الجمعة 2 مارس 2007


محمد سلماوى


لن يترك الرئيس بوش البيت الأبيض قبل أن يكون قد هاجم إيران!.. وحديثه عن الحرب الصليبية لم يكن زلة لسان!.. هذا ما قاله الصحفي الأمريكي المخضرم سيمور هيرش في محاضرته المهمة التي ألقاها في قاعة raquo;إيوارتlaquo; بالجامعة الأمريكية في ختام الدورة التدريبية الأولي لمؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية. وقد كانت تلك هي النتيجة التي نطق بها هيرش في ختام محاضرته التي استمرت ما يقرب من الساعة والتي عدد فيها الأسباب التي تدعوه لهذا الاعتقاد والمعلومات التي حصل عليها من خلال ما أجراه من بحث فيما يعرف في الصحافة باسم: Investigative Journalism أي صحافة تقصي الحقائق، وهو نوع من الصحافة أصبح غريباً علينا،

حيث صرنا نعتمد على صحافة الإثارة التي تعني بالمقولة المثيرة أكثر مما تعنى بتأصيلها والبحث عن مدي صحتها، وإذا كان هيرش قد قال في محاضرته إنه يعتقد أن صحافة تقصي الحقائق هذه ليست نوعاً من أنواع الصحافة وإنما هي وصف لما ينبغي أن يكون عليه العمل الصحفي بشكل عام، فإن لنا أن نتصور كم بعدنا عن أصول العمل الصحفي في السنوات الأخيرة، وهو ما أشار إليه أربعة من الشخصيات الذين تحدثوا في حفل العشاء الذي أقامته المؤسسة احتفالاً بانتهاء دورتها التدريبية الأولي، وقد كان من بينهم الكاتب المفكر والوزير وعضو مجلس الشعب وسكرتير عام حزب، وكانوا علي التوالي: الدكتور عبدالوهاب المسيري وأحمد ماهر والدكتور مصطفي الفقي ومنير فخري عبدالنور.

من هنا تنبع أهمية مؤسسة هيكل للصحافة العربية التي تعني ـ ضمن ما تعني ـ بتنظيم دورات تدريبية لشباب الصحفيين تقوم بدعوة أكبر الصحفيين العالميين لتقديمها والذين كان أولهم سيمور هيرش الذي اشتهرت مقالاته الخطيرة في مجلة raquo;النيويوركرlaquo; الشهيرة والذي أعطي للصحفيين المشاركين في هذه الدورة الافتتاحية لمؤسسة هيكل وقد قارب عددهم الـ 30 خلاصة تجربته في هذا النوع من الصحافة الذي أصبحنا نحتاجه في مصر الآن أكثر من أي وقت مضي.

ولقد كان سيمور هيرش هو الذي كشف عن طريق صحافة تقصي الحقائق عن مأساة raquo;ماي ليlaquo; الشهيرة التي قلبت الموازين في حرب فيتنام والتي عرفت من ذكر هيرش لها في محاضرته بأن النطق الصحيح لها هو raquo;مي لييlaquo;، فقد كان الكشف عن تلك المجزرة في الستينيات هو نقطة التحول التي شحذت الرأي العام الأمريكي ضد الحرب مما ساهم في النهاية في إرغام الولايات المتحدة علي الانسحاب من تلك الحرب والاعتراف بفشلها.

كذلك كان هيرش من أكثر من وجهوا النقد للسياسة الإسرائيلية، وكشف بعض تجاوزات raquo;اللوبىlaquo; الصهيوني في السياسة الأمريكية. رغم أنه أمريكي يهودي، وقد وجه خلال محاضرته في القاهرة نقداً لاذعاً لرئيس الوزراء الإسرائىلى الحالي إيهود أولمرت، قائلا إنه يرفض التفاوض مع سوريا تنفيذاً لتوجيهات أمريكية تطالب بتجاهل الاستعداد الواضح لدي القيادة السورية في الوقت الحالي للتفاوض علي أساس أنه بعد الهجوم القادم علي إيران ستصبح سوريا لقمة سائغة، وقال هيرش: raquo;أي رئىس وزراء هذا الذي يضيع فرصة سائغة للتوصل إلي تسوية لمشكلته المزمنة مع سوريا انصياعاً لأوامر إدارة أمريكية مشكوك في حسن تقديرها؟!laquo;.

