السيد محمد حسين فضل الله


علينا ونحن نرصد ما صدر ويصدر من داخل كيان العدو الصهيوني، ألاّ ننسى أن الذي أفضى إلى هذه النتائج التي أظهرت الفشل الإسرائيلي أمام المقاومة، هو شجاعة المقاومين وبسالتهم في الدرجة الأولى، والتي تجلّت في الهزائم الموضعية التي تتالت على العدو على مدى ما يزيد على الشهر في حرب يوليو/تموز الفائتة، لأن هذه المقدرة على إيلام العدو في شكل تدريجي ومتلاحق، وصبر المجاهدين على الأذى على رغم ضراوة المعارك وطول الوقت، هو الذي رسم معالم النصر من خلال رسمه للمسافة الحقيقية بين إنسان الرسالة والقضية وإنسان الآلة بآخر تقنياتها القاتلة.

إن تقرير لجنة laquo;فينوغرادraquo; يشير في طريقة غير مباشرة إلى أن الفشل الذي أصاب laquo;إسرائيلraquo; في الحرب، كان يمكن أن يتحول إلى كارثة كبرى على العدو لولا الثقّالات الدولية الكبرى التي عملت على حماية هذا الكيان، ليس أقلّها ما جرى في مجلس الأمن من محاولات لإعطاء العدو ضمانات سياسية عبر القرار 1701 وغيره للتغطية على حجم خسائره العسكرية والبشرية.

وإن الفشل الإسرائيلي في تداعيات الحرب وفي الإرهاصات الإسرائيلية الداخلية كان يمكن أن يتحول إلى سلاح استراتيجي بيد العرب كي يتحلّلوا - على الأقل - من الضغوط الأميركية ويسيروا في طريق متوازن من شأنه أن يحفظ الكرامة العربية، ولكن ما يثير الدهشة أن العرب في معظمهم خافوا من هذا النصر وسارعوا إلى التخلّص من نتائجه في انعكاسها على شعوبهم وهرولوا لمد اليد إلى laquo;إسرائيلraquo; حتى لا يفضح الفشل الإسرائيلي تخاذلهم وضعفهم.

لكننا في كل ما تحقق، نقول للجميع بأن فشل العدو لا ينبغي أن يثير فينا الشعور بأن العدو قد سقط بالضربة القاضية أو أنه لم يعد قادراً على ترميم جيشه والقيام بعدوان جديد، بل علينا أن نعرف أن كيان العدو يمثل دولة مؤسسات، سرعان ما تعمل لتصحيح أخطائها وتعديل خططها وحل مشكلاتها لتبادر للقيام بجولات عدوانية جديدة، وهو الأمر الذي يستدعي من اللبنانيين بعامّة ومن المقاومة بخاصّة أن تحافظ على جهوزيتها وعلى سعيها الدائب لرصد خطط العدو وإعداد الخطط المضادة له، كما يستدعي من كل الحريصين على سيادة لبنان واستقلاله ألا يثيروا الحديث السلبي عن سلاح المقاومة - وهم يشاهدون طائرات العدو في السماء اللبنانية في شكل شبه يومي - لأنّ لسلاح المقاومة وظيفته الوطنية الضرورية في المراحل المقبلة، كما أثبت جدواه في المراحل السابقة.

نريد للجميع في العالم العربي والإسلامي وفي لبنان أن يستفيدوا من الدرس الإسرائيلي، وأن يتعلموا من العدو كيف يعمل على حماية كيانه من الداخل من خلال الآليات التي تجعل أكبر مسئول في الدولة يتحمل مسئولية إخفاقاته، ويدفع الثمن أمام شعبه ويحني رأسه أمام القاضي الذي عيّنه والذي لا يتوانى عن رميه بالكلمات التي تؤكد بأنه عديم الخبرة ومقصّر وفاشل، ونعت الحكومة كلها بأنها مقصّرة ومسئولة عن الفشل، ليكون ذلك كله بمثابة الرسالة لدولنا وشعوبنا والقضاء عندنا بأن نتعلم من أعدائنا وأن نفهم بأن الجسم القضائي يمثل الحصن الحصين لأية دولة شريطة ألا يخضع للسياسيين.