محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
كنت في رحلة متوجهة إلى جدة، وعندما اتخذت مقعدي في الطائرة تقدم إلى شاب في العقد الثالث من عمره على ما ظهر لي، وكان كما يبدو من هيئته ملتزماً، سلم، ثم سألني: هل أنت فلان؟. قلت: نعم، بلحمه وشحمه؛ قال: هناك بعض الأسئلة التي تدور في ذهني حول كتاباتك في جريدة الجزيرة وأرغب في نقاشك حولها.. قلت: على الرحب والسعة، تفضل.. جلس في المقعد الذي بجانبي، ثم قال: أجد أن كتاباتك في عمودك في الجزيرة لا تلتزم بثوابت الشريعة، ولا باحترام العلماء؛ بصراحة ماذا تريد، وعَمّا تبحث؟.
قلت: أما أن كتاباتي لا تلتزم بثوابت الشريعة فهذا ما أرفضه شكلاً وتفصيلاً.
فأنا - يا سيدي - أعي تمام الوعي أنني أنتمي إلى دولة تقوم على أساس (تحكيم) الشريعة، وأسرتي تنتهي نسبتها إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، ووالدي الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم - رحمه الله - هو أحد المؤسسين الرواد الأوائل الذين أسسوا تعليم الشريعة واللغة في هذه البلاد على أسس عصرية، وعمي الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - كان مفتي هذه البلاد ورئيس قضاتها، وهو أول من أسس ونظم المحاكم الشرعية على مختلف درجاتها، كما أنه أول من ترأس دار الإفتاء بشكل رسمي، كما كان مشرفاً أعلى على تعليم المرأة في المملكة رغم اعتراضات بعض (المتزمتين) آنذاك، وعمي الشيخ عبدالملك بن إبراهيم - رحمه الله - كان الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحجاز.
فهل يُعقل أن أكون ضد شرعية دولتي، دولة الشريعة، دولة عبدالعزيز، وتاريخ أسرتي، ومنجزات أبي وأعمامي؟.
غير أن الذي أنا ضده بقوة، وربما بشراسة أيضاً، أن يجري التذرع بالدين، والتدرّع بمفاهيمه، من أجل (تلغيم) أفكار الناس، (وتثوير) المجتمع، و(تفجير) البيوت على ساكنيها .
والذي أنا ضده أن يستغل الإسلام وقال الله رسوله عليه الصلاة والسلام من أجل عزلنا كسعوديين عن العالم وعن الانفتاح وعن التطور، تحت دعوى (رفض التغريب)، أو البراءة من الغرب والغربيين، أو أية فكرة تنبع وتدور وتحور حول هذه المفاهيم المغلوطة، فتصبح في (عزلة)، مثلما كانت (طالبان) ثم انتهت وتلاشت وهي في عزلة تامة عن العالم.
والذي أنا ضده أن نتجاوز تجربة دولة الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، الذي كان أول مؤسس لدولة تقوم على تطبيق الشريعة (كمرجع) في العصر الحديث، ونذهب إلى حسن البنا وسيد قطب وأخيه محمد، (نتسول) منهم ومن تراثهم الفكري و(الثوري) نظريات بناء دولة الشريعة، وكأننا دولة لا تمت للشريعة بنسب. بمعنى آخر أيعقل أن نترك تجربة عبدالعزيز ونذهب إلى حسن البنا نطلب منه العون والمدد؟!
والذي أنا ضده أن يستغل الإسلام، ويتم الانتقاء من تراثه، ومن أقوال علمائه، بما يُعطل مسيرة التنمية، أو يعيقها. فلا يمكن أن نبقى، وأن نعيش، ولا أن نرسخ ما بناه المؤسس - رحمه الله - إلا بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ومواكبة العصر.. فالتكلس، ناهيك عن (النكوص) إلى الوراء، معناه النهاية والفتنة والتفكك والتشرذم والتخلف والمرض والجهل، وربما الذبح والدماء.
أعرف أن ثمة من يتهم كتاباتي بأنها (تمس) ثوابت الإسلام. من يقول بهذا القول إما أنه (لا يقرأ)، أو أنه متضرر مما أكتبه، أو أنه يردد ما يسمعه دون عمق وإدراك؛ مجرد (صدى) للآخرين ليس إلا. وكل هؤلاء لا أعيرهم ولا أعير انتقاداتهم أيّ اهتمام؛ لأنني أعي ما أقول تمام الوعي، وأدرك أننا لو تركنا هؤلاء (الثوريين) الذين يتذرعون بنصرة الدين، أو رضخنا لابتزازاتهم، و(بياناتهم)، وتشنيعاتهم، وتلونهم، وتذرعهم بالشريعة وتطبيقها، فقل على بلادنا السلام.
من أين خرج ابن لادن وطغمته بالله عليكم؟. ومن الذي أخرج هؤلاء الذين يبيحون (قتل) النفس التي حرم الله قتلها تحت ذريعة (الاستشهاد)؟ ثم متى كان الجهاد يوجهه (المسلم) لأهل بيته وذويه، أو إلى ضيوفه في داره؟.. هل جاءنا هذا الفكر التدميري من المريخ مثلاً؟ أم جاءنا من أولئك الذين تسربوا إلى بلادنا من الخارج، ثم اقنعوا (شبابنا) أنهم وبلادهم في (غفوة)، وأن الحل في (الصحوة)، فانساق وراءهم البسطاء من الشباب؛ ليحولوا الإسلام من دين المحبة والسلام والدعوة بالحسنى، إلى دين (التمرد) والذبح والدم والإرهاب.
نعم، أنا ضد هؤلاء، ليس ذلك فحسب، ولست مع من (يتساهل) معهم، أو يجد لهم مبررات، أو يتلمس لهم اعذاراً مهما كانت، (عالماً) كان هذا المتساهل أم جاهل.
والسؤال: هل من يقف هذا الموقف يكون ضد ثوابت هذا الدين القيم؟.
يوم الثلاثاء المقبل سأتطرق إلى بقية النقاط التي آثارها محاوري في الطائرة.. إلى اللقاء.














التعليقات