وقد اعتمد هيرش في نظريته التي توصل إليها عن خطة بوش لضرب إيران إلي أنها لن تشبه هذه المرة ما حدث في العراق، حيث قال: لا تنزل القوات الأمريكية إلي الأراضي الإيرانية علي الإطلاق وإنما ستكون الغلبة للحرب الجوية التي سيشنها الطيران الأمريكي بهدف إحداث أكبر قدر من التدمير لمنشآت البلاد الحيوية من أجل إسقاط النظام وتغيير الأوضاع السائدة في البلاد، ومثلما حدث في حرب العراق فإن الذريعة هذه المرة ستكون أيضاً أسلحة الدمار الشامل النووية، وكما حدث في حرب العراق، حيث لم يتم العثور علي هذه الأسلحة المزعومة، فقد أكد هيرش في محاضرته أن إيران مازالت حتي الآن بعيدة كل البعد عن إمكانية تصنيع سلاح نووي، لكن ذلك لا يعني الرئىس بوش في شيء، فهو ـ علي حد وصف هيرش ـ من ذلك النوع الذي إذا اقتنع بشيء فهو لا يغير رأيه ثانية، وإذا ظهرت أمامه حقائق جديدة تشير إلي عدم صحة هذا الاقتناع فهي لا تعنيه في شيء!!

وسيواجه بوش في خطته هذه لضرب إيران عقبة أساسية هي مسألة التمويل التي من المؤكد أن الكونجرس الذي أصبحت تسيطر عليه عناصر الحزب الديمقراطي سيرفض اعتمادها، وفي ذلك يعتقد هيرش أن بوش سيلجأ إلي ما لجأ إليه سلفه الرئىس الراحل رونالد ريجان في فضيحة raquo;إيران ـ كونتراlaquo; حين طلب من المملكة العربية السعودية تمويل صفقة أسلحة من إسرائىل للكونترا.

إن مجرد عرض هيرش لتجربته مع هذا الموضوع علي الصحفيين الشباب المشاركين في الدورة التدريبية الأولي لمؤسسة هيكل للصحافة العربية لابد فتح أمامهم آفاقاً جديدة لكيفية تحقيق الموضوعات الصحفية، وهو ما لم يكن من الممكن أن يتوصلوا إليه من خلال اطلاعهم علي التحقيقات الصحفية التي تقدمها صحافتنا في الوقت الحالي، وقد قالت لي إحدي الصحفيات اللاتي قبلن في هذه الدورة بعد إجراء الاختبارات اللازمة إنها تشعر الآن أنها لم تكن تعمل بالصحافة قط وأن السنوات القليلة التي قضتها في العمل الصحفي كانت تبعد كثيراً عن أصول العمل الصحفي، وقال لي صحفي آخر من المشاركين في الدورة: إن أي صحفي قد يعيش ويموت دون أن يلقي صحفياً كبيراً مثل سيمور هيرش ولو لم تفعل تلك الدورة إلا أنها أتاحت لي ولزملائى المشاركين في الدورة فرصة التعامل مع هيرش لمدة ثلاثة أيام لكان ذلك كافياً لتعليمنا الكثير عن أصول العمل الصحفي.

أما سيمور هيرش نفسه، فقد قال لي إنه تفاءل بمستقبل الصحافة المصرية، فقد وجد في المجموعة التي شاركت في الدورة مواهب وإمكانيات ورغبة في التقدم بالعمل الصحفي مما ينبئ بمستقبل مشرق مهما بدت الصورة الآن قاتمة.

ولقد انتهت الدورة التدريبية بهذه المحاضرة العامة التي ألقاها هيرش أمام قائمة مكتظة امتلأت عن آخرها بالجامعة الأمريكية، حيث رحب به رئىس الجامعة ترحيباً كبيراً وشكر مؤسسة هيكل التي أتاحت للجامعة تلك الفرصة، علي أن الأستاذ هيكل في تقديمه لكلمة هيرش قد أوضح أن الجامعة الأمريكية لم تكن هي الخيار الأول للدورة وإن كانت قد صارت هي الملجأ الأخير بعد أن رفضت الأماكن التابعة للدولة ومنها مكتبة مبارك استضافة هذه الدورة لأسباب تراوحت ما بين اعتراض الأمن(!!) ولكون هيرش يهودياً(!!).

وفي حديث مع سيمور هيرش بعد انتهاء محاضرته قلت له: لقد أجمع المشاركون في الدورة على أن حديثك لهم يمثل نقطة تحول في تكوينهم الصحفي لكن بالنسبة لي فإن ما قلته في محاضرتك لن يجعلني أنام الليل، فقال بسرعة الرد التي عرف بها: أنا لا أنام علي الإطلاق منذ تكشف أمامي ذلك الكابوس، وحين يضرب بوش إيران فإن لا أحد في العالم سيغمض له جفن!