خليل العناني


لأول مرة منذ زمن نشعر بمدى أهمية القمة العربية، فعلى الرغم من أن قمة الرياض هي قمة دورية، إلا أن الأجواء الساخنة التي تشهدها الأروقة العربية، تشي بإمكانية خروج قمة الرياض بنتائج مغايرة وغير عادية.

ومن بين المؤشرات التي تدفع الى الاعتقاد ان قمة الرياض ستكون مختلفة هذه المرة، مناخ الحيوية الذي هب على العلاقات العربية ndash; العربية. وبدا أن ثمة انفراجات تشهدها ملامح العلاقة بين هذه البلدان عطفاًَ على التطورات الإقليمية المتسارعة والتي تتطلب تنسيقاً وتوافقاً يطغى على الخلافات التقليدية بين مختلف الأطراف.

مؤشر آخر هو حال laquo;السيولةraquo; التي تطغى على المشهد الإقليمي الراهن، وما تفرضه من تحديات غير مسبوقة على الجميع، سواء على المستوي الاستراتيجي (الاستقطاب الإيراني ndash; الغربي)، أو المستوي السياسي والعقائدي (الاستقطاب الطائفي).

ثالث المؤشرات تحول إيران، بفضل الضغط الأميركي المتواصل عليها، من مجرد لاعب إقليمي، إلى طرف أصيل في التفاعلات العربية ndash; العربية، ما يدفع بضرورة إعادة النظر في تكييف العلاقة معها، والاستفادة من ذلك في خدمة القضايا العربية.

وقد أثبتت القمة السعودية ndash; الإيرانية التي عقدت قبل أسابيع، أنها لم تكن مجرد حوار بين دولتين إقليميتين كبيرتين تهتمان معاً بكثير من الملفات، بقدر ما عبرت عن حوار سني ndash; شيعي في أعلى مستوياته. وبدا أن الدولتين تقدران جيداً مخاطر مثل هذا الاستقطاب، ليس فقط على بنية المجتمعات العربية، وإنما أيضا على علاقتهما الاستراتيجية واحتمالات الضرر التي قد تحدث لمصالحهما إذا استمر مثل هذا الاستقطاب على حاله.

وعطفاً على ما سبق فإن تساؤلاً مشروعاً يطرح نفسه: لماذا لا تحضر إيران، كمراقب، القمة العربية المقبلة في الرياض؟ فليس ثمة ما يمنع ذلك شكلاً أو موضوعاً، بل على العكس من ذلك، تفرض اللحظة الراهنة ضرورة اللعب بجميع الأوراق التي من شأنها زيادة المكاسب العربية وردم الفجوة مع laquo;الآخرraquo; الإقليمي.

ومن شأن حدث كهذا تبريد الكثير من بؤر الاستقطاب الإقليمي الذي تشهده المنطقة، ويوشك أن يودي بها نحو مصير مجهول. ذلك أن laquo;الاستقطاب الخشنraquo; يظل هو العنوان الأبرز لوصف الحالة في الشرق الأوسط، وهو استقطاب ذو تقاطعات أفقية ورأسية، تتداخل فيها السياسة والثقافة والدين والمجتمع، وتحتفظ إيران بـ laquo;كلمة السرraquo; في كل هذه التقاطعات.

أفقياً ظهرت ملامح استقطاب طائفي ما بين الشيعة والسنة في العالم العربي، وقد زادت حدته مع تكرار اللعب على أوتار العلاقات المذهبية داخل المجتمعات العربية، المعبأة بطبيعتها، وذلك في ظل مناخ إعلامي ملتهب. ورأسياً، فإن ثمة استقطاباً سياسياً واستراتيجياً يجري تسخينه بين القوى والأطراف الإقليمية الفاعلة في المنطقة، وذلك بعد التقسيم الذي وضعته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بين محوري laquo;الاعتدالraquo; و laquo;التشددraquo;.

ورأسياً، سعت واشنطن إلى تشكيل محور عربي من أجل محاربة قوى الممانعة والتشدد وفي مقدمتها إيران ومن يتبعها من الفاعلين ما دون الدولة مثل laquo;حزب اللهraquo; و laquo;حماسraquo; وحزب laquo;الدعوةraquo; في العراق. وكلا المحورين يؤكدان الفشل الأميركي الذريع في تحديد العدو، وهو ما يعبر عن نوع من الفوبيا الأميركية تجاه كل ما هو إسلامي بغض النظر عن المذهب أو الطائفة. فمعايير التقييم الأميركية تتوقف على من يحقق المصالح الأميركية ولا يهددها.

ومن الملفت أن يكون المحدد الرئيسي في كلا الاستقطابين هو العامل الأميركي - الإيراني، فقد سعت الولايات المتحدة إلى نثر بذور الخلاف بين الطوائف والمذاهب في العالم العربي من خلال إبداء الاهتمام بالشيعة في العراق، على حساب غيرهم من الطوائف، وذلك ظناً منها بالقدرة على تكوين جبهة شيعية تواجه laquo;التطرف السنيraquo; الذي يمثله بالأساس تنظيم laquo;القاعدةraquo;. في حين سعت إيران للاستفادة من هذا الوضع لتجييش العالم العربي خلفها في معركتها ضد الغرب، والاستفادة من أوراقها المتناثرة في المنطقة.

لسوء الحظ فإن الغزو الأميركي للعراق، لم يؤد فقط إلى إحلال نظام إقليمي جديد للمنطقة محل نظامها القديم، وإنما فرض ضرورة إعادة النظر في تأسيس هذا النظام على روابط ما فوق قومية، تتعدى حدود المنطقة، كي يصبح نظاماً شرق أوسطي ممتد من باكستان شرقاً إلى موريتانيا غرباً.

ولكن مع فشل مثل هذا الطرح نشأ وضع مختل، يتمثل أولاً في عدم القدرة على العودة الى الوضع القديم للنظام الإقليمي العربي كرابطة تاريخية وقومية، حيث تحاول قوى إقليمية أخرى استغلال حال الفراغ الراهنة، وإقحام نفسها طرفاً في الترتيبات الجديدة للمنطقة، مثل إيران وإسرائيل وتركيا. وثانياً في انخراط الطرف الدولي المؤثر (الولايات المتحدة)، ليس فقط كطرف laquo;متدخلraquo; وفق مصالحه، وإنما كقوة مهيمنة تقود العالم العربي في أي اتجاه تريد.

ومن المفارقة أن تصر بعض الأطراف العربية على التمادي في لعبة تفكيك النظام العربي وتذويبه في مستويات إقليمية وأطر دولية أخرى، كمهرب من دفع كلفة البقاء تحت مظلة هذا النظام. وقد وضح جلياً خلال الشهور الماضية أن ثمة صعوبة حقيقية في الإمساك بخيوط عربية متوازية في معالجة الملفات العربية الساخنة، وهو ما يجعل من الحوار مع إيران أمراً ضرورياً للتخلص من الحال المأسوية التي انزلق إليها النظام العربي بفعل رعونة بعض أطرافه.

الأكثر من ذلك أن من شأن حضور إيران للقمة العربية المقبلة أن يحملها حجة ثقيلة في الالتزام أمام العالم العربي بإيجاد حل سريع وواقعي للقضايا التي تمتلك فيها إيران اليد الطولى كالعراق ولبنان. وقد يدشن مثل هذا اللقاء لمرحلة جديدة من التعاون الإقليمي بين إيران والدول العربية تقوم على الاحترام المتبادل والعمل في إطار منظومة إقليمية laquo;استراتيجيةraquo; تحقق مصالح جميع الأطراف.