.. صبر الولايات المتحدة نفد من laquo;المماطلةraquo;

واشنطن - من حسين عبد الحسين

تتعزز في العاصمة الاميركية الفرضيات القائلة بحتمية توجيه الولايات المتحدة ضربة عسكرية لايران قبل نهاية العام الحالي، رغم مظاهر الانقسام السياسي السائد بين معسكري الجمهوريين في الرئاسة والديموقراطيين في الكونغرس.
ويعتبر الخبراء ان الرئيس جورج بوش وادارته اقتنعا بضرورة laquo;مسايرةraquo; الرأي العام قبل انتخابات الرئاسة والكونغرس التي ستجري في اواخر العام 2008، لذا فان بوش سيقترب اكثر من رؤية الديموقراطيين في السياسة الخارجية والقائلة بضرورة تغيير الاستراتيجية في العراق.
الا ان سياسة الديموقراطيين في واشنطن، لا تعني ابداً الوقوف والتفرج على النظام الايراني وهو يطور برنامجه النووي بل العودة الى سياسة الضربات العسكرية الاستباقية كما في عهد ادارة الرئيس الديموقراطي السابق بيل كلينتون، وهو ما ستتبناه ادارة بوش مع حلول سبتمبر، اي استعمال القوة العسكرية لاحتواء الاعداء لا لفرض تغييرهم وفرض الديموقراطية بعد ذلك.
وما يعزز فرضيات العملية العسكرية ضد ايران، ان صقور الادارة الاميركية وعلى رأسهم نائب الرئيس ديك تشيني حيدوا وزارة الخارجية المعارضة للضربة، واقنعوا الرئيس بان المفاوضات مع نظام طهران غير مجدية وبان الحوار تكتيك ايراني يستخدم لاضاعة الوقت ما حدا بالاوروبيين الى ابلاغ اسرائيل انهم وحدهم في مواجهة خطر الاسلحة الايرانية النووية المحتمل.
وتعزز المؤشرات السياسية من فرضية الضربة، اذ يبدو ان الادارة الاميركية حسمت امرها في شأن اعادة الانتشار في العراق وسحب القوات المقاتلة بغض النظر عن نتائج الحملة العسكرية الحالية، اذ سيتم الاعلان عن تخفيض عدد القوات منتصف سبتمبر وهو التاريخ المنتظر لاعلان القادة العسكريين لنتائج خطة زيادة القوات.
ويعتقد الخبراء ان اعلان laquo;ساعة الصفرraquo; للضربة سيحدد في تلك الاثناء وانه سيراوح بين نهاية سبتمبر ونهاية العام، اي قبل دخول اميركا سنتها الانتخابية ومرحلة اللاقرار.
بيد ان القرار النهائي يبقى بيد بوش وحده، والذي قد يختار الامر بشن العملية عوضاً عن ذلك في الوقت الضائع بعد الانتخابات وقبل مغادرته الحكم.
وتتوقع الادارة الحالية ان يعزز اعلان خفض القوات في العراق من شعبية الرئيس والجمهوريين في الانتخابات المقبلة. وفي الوقت نفسه، لا تشير الاوساط السياسية الى معارضة الديموقراطيين لعمل عسكري خاطف بعد تغيير الاستراتيجية في العراق. ويقول الخبراء ان ترافق الانسحاب من العراق مع ضربة لايران لن يؤثر سلباً في شعبية الجمهوريين لا وبل قد يعززها.
والولايات المتحدة لن تخرج مهزومة من العراق من دون توجيهها ضربة لمن يقف وراء الهزيمة، اي ايران، في وقت ايقنت واشنطن ان لا نصر لها في الحرب على الارهاب وعلى الانظمة التي تدعمه في حروب الشوارع، كما في العراق وافغانستان ولبنان وقطاع غزة حالياً، الا بنقل هذه الحرب الى ساحة حروب الجيوش التقليدية كانتصاراتها في افغانستان والعراق اول الامر.
وما يعطي الادارة الاميركية الثقة بضرورة ضربها لايران الخرق الاستخباري الذي احرزته واشنطن اخيراً في تحديد دقيق لخريطة المواقع النووية الفعلية الايرانية، وكذلك مواقع الدفاعات الجوية ومنصات اطلاق الصواريخ.
وتفيد معلومات غاية في السرية، بان شن الضربة، التي ستقتصر على الغارات الجوية فقط والتي لن تستمر لاكثر من يومين، ستأتي من الاراضي الافغانية او الباكستانية، ما سيوفر الحرج على الانظمة العربية الحليفة لاميركا، ويسحب من طهران ذريعة الرد على هذه الدول، بينما لا تجرؤ طهران الرد على باكستان النووية والتي تبادلها العداء على صعيد القيادة والشعب منذ زمن بعيد.
