سليمان جودة

أدي الرئيس الموريتاني الجديد laquo;سيدي ولد الشيخ عبداللهraquo; اليمين الدستورية، أمس الأول، رئيساً للبلاد.. وهذه هي المرة الأولي، التي يتعهد فيها رئيس عربي، وهو يؤدي اليمين، بأن يحافظ علي الديمقراطية، طوال عهده، وألا يعبث بالدستور، من أجل إطالة فترة وجوده في السلطة، ثم إن هذه هي المرة الأولي أيضاً، طوال الخمسين عاماً الماضية، التي يشهد فيها العالم العربي، وصول رئيس مدني، إلي السلطة، من خلال تداول سلمي، وانتخابات حقيقية، ومناظرات بين المرشحين، علي الطريقة الأوروبية!

أما الشيء المحزن حقاً، فهو غياب جميع الرؤساء العرب، عن حفل تنصيب الرئيس الجديد، في الوقت الذي حضر فيه سبعة رؤساء أفارقة، وممثلون عن ٢٠ دولة ومنظمة إقليمية ودولية، وممثلون عن آسيا وأوروبا،.. وحضر جون نجروبونتي، الرجل الثاني في الخارجية الأمريكية، وكان أول الحاضرين، والمهنئين!!

ولايزال غياب الرؤساء العرب، محل تساؤل كبير، وموضع دهشة بلا حدود.. ولايزال التجاهل الإعلامي العربي، للتجربة الموريتانية الرائدة، يبعث علي الريبة والشك، ويرسم في الأفق، علامة استفهام كبري، بحجم موريتانيا نفسها.. فموريتانيا حالياً، هي الدولة العربية الوحيدة، التي يحدد دستورها فترة معينة للرئيس، في الحكم،.. وهي الدولة العربية الوحيدة، التي جاء فيها العقيد محمد ولد فال، إلي السلطة ثم تركها طواعية، وبإرادته وقرر إجراء انتخابات نزيهة، وشفافة تنتقل من خلالها أمور الدولة من العسكريين إلي المدنيين سلمياً لأول مرة، في بلاد العرب كلها، من أقصاها لأقصاها!!..

باستثناء تجربة سوار الذهب في السودان.. فهل غاب الرؤساء العرب، لهذا السبب، وهل كان حضورهم، سوف يحرجهم للغاية؟! وهل كان وجودهم، في حفل التنصيب، الذي تناقلته القنوات التليفزيونية العالمية، وتجاهلته القنوات العربية، سوف ينبه شعوبهم، إلي أن التداول السلمي للسلطة ممكن، وأن الانتخابات المعبرِّة عن إرادة الناس مسألة في مقدورنا،

وأن القول بأن شعوبنا لم تنضج بعد، لتمارس ديمقراطية حقيقية، قول فاسد وغير صحيح، فقد كانوا دوماً يقولون لنا: لا تقارنوا بيننا، وبين إنجلترا، وفرنسا، وأمريكا.. فهذه دول متقدمة، وتجاربها في الديمقراطية راسخة وعميقة.. فماذا يقولون لنا، إذا خرج من بيننا، مَنْ يقارن بين ما يحدث عندنا، وما حدث في موريتانيا؟!.. لقد سألت قناة الجزيرة، السيد محمد فال ولد عمير،

رئيس تحرير صحيفة laquo;لاتريبينraquo; الموريتانية، عن تفسيره، وتفسير أبناء بلاده، اختفاء الرؤساء العرب تماماً، من الاحتفال بتجربة عظيمة كهذه، فقال إنهم لا يجدون أي تفسير معقول أو منطقي، لما حدث، ولكن يبدو أن الرؤساء العرب قد خافوا،

علي حد تعبيره، من عدوي الديمقراطية في موريتانيا. ثم أضاف ولد عمير: إن رئيسنا الجديد، يتمتع بما لم يتمتع به أي رئيس في تاريخ موريتانيا كله، وهو الشرعية التي يحكم بها، والتي سوف تعطيه قوة بلا حدود، في ممارسة سلطاته، ونقل البلاد إلي طريق آدمي، للمرة الأولي!!.. وملاحقة الفساد، بلا تردد، ولا رحمة.

إن أي رئيس جديد، في أي بلد، يتعهد في العادة بالحفاظ علي أمن البلاد، وسلامتها.. ولكن إضافة التعهد بعدم اللعب في مدة الرئيس بالدستور، مسألة جديدة تماماً، ويبدو أن الرئيس الموريتاني، أراد أن يقطع الطريق، علي laquo;هوانم موريتانياraquo; خشية أن تخرج واحدة منهن، وتقلد ما فعلته فايدة كامل في مصر، في عام ١٩٨٠، وتقترح تعديل الدستور، ليبقي الرئيس إلي الأبد!!.. مع أن الرئيس الموريتاني الجديد، عمره ٦٩ سنة، وهو قياساً علي أغلب الرؤساء العرب، رجل شاب، ويستطيع - إذا أراد - بإيحاء من هوانم بلاده، أن يغير للدستور، ويجلس فترة، وفترتين زيادة!!