د. سـفـيـان الـتـل

اعلنت كل من الاردن ومصر والامارات والسعودية عن رغبتها في دخول النادي النووي لانتاج الطاقة للاغراض السلمية. وبما ان هذا الاعلان قد تم في ظل التوترات العسكرية التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية علي المنطقة ودعوتها لمواجهة ايرانٍ فاننا لا نستطيع ان ننظر الي هذا الاعلان بمعزل عن هذا التوتر.
ان موضوع توليد الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية ليس بالموضوع الجديد. فقد سبقنا اليه معظم الدول الغربية التي دخلت في هذه التجربة وخرجت منها بتجربة مرة وصلت بنهايتها الي قرارات لبعض الدول باغلاق مفاعلاتها النووية التي انشئت للاغراض السلمية. كانوا يعتقدون قبل نصف قرن تقريباً ما تعتقده بعض الدول العربية اليوم من ان انتاج الطاقة من المفاعلات النووية عملية سهلة وميسورة وتزود البلد بنسبة لا بأس بها من حاجتها من الطاقة، هذا بالاضافة الي اعتقادهم انها اي الطاقة النووية لا تلوث كما تلوث الطاقة المولدة من الوقود الاحفوري كالنفط ومشتقاته والفحم الحجري.
بعد ذلك حدثت كوارث كثيرة في المفاعلات النووية في الولايات المتحدة واوروبا والاتحاد السوفييتي. ففي الولايات المتحدة حوادث متشعبة وكثيرة منها ما كان مباشراً في المفاعلات النووية مثل (ثري مايل الاