الأربعاء 18 أبريل 2007

جون ديلـ كريستيان ساينس مونيتور

خلال الحرب العالمية الثانية، أبدى الجنرال الأميركي quot;أومار برادليquot; ملاحظة مهمة قال فيها: quot;في الحرب لا توجد جائزة لمن يحتل المرتبة الثانية في السباقquot;. وفي تعليق مشابه حذر الجنرال ذائع الصيت quot;دوجلاس ماكارثرquot; مواطنيه الأميركيين قائلاً quot;إنه من الخطر الدخول في حرب دون امتلاك العزيمة لكسبهاquot;. لكن ورغم هذه التحذيرات، يبدو أن القادة السياسيين الأميركيين اليوم سواء في البيت الأبيض، أو في الكونجرس قد خاضوا حرباً، وفي أذهانهم أن الهزيمة أمر مقبول، فما هو يا ترى السبب؟ فاللافت حقاً أنه بالرغم من الخسائر المهمة في الأرواح التي تكبدها الجيش الأميركي ومليارات الدولارات التي أنفقت على الحرب تميزت العمليات القتالية مع صدام حسين، والذين أتوا بعده، بتردد كبير غير مفهوم إطلاقاً. وبالطبع تعتبر ذلك الأسلوب في القتال الطريقة الأمثل لخسارة الحروب وتجرع مرارة الهزيمة. فقد انتصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية واليابان الإمبراطورية بفضل المجهود الشامل والقرارات الحاسمة الصادرة من القيادة العليا. ولا زلنا نذكر كيف دعا الرئيس quot;فرانكلين روزفيلتquot; إلى quot;حرب شاملةquot; على دول quot;المحورquot;، وطالبهم بـquot;الاستسلام غير المشروطquot;.

فهل إن قادة أميركا الحاليين على نفس درجة الحسم والصرامة؟ لم تكن إحالة الرئيس quot;روزفلتquot; إلى الحرب الشاملة في خطابه مجرد فذلكة لغوية، بل كان يقصد أن أي شيء تابع للعدو هو هدف محتمل، بما في ذلك المصانع والمدن، بل وحتى المدنيين. وهكذا من خلال الأوامر الواضحة التي كان يصدرها الرئيس quot;روزفلتquot; كان الجنرالات من أمثال quot;دويت إيزنهاورquot; وquot;جورج باتونquot; يدركون جيداً ما يتعين أن يقوموا به. فقد كسروا عزيمة ألمانيا واليابان على الاستمرار في الحرب، وجاءت التكلفة عالية من خلال سقوط مئات الآلاف من المدنيين في دولquot; المحورquot;. وبحلول عام 1945، قادت الحرب الشاملة المعلنة ضد الأعداء إلى صعود كرة ضخمة من اللهب فوق مدينة quot;دريسدنquot; الألمانية نتيجة 3 آلاف طائرة أميركية وبريطانية حجبت الشمس وأغرقت المدينة في موجة من النيران العاتية، حيث قدر عدد القتلى بحوالى 135 ألفا من الألمان جلهم من المدنيين. ولم يمض على ذلك اليوم الرهيب سوى بضعة أسابيع حتى شنت الطائرات الأميركية غارات مشابهة على طوكيو تسببت في صعود كرة هائلة من النيران وقتل أكثر من 84 ألف ياباني أغلبهم من المدنيين. وبعد ذلك بأشهر قليلة ألقت الولايات الأميركية قنبلتين ذريتين على اليابان، محققة النصر ومنهية الحرب.

