من واشنطن إلى بكين مروراً بنيويورك إنطلقت مظاهرات ومذكرات احتجاج

واشنطن ـطلحة جبريل، الشرق الأوسط
تعدت الضغوط التي تتعرض لها الصين من قبل الولايات المتحدة والدول الاوروبية بسبب دورها المتساهل مع الحكومة السودانية بشأن قضية اقليم دارفور. واصبحت تشمل مسألة لم تكن في الحسبان، وهي السدود المائية التي يشيدها الصينيون في السودان. واستطاع نشطاء سودانيون استقطاب منظمات حقوقية للتنديد بـlaquo;تواطؤraquo; بكين مع الخرطوم حول هذه المسألة.

ونظمت مظاهرتان هذا الاسبوع في واشنطن امام السفارتين السودانية والصينية للتنديد ببناء سد مائي جديد بات يعرف باسم laquo;سد كجبارraquo; شمال السودان، في حين اعلن عن تنظيم مظاهرة مطلع الشهر المقبل في نيويورك، تليها مظاهرة اخرى امام السفارة المصرية في العاصمة الاميركية. وتقرر تسليم رسالة احتجاج الى بان كي مون، الامين العام للامم المتحدة، حول الآثار السلبية التي ستنجم عن laquo;سد كجبارraquo; الذي شرع الصينيون في نقل المعدات اللازمة لتشييده. وامتدت الحركة الاحتجاجية المناهضة للسدود لتصل الى بكين نفسها التي احتضنت لقاء جرى نهاية الاسبوع الماضي، يسلط الضوء على قضية سدود السودان.

ويقول المناهضون لبناء laquo;سد كجبارraquo; الذي سيشيد شمال مدينة كرمة في منطقة النوبة السودانية عند منطقة الشلال الثالث على نهر النيل، إنه سيؤدي الى إغراق اراض واسعة مما سيترتب عنه تهجير جديد لسكان المنطقة، كما حدث قبل حوالي خمسة عقود عندما أدى تشييد السد العالي في مصر الى إغراق منطقة وادي حلفا في أقصى شمال السودان وترحيل سكانها الى منطقة laquo;خشم القربةraquo; شرق البلاد. واشاروا الى ان الحكومة السودانية وعدت بتقديم اراض زراعية جديدة للسكان المهجرين بحيث يكون نصيب كل أسرة 40 فداناً، لكنهم يشككون في الوفاء بهذه الوعود على غرار ما حدث عندما تلقى المهجرون من المنطقة المتضررة من laquo;سد مرويraquo; قرب مدينة كريمة وعوداً مماثلة يقولون إنها لم تنفذ. وذكر المعارضون لبناء laquo;سد كجبارraquo; ان هذه المنطقة التي كانت في عصور خلت مهداً للحضارة الفرعونية وتوجد بها آثار ستغمرها المياه. وكان المناهضون لـlaquo;سد كجبارraquo; قذ أفلحوا في الحصول على دعم من منظمة laquo;هيومان رايتس ووتشraquo; وكذا منظمة العفو الدولية laquo;آمنيستيraquo; ومنظمات حقوقية اميركية شاركت في المظاهرة التي نظمت مطلع هذا الاسبوع في واشنطن امام السفارة السودانية.كما شارك اعضاء من الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في جنوب السودان، وبعض انصار المنظمات المسلحة في دارفور وشرق السودان في المظاهرة. وسلم المتظاهرون جون اكيج السفير السوداني في واشنطن مذكرة احتجاج اقترحوا أن تسلم الى سلفا كير نائب الرئيس السوداني ورئيس حكومة جنوب السودان، على اعتبار ان الحركة الشعبية التي يقودها تهتم بقضايا المهمشين. ووعد السفير، وهو أصلاً عضو في الحركة الشعبية، بنقل الرسالة الى كير والحصول منه على رد. وبعد السفارة السودانية، انتقل المعارضون في اليوم نفسه الى السفارة الصينية في واشنطن، بيد ان دبلوماسياً صينياً أبلغ المتظاهرين ان السفير يرفض اللقاء مع وفد يمثلهم كما يرفض تسلم مذكرة الاحتجاج على إنشاء السد، وهو ما أدى بالمتظاهرين الى ترديد هتافات تقول laquo;السودان ليس ميدان تيان آن مينraquo;، في إشارة الى الساحة التي كانت قد عرفت مجابهات بين الشرطة الصينية وطلاب يطالبون بإطلاق الحريات العامة في البلاد عام 1989.

