أمير طاهري

ستة، سبعة، ثمانية، 23 و57، هذه أرقام يتعين على صناع القرار في إيران التفكير فيها بينما يتجه مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة نحو فرض مزيد من العقوبات على الجمهورية الإسلامية. وتدرج الأرقام يشير إلى العزلة المتزايدة للزعامة الخمينية، أولا في إطار منطقتها ومن ثم في إطار المجموعة الأوسع من الدول التي تحتاج تعاطفها أكثر من أي وقت مضى.

ويشير الرقم ستة إلى مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم ست دول خليجية، وبالتالي فانه يتأثر أكثر من غيره بصورة مباشرة بما يحدث لإيران سلبا أو إيجابا. ولمدة تزيد على 18 شهرا تصرفت الدول الست على نحو هادئ ولكنها قامت بحملة دبلوماسية لإقناع الزعامة الخمينية على قبول التسويات الهادفة إلى منع التصعيد بشأن برنامج إيران النووي المثير للجدل. وزار عدد من كبار المسؤولين من مجلس التعاون الخليجي طهران، بينما فرش عدد من عواصم المجلس السجاد الأحمر للزعيم الراديكالي الجديد محمود أحمدي نجاد.

غير انه بحلول نهاية العام الماضي، بات من الواضح أن الزعامة في طهران لم تكن مستعدة للقيام بأبسط تغيير في سياساتها وتكتيكاتها وأنها، في إطار ثقتها بأن أعداءها الفعليين والمحتملين لن يتحدوا، عازمة على البقاء في موقع الهجوم عبر المنطقة من أفغانستان حتى شمال أفريقيا مرورا بالعراق ولبنان.

إن فكرة أن طهران في موقف مجابهة ألهمت لجهة درجة من التماسك داخل مجلس التعاون الخليجي لم يشهدها المجلس منذ الثمانينات. وكان الرمز الأكثر كفاءة لذلك التماسك هو القرار الجماعي لتطوير صناعة طاقة نووية لمجلس التعاون الخليجي، مما يشير إلى العزم على مشاركة النظام الخميني في أيما سباق يريد أن يبدأه في المنطقة.

ويشير الرقم سبعة إلى تجمع جديد للدول الإسلامية التي التقت في العاصمة الباكستانية إسلام آباد الأسبوع الحالي، لصياغة استراتيجية جديدة للدول الإسلامية في ما يتعلق بقضايا أساسية راهنة: العراق ولبنان وفلسطين والطموحات النووية الإيرانية. وتألفت المجموعة من اندونيسيا وماليزيا وباكستان والمملكة العربية السعودية وتركيا والأردن ومصر. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ أول قمة إسلامية في الرباط عام 1969 التي لم تحضر فيها إيران في اجتماع لما كان على الدوام مجموعة الثماني، فيما لم يعد سبب إقصاء إيران إلى أن الدول السبع الأخرى لم تكن ترغب في حضور الإيرانيين، وإنما يعود إلى رفض طهران توفير درجة من المرونة لا يمكن بدونها تطوير موقف مشترك حول تلك القضايا.

ويشير الرقم ثمانية إلى المجموعة شبه الرسمية لدول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة إلى الأردن ومصر، التي تتصرف باعتبارها جزءا أساسيا من الدول الـ 23 التي تمثل الأعضاء في الجامعة العربية. ومن الواضح الآن أن مجموعة الثماني في وضع يسمح لها باقتراح استراتيجية واسعة لمعالجة القضايا الأكثر الحاحا للمنطقة.

ومن المتوقع أن يقدم الاقتراح إلى القمة العربية المقبلة التي تستضيفها المملكة العربية السعودية في الرياض في وقت لاحق من الشهر الحالي، ومن المؤكد تقريبا انه سيجري تبنيه بما يقرب من الإجماع، فيما قد يمتنع الرئيس السوري بشار الأسد وصديقه أميل لحود الرئيس اللبناني عن التصويت في رسالة إلى حلفائهما في طهران.