ويذكر أنه في تلك الحروب تحول كل شي إلى هدف، حيث وظفت قوات التحالف الغربية الهجوم على المدن للتعجيل بإنهاء الحرب بأقل الخسائر في صفوف الحلفاء. فالأمر لم يكن يحتمل أي تأخير في اتخاذ القرار فإما أن تَقتل أو تُقتل، وهو ما منح قوات التحالف شعوراً بالمسؤولية الأخلاقية لإنقاذ العالم من الفاشية والنازية والحؤول دون انهيار الحضارة الغربية. فهل تمتلك الولايات المتحدة نفس المسؤولية الأخلاقية لكسب الحرب في العراق؟ أخشى بالنظر إلى النقاش الدائر حالياً في الكونجرس وفي أوساط النخبة السياسية الأميركية أننا أبعد ما نكون اليوم عن تلك المسؤولية الأخلاقية الضرورية لتحقيق الانتصار. فقد حذر الرئيس بوش من أن انسحاب القوات الأميركية من العراق قد يطلق العنان للحركات الإرهابية لضرب الولايات المتحدة في عقر دارها، وشبه في هذا الإطار ما أسماه بـquot;الفاشية الإسلاميةquot; بالخطر النازي. وإذا كان هذا الكلام صحيحاً، فلماذا تتردد أميركا في الرد الحازم؟ وأين التعبئة الدولية التي كانت تحصل في الحروب السابقة؟ لماذا لا نرجع مثلاً إلى التجنيد الإجباري، بدل الاعتماد على جيش من المتطوعين بينما ينصح الآخرون بالذهاب إلى التسوق؟

والواقع أن أميركا قادرة على كسب الحرب في العراق إن هي أرادت، ذلك أنها في جميع الأحوال تبقى القوة العالمية الأولى. وربما يرجع السبب وراء هذا التردد الذي تبديه القيادة الأميركية في شن حرب شاملة والاكتفاء بضرب أهداف متفرقة لا تفي بالغرض إلى الالتباس الأخلاقي الذي مازال يلف الحرب في العراق. لكن التاريخ لا ينظر بعين الرأفة إلى الحروب المحدودة التي لا تحسم الحرب ولا تحقق الانتصار. فمنذ الحرب العالمية الثانية خاضت الولايات المتحدة أربع حروب كبرى وصلت فيها الحرب الكورية إلى الطريق المسدود، وانتهت فيتنام إلى خسارة معلنة. وبينما كانت حرب الخليج الأولى انتصاراً كبيراً وها هي تغرق في رمال العراق المتحركة. والملاحظ أنه على مدار التاريخ الأميركي الممتد طيلة 150 سنة الماضية كانت الولايات المتحدة دائماً المنتصرة في الحروب الشاملة، بما في ذلك الحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية. فقد تجرع الجنوب الأميركي مرارة الحرب الشاملة في 1864 عندما أخلى الجنرال الوحدوي quot;ويليام شيرمانquot; مدينة أطلنطا من النساء والأطفال وأحرق جزءاً كبيراً منها، ثم اتجه إلى الساحل بصحبة 62 ألف جندي الذين أحرقوا في طريقهم ونهبوا كل ما وقعت عليه أيديهم، ولم يمر سوى وقت وجيز حتى أعلن الجنوب استسلامه.

أما في العراق، حيث فرضت قيود على الجيش الأميركي فقد تمكن المتمردون من ربح الوقت وبناء قدرتهم العسكرية والتعرف على مكامن ضعف القوات الأميركية. وبالطبع جعلت الحرب المحدودة التي تخوضها الولايات المتحدة في العراق المدنيين في منأى عن الضغط، مقدمين كل سبل الدعم والتأييد للمتمردين. وبينما تشن أميركا حربها المحدودة والضيقة يخوض المتمردون من جانبهم حربهم الشاملة التي لم تعد تستهدف الجنود الأميركيين والبريطانيين فحسب، بل تستهدف أيضاً المساجد والأسواق المفتوحة، والمطاعم، والمحلات، فضلاً عن المباني الحكومية، وجميع أماكن تجمع المدنيين. وهنا أرجع قليلاً إلى ما قاله مارشال سلاح الجو quot;روبرت سوندبيquot; الذي شارك في الهجوم الجوي على ألمانيا عام 1945 في مقدمة كتاب quot;ديفيد إيرفين quot;تدمير دريسدنquot;: quot;ليست المسألة فيما إذا كانت هذه الطريقة، أو تلك في خوض الحرب لا أخلاقية، ذلك أن ما هو غير أخلاقي فعلاً هو الحرب نفسها. فما أن تندلع الحرب الشاملة حتى تفتقد الطابع الأخلاقي، أو الإنسانيquot; ويضيف quot;روبرت سوندبيquot; قائلاً quot;وإذا ما حاول أحد أنسنة الحرب فالراجح أنه سيخسرهاquot;.