ويقول نور الدين منان، وهو دبلوماسي سوداني سبق ان عمل في سفارة بلاده في واشنطن، وأحد منظمي حركة الاحتجاج ان حملة الاحتجاجات ستتواصل في جميع أنحاء العالم ضد إنشاء السدود على نهر النيل في السودان، مشيراً الى ان هذه السدود، بالاضافة الى ضررها ضد السكان، تضر بالبيئة ذلك ان نسبة تبخر المياه خلف هذه السدود تصل الى 20 في المائة، مشيراً الى ان الاميركيين يعتقدون ان الحل هو إنشاء سد ضخم قرب بحيرة تانا في اثيوبيا حيث تصل نسبة تبخر المياه الى صفر في المائة.

بيد ان الحكومة لسودانية تقول إن هذه السدود خاصة laquo;سد مرويraquo; ستوفر اراضيَّ زراعية خصبة اضافة الى انتاج طاقة كهربائية ضخمة تفيض عن حاجة السودان. يشار الى ان مشروع خزان laquo;مرويraquo; الذي تبلغ كلفته قرابة ملياري دولار هو اكبر مشروع لانتاج الطاقةالكهربائية من الماء ينجز حاليافي افريقيا. وستبلغ طاقةانتاجه1250ميغاواط لدى الانتهاءمنهالعام المقبل. لكن معارضين لهذا السد، يقولون إن الحكومة تعتزم تهجير بعض السكان غير المتضررين من السد خاصة في منطقة laquo;المناصيرraquo; لأسباب غير واضحة.

وكان احد ممثلي هذه المنطقة قد زار واشنطن في وقت سابق حيث القى محاضرات في عدد من معاهد البحث والتفكير laquo;ثينك تانكraquo; حول الاضرار الناجمة عن تشييد laquo;سد مرويraquo; وكذا مشكلة السكان الذين تريد الحكومة ترحيلهم عنوة. وقال على خليفة عسكوري الذي يمثل قبلية laquo;المناصيرraquo;، وهو في الاصل باحث مقيم في لندن، ان الحكومة ترفض التحاور معهم. وانتقل عسكوري الاسبوع الماضي الى بكين نفسها ليشرح وجهة نظره المناهضة لتشييد laquo;سد مرويraquo; واتهم في العاصمة الصينيةبكين بالتغاضي عن انتهاكات حقوقالانسان في السودان.

وقال في لقاءمع المراسلينالاجانب في بكينإن السلطات السودانية شرعت بالفعل في ترحيل 70 الف قروي للتمكن من الانتهاء من مشروع laquo;سد مرويraquo;. وكان عسكوري زار الصين للمشاركة في مؤتمر للمنظمات غير الحكومية عقد في شنغهاي، وسعى في محاولة يائسة الى استقطاب منظمات صينية غير حكومية للضغط على الحكومة بلادهم بشأن موضوع السد. لكن صحيفة laquo;كريستيان ساينس مونيتورraquo; الاميركية قالت إن المحاولة محكوم عليها بالفشل نظراً لضيق هامش الحريات التي تتحرك ضمنه المنظمات الصينية غير الحكومية.

وقالعسكوري ان بكين متورطةمباشرة في laquo;نهب الاراضي ومواردالمياه من خلال مشروعسد مرويraquo;.لكن الحكومة الصينية نفت هذه الاتهامات، وقالت إنها لم تتجاهل مشاكلالسكان في المشاريع الكبرىالتي تنجزها في افريقيا، ومن بينها laquo;سد مرويraquo; في السودان.