اما الرقم 57 فيشير إلى عضوية منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي اعتبرتها الجمهورية الإسلامية مصدرا للدعم. ففي عام 2003 رفضت المنظمة دعم صدام حسين في تحديه لمجلس الأمن الدولي، وليس من المرجح أن تدعم القيادة الخمينية في المعركة التي اختارتها مع نفس المجلس.

لقد حاولت قيادة طهران تعويض خسارة الدعم الدبلوماسي بين الدول الإسلامية بإظهار تحالفاتها الجديدة مع النظم شبه الماركسية في فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا وكوبا، بالإضافة الى العصابة الستالينية في كوريا الشمالية، والنظام المارق لروبرت موغابي في زيمبابوي. ولكن كلما أشارت طهران إلى مثل هذه التحالفات ضعف التعاطف معها في العالم الإسلامي.

لذا، فليس من المثير للدهشة أن الكثير من الشخصيات في النظام الخميني يتساءلون علنا عما إذا كان من الحكمة دفع إيران إلى نزاع مع الأمم المتحدة، وحرب محتملة، اعتمادا على تحالف استشكالي مثل هذا.

وقد اضطرت القيادة الخمينية، التي تعي عزلتها السياسية المتزايدة وضعف موقفها نتيجة للمناخ الكئيب داخل إيران نفسها، في التراجع في الأسابيع الأخيرة.

فقد تعهدت بالضرب laquo;بقوة مضاعفةraquo; ضد هؤلاء الذين فرضوا عقوبات على الجمهورية الإسلامية، وحتى الآن لم تفعل ذلك، بل لم تستدع سفراء الدول المعنية في قرار مجلس الأمن للاحتجاج.

كما لم تنفذ القيادة الخمينية تهديدها بإسقاط الحكومة اللبنانية او إدخال البلاد في حرب أهلية عبر حزب الله، بل أن هناك إشارات وأدلة على أن إيران أبلغت الشيخ حسن نصر الله بتهدئة الأمور، في الأقل في الوقت الراهن.

وحتى في العراق، هناك إشارات إلى أن القيادة الخمينية، وعيا منها بعزلتها، بدأت في التراجع. فقد استدعت مقتدى الصدر رجل الدين الذي يمثل إيران بين العراقيين الشيعة، وسمحت لجيش المهدي بالتلاشي. والأسوأ من ذلك، فإن laquo;الانتقامraquo; بخصوص إلقاء الاميركيين القبض على (دستة) من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني في العراق، لم يتبلور.

وفي الوقت ذاته أصدر الجنرال رحيم صفوي صاحب اكبر رتبة عسكرية في الجمهورية الإسلامية تحذيرا واضحا من أن قواته ليست في وضع لتأمين البلاد. ففي خطاب في الأسبوع الماضي، اعترف بصراحة أن إيران عرضة لهجمات من الجو لان قواتها الجوية التي عفى عليها الزمن ودفاعاتها الجوية ذات المستويات الضعيفة، ليست في موقع يسمح لها بمنع العدو من دخول المجال الجوي الإيراني. كما اعترف أيضا بأن قواته لا يمكنها حماية حدود البلاد البحرية والبرية التي تمتد لمسافة 8 آلاف كيلومتر.

ومن الأمور اللافتة للنظر قرار طهران بتجاهل قيام الولايات المتحدة بأكبر حشد للقوات في الخليج منذ عام 1991. وربما يحاول الرئيس احمدي نجاد شرح جبنه غير المعتاد في مواجهة الخطر الواضح بالتعبير عن أمله في أن الإمام الغائب سيأتي بطريقة ما لإنقاذ الجمهورية الإسلامية في اللحظات الأخيرة. إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون قاعدة لاستراتيجية وطنية جادة. القيادة الإيرانية التي أصبحت معزولة وبلا أصدقاء، وتوصف بأنها العدو العالمي للبشرية، وكل ذلك يقود إيران نحو وضع خطير.