتمال أن تكون الزيادات التي تمت في إنتاج الأسلحة والمعدات في عهد بوتين كافية لاستعادة تلك الشبكة الهائلة من الصناعات المتخصصة، التي كانت تمد صناعة الأسلحة الروسية بكل احتياجاتها من الرصاص، وحتى الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية.

وتعليقاً على هذه النقطة يقول quot;ألكسندر جولتسquot; الكاتب الصحفي بجريدة quot;يزيدنيفني زورنالquot;، المتخصص في الشؤون العسكرية: quot;لقد حدثت زيادات مثيرة في مخصصات شراء الأسلحة، ولكن تلك المخصصات لا تستخدم بشكل فعال... وأنا أشك في قدرة روسيا على إنتاج أسلحة تنتمي إلى أجيال جديدة حقاًquot;.

يشار في هذا السياق أيضاً إلى أن معظم الصادرات الروسية في حقبة التسعينيات، كانت عبارة عن صفقات بيع بهدف التخلص من بعض أنواع السلاح المكدس العائد للحقبة السوفييتية ومنها على سبيل المثال الأسلحة الصغيرة، والمدرعات، والطائرات من الأجيال الأقدم. وقد استخدمت تلك الأسلحة في إذكاء نيران الصراعات المدمرة التي اندلعت في بعض دول أفريقيا ويوغسلافيا السابقة، ولكنها لم تقلق الغرب كثيراً. وقد تغير هذا الوضع بعد مجيء فلاديمير بوتين لسدة السلطة في موسكو حيث أصبحت الصادرات الروسية تركز على الأسلحة الأكثر تطوراً مثل الطائرات بأنواعها والذخائر دقيقة التوجيه ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة.

ويعلق quot;آرييل كوهينquot; المحلل في quot;مؤسسة التراثquot; ذات التوجهات quot;المحافظةquot; في واشنطن على ذلك بقوله: quot;على رغم التقدم الذي تشهده صناعة السلاح الروسية فإن الولايات المتحدة لا زالت تتصدر قائمة الدول المصدرة للسلاح في العالم، ولكن المشكلة بالنسبة لروسيا هي أنها تكاد تكون قد احتكرت توريد الأسلحة إلى الدول المارقة مثل إيران وفنزويلا على سبيل المثال لا الحصر، وهذا هو الذي يقلق الولايات المتحدة أيما قلقquot;.