الأثنين 19 مارس 2007

كي سيوك

استحوذت كوريا الشمالية من جديد على عناوين الصحف، وذلك على خلفية توقيعها على صفقة تغلق بموجبها ييونج يانج مفاعلها النووي الرئيسي، وتسمح لفرق المفتشين الدوليين بالعودة إلى البلاد مقابل مساعدات اقتصادية وأخرى في مجال الطاقة. وإذا كان مراقبو كوريا الشمالية أعربوا عن ترحيب حذر بهذه الخطوة التي يمكن أن تفضي إلى خلو شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، فإن تطوراً آخر خطيراً ويبعث على القلق حصل ولكنه لم يستأثر بما يستحقه من اهتمام، ألا وهو تشديد سياسة بيونج يانج تجاه عابري الحدود الكورية الشمالية.
ففي تراجع خطير ومنذر، قامت كوريا الشمالية على ما يبدو بإلغاء مرسوم 2000 الذي يقضي بالتعامل برأفة مع مواطنيها الذين يعبرون الحدود quot;بطريقة غير قانونيةquot; إلى الصين بحثاً عن لقمة العيش وكسب المال لإطعام أسرهم. وفي هذا الإطار، تفيد شهادات عدد من عابري الحدود الذين حاورتهم منظمة quot;هيومان رايتس ووتشquot; بأن بيونج يانج اعتمدت عقوبات أكثر صرامة وتشدداً في حق الأشخاص الذين يتم إرجاعهم إلى البلاد.
ولوصف السياسات التي أعاد quot;الشمالquot; تبنيها منذ أواخر عام 2004 ربما، يروي الكوريون الشماليون المستجوَبون اللغة التي يستعملها المسؤولون في كوريا الشمالية: إن الأشخاص الذين يعبرون الحدود من دون إذن الدولة quot;لن يستفيدوا من أي عفوquot; مهما يكن سبب ذهابهم إلى الصين، وبغض النظر عما قاموا به هناك، بمن فيهم quot;المخالفونquot; لأول مرة.
ويُظهر تشديد هذه السياسة مدى انتهاك بيونج يانج لالتزاماتها الدولية التي تعهدت بها عندما وقعت اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية في عقد التسعينيات؛ حيث تحرم كوريا الشمالية مواطنيها من حقوقهم الأساسية عبر منعهم من مغادرة البلاد بحرية، واعتقال الأشخاص الذين يحاولون ذلك، إضافة إلى الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب، بل وإعدام عابري الحدود الذين يتم إرجاعهم إلى البلاد أحياناً. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أيضاً أن الصين بدورها لا تحترم التزاماتها الدولية بصورة منتظمة، مثلما تنص على ذلك اتفاقية اللاجئين الأممية لعام 1951، وذلك عبر تسمية جميع الكوريين الشماليين بـquot;المهاجرين الاقتصاديين غير القانونيينquot; وترحيلهم إلى بلدهم.
إن الكثير من الكوريين الشماليين يعبرون الحدود اليوم لأن الدولة خذلتهم؛ فإذا كانت كوريا الشمالية تزعم أن لديها نظاماً اشتراكياً يحصل بموجبه جميع مواطنيها على الغذاء والتعليم والخدمات الطبية والسكن بالمجان، فإن الحقيقة هي أن نخبة البلاد فقط هي التي تتمتع بهذه المزايا. أما بقية السكان، فتترك وحيدة لتتدبر حالها. وبالتالي، فإن ركوب غمار الرحلة الشاقة والخطيرة إلى الصين يمثل شكلاً من أشكال الدفاع عن النفس، على اعتبار أن الحكومة الكورية الشمالية فشلت في إطعام شعبها؛ وفي الوقت نفسه، تضطهده لأنه يحاول إنقاذ نفسه.
وقد حكت لنا امرأة كورية شمالية في التاسعة والخمسين من عمرها قصة ترحيلها من الصين والعقاب الذي تعرضت له في بلدها. ما هي الجريمة التي ارتكبتها؟ غادرت البلاد من دون إذن الدولة، وهو ما يعتبر quot;خيانةquot;. تقول هذه السيدة: quot;لقد ذهبت إلى الصين لأنه لم يكن لدي طعام في البيت؛ ولكنني اضطررت للعيش مختبئة هناك. ولذلك حاولت الذهاب إلى كوريا الجنوبيةquot;، وأضافت قائلة: quot;ولكن سرعان ما قُبض عليَّ؛ وسلبتني الشرطة الصينية كل المال الذي كنت أدخره. لقد انهالوا عليَّ بالركل والضرب؛ ولكن الأمور ساءت أكثر عندما تم ترحيلي إلى كوريا الشمالية. فقد أجبروني على نزع ثيابي، وقام طبيب بفحص أعضائي للتحقق مما إن كنت أخفي مالاً. لقد عاملوني كحيوان، لأنهم كانوا يعتبرونني خائنةquot;. وبعد أن أدت هذه السيدة عقوبة السجن، فرت إلى الصين من جديد في سبتمبر الماضي.
وتروي امرأة أخرى في الثانية والأربعين من عمرها من مدينة quot;هايجوquot; قصة تعرضها للترحيل من الصين في ديسمبر 2003 وقضائها فترة 18 شهراً في أحد مخيمات الأشغال في كوريا الشمالية إذ تقول: quot;كل يوم، كنت أرى شخصاً يموت. لقد كانوا يعطوننا حفنة من دقيق الذرة، وكان الناس يشتكون من مشاكل في الهضم، حيث مات الكثيرون بعد إصابتهم بالإسهال لمدة أسبوعquot;. وتضيف قائلة: quot;لقد كانوا يتركون المرضى في الممرات خارج المراحيض. ولذلك، فقد مات الكثير منهم؛ وكان الحراس يلفون الجثث في أكياس بلاستيكية ويدفنونها في أحد الجبالquot;.
وتعامل السلطات الكورية الشمالية الناس الذين سبق أن اعتُقلوا معاملة وحشية وغير إنسانية، ومن ذلك نزع ثيابهم من أجل التفتيش، والاعتداء الكلامي، والتهديد والضرب. وفي هذا الإطار، حكت امرأة في الخمسين من عمرها، يوجد على خدها الأيسر ندب بارز، قصتها لمنظمة quot;هيومان رايتس ووتشquot; فقالت: quot;لقد اعتقلوني لأنني كنت أبيع الثياب، وهو أمر ممنوع. فسُجنت لفترة تسعة أشهر، كانوا يعطون السجناء أثناءها حفنة من دقيق الذرة في كل وجبة. ونتيجة لذلك، فقد تدهورت حالتي الصحية إلى درجة أنني فقدت الوعي طيلة عشرين يوماً. وعندما تمكن أحد الأطباء من إيقاظي وإنعاشي، سرقت ملعقة كي أنتحر، إلا أنهم ضبطوني، وركلني أحد الحراس في وجهيquot;. وقد فرت هذه السيدة أيضاً من البلاد بعد إطلاق سراحها.
يتعين على العالم ألا ينتبه إلى مسؤوليات كوريا الشمالية في إطار اتفاق نزع السلاح النووي الجديد فحسب، وإنما أيضاً إلى مسؤوليات quot;بيونج يانجquot; تجاه شعبها. فإذا كان الكوريون الشماليون يجدون أنفسهم اليوم مضطرين للفرار من بلدهم لأن الدولة خذلتهم، فعلى بقية العالم ألا تخذلهم أيضاً.

باحثة كورية شمالية بمنظمة quot;هيومان رايتس ووتشquot;.