أحمد الجار الله


لن ندخل في معاني وأبعاد انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الخاص بالعراق, وكيف أعاد المرجعيات العربية الى سابق دورها, والى سابق مكانها, وتحديدا المرجعية السعودية والمصرية, لان اي محلل خبير بامكانه الوصول الى هذه المعاني والابعاد, سيما وإن المؤتمر قد أخرج العراق من فم الحوت الايراني, ومن المحتمل, قريبا, ان يعود الى حاضنه الحقيقي وهو الفضاء العربي ومرجعياته التاريخية التي من الصعب العبث بها, او إزاحتها والحلول مكانها.

يكفينا أن المؤتمر انعقد في شرم الشيخ, ويكفينا ما يرمز إليه المكان. وفي المقابل, وبعيدا عن توقعات النجاح, وقرب ظهور النتائج الجيدة, فإن مرجعية القضايا العربية عادت الى أصلها, أي الى العرب, وخصوصا مرجعية القضية الفلسطينية, او العراق, او مرجعية الازمة في لبنان.... الإقحام الايراني على هذه القضايا اتضح أنه يهدف الى الاستحواذ على الموضوع الايديولوجي للمرجعية العربية, ألا وهو القضية الفلسطينية, كما اتضح هذا الامر للاميركيين الذين اتخذوا في السابق مواقف لاتخدم المرجعيات العربية السنية على خلفية التورط السني في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في نيويورك وواشنطن.

مؤتمر شرم الشيخ, برمزية المكان وكثافة المشاركين, قرر أنه لن يكون مسموحا إخلاء العراق, وإخراج الاميركيين منه من اجل ان يصبح لقمة سائغة لايران, او إرثا ينتقل الى طهران بمشروعيات المذهب, وبفظائع الميليشيات التي يديرها الحرس الثوري الايراني ويمدها بالسلاح والعتاد. وعلى ايران أن تقرأ جيدا هذه الرسالة, وأن تعرف ان مرجعية القضايا العربية هم العرب أنفسهم, وبالذات المرجعية السعودية ومرجعية مصر, البلدان الاكبر, مساحة, وسكانا, وثروات.

إضافة الى القراءة الايرانية الواقعية المطلوبة, على طهران ايضا ان تتوقف عن هذه المناطحة المغرورة للمجتمع الدولي, وأن تعرف كذلك ان نتائج هذه المناطحة ستكون مزعجة لها ولدول الجوار, والتي بالتأكيد لاتريد لها ان تتعرض الى ضربة عسكرية تقضي على هذا الغرور, وتعيد الأمن والاستقرار الى منطقة الخليج بالغة الاهمية وشديدة الحساسية... دول الخليج تتمنى أن يعي النظام الايراني حجمه وحجم أدواره, وإن هذا النظام لايتربع على رأس دولة عظمى, بل على رأس دولة نامية وغير قادرة على لعب أدوار لايرغب بها العالم.

في شرم الشيخ أيضا هناك لقاء كوندوليزا رايس بوليد المعلم وزير خارجية النظام السوري الذي أصبح الآن حديقة خلفية تابعة للنظام الايراني... فهذا النظام جاءه الوقت ليفهم أنه لن يستطيع استعارة الملابس من غيره, وإن جلبابه عربي بالاصل, وإنه من غير المسموح أن يساهم في التلاعب بمرجعيات القضايا العربية وإحالتها الى مرجعية ايرانية أصبحت مكشوفة الاهداف, ومشبوهة النوايا.

إن ما تريده دول المنطقة هو الاستقرار, وهذه الدول تؤمن ان حجم الادوار الخارجية لايتشكل الا من داخل وطني محلي وقوي, وإن هذه الادوار الكبيرة مستحيل القيام بها بجلابيب الفقراء, وبمستويات البطالة العالية, وبغالبية شعب يعيش تحت خط الفقر, وبمصانع متوقفة عن العمل, وبحركة استيراد وتصدير متعطلة.

لا ايران ولا سورية قادرتان على تفخيخ المرجعيات العربية, وتجيير القضايا العربية الى مرجعيات ايرانية, ذلك ان حجم البلدين مازال ضئيلا, اضافة الى ان نظرتهما الى مكمن القوة قاصرة ومحشورة في مظهر امتلاك السلاح التقليدي غير العادي, وفي محاولات امتلاك السلاح الذري الذي لاتقدر على النهوض به الا الدول المكتفية, والمتقدمة, وصاحبة الاقتصادات القوية.

مؤتمر شرم الشيخ في نظرنا أعاد العراق الى مرجعيته العربية, وأثبت أن الاميركيين مازالوا قادة اللعبة في هذا العالم, لم يضعفوا ولم يتراجعوا, وإنهم قرروا في الآخر عدم الركون الى مرجعيات طموحة طارئة, وعدم المحاولة التجريبية معها كمرجعيات غير عربية يمكن اعتمادها.