طهران بدورها، تنبهت للخطر الاميركي الداهم فابطأت في العمل على التخصيب وابدت مرونة في المفاوضات، بينما تراجعت عن عنجهيتها الاقليمية، فابتعدت عن سورية في مشروع تخريب لبنان، خصوصاً ان دمشق بدت وكأنها تحاول استغلال ايران في المواجهة اذ ترسل الرسالة تلو الاخرى لواشنطن واسرائيل لاعادة الامور الى نصابها اي تفويض دمشق اعادة استتباب الامن في لبنان وتمييع موضوع المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في مقابل تثبيت امن الحدود الشمالية لاسرائيل مع سورية ولبنان والمساعدة في تثبيت امن العراق، كما اسماها وزير الخارجية السوري وليد المعلم laquo;السلة المتكاملةraquo; لدى لقائه نظيرته الاميركية كوندوليزا رايس في شرم الشيخ.
في هذه الاثناء، تراقب واشنطن عن كثب الاحداث داخل طهران وترصد ارتباكاً هائلاً لا يقتصر على محاولة النظام تهديد جيرانه في الخليج اعلامياً، بل يتعداه الى حملة ترويع واضطهاد للايرانيين يصفها الخبراء بغير المسبوقة، اذ قامت الاجنحة المتشددة للنظام بسجن مواطنين ايرانيين-اميركيين بحجج واهية وانقضت على بعض القيادات الطلابية، وهو ما ادانه الناطق باسم وزارة الخارجية شون ماكورماك.
الا ان ما لم يذكره ماكورماك، ان الادارة الاميركية على علم بمضايقة النظام لرموزه السابقة والمعتدلة كاغلاق صحيفة يملكها مقرب من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني ومحاولة فبركة محاكمة للرئيس السابق محمد خاتمي، بتهمة مصافحة ايطاليات اثناء رحلة قام بها الى روما.
وتأمل واشنطن في ان تؤدي الضربة الى تأخير البرنامج الايراني لسنوات وانزال اضرار كبيرة في قوة ايران العسكرية وارباك الداخل اقتصادياً ما يحد من سطوة ايران الاقليمية. وبعكس ما يتوقع بعض مؤيدي ايران بان تقوم طهران بانزال اضرار في قوة الولايات المتحدة المهاجمة، فان التفوق العسكري الاميركي في مواجهة خاطفة لا لبس فيه، فلا مواجهة برية يعتمد فيها الايرانيون على موجات انتحارية ولا تجمعات سكانية اميركية بامكان ايران ضربها كما فعل laquo;حزب اللهraquo; في مواجهته مع اسرائيل. اما اذا قررت ايران ضرب اهداف بعيدة كاسرائيل او قواعد اميركية كالتي في قطر، فان امكان حصول ردود كهذه ضعيف، اذ ان المنصات الضخمة لاطلاق الصواريخ بعيدة المدى اثناء المواجهة ستكون مكشوفة امام التفوق الجوي الاميركي على عكس صواريخ laquo;حزب اللهraquo;، الممكن تشغيلها فردياً.
على كل حال، تأخذ الولايات المتحدة واسرائيل في الاعتبار امكان الرد الايراني صاروخياً، فان جاء بصواريخ بعيدة المدى، فبامكان اسرائيل احتوائها بالانظمة المضادة للصواريخ مع عدم الرد. اما اذا جاء بصواريخ ايرانية من laquo;سوريةraquo; وlaquo;حزب اللهraquo;، فان الجيش الاسرائيلي سيرد بعنف بعد ما اجرى مئات المناورات في مرتفعات الجولان وصحراء النقب، تحسباً لحالات كهذه، بعكس ما يصف اعلام laquo;حزب اللهraquo; هذه المناورات على انها تعويض لخسارة الجيش الاسرائيلي في حرب الصيف الماضي.
ويبدو ان طهران ادركت، وان متأخرة، انها ايقظت المارد العسكري الاميركي، فراح مسؤولوها يرسلون رسائل في اطلالاتهم عبر الاعلام الاميركي مفادها بان طهران جاهزة للحوار مع واشنطن على غرار الحوار الذي بدأ في بغداد. لكن يبدو ايضاَ ان واشنطن نفد صبرها وايقنت ان طهران لن تلبي قائمة مطالبها المتعلقة بتثبيت امن العراق والتخلي عن طموحها النووي، وانها تعتمد الحوار للحوار وان المسؤولين الايرانيين ان صدقوا يوماً في تحويل اقوالهم الى افعال، فانهم قد يفعلون ذلك في وقت متأخر قد لا ينفع في ابعاد الضربة التي صارت قائمة لا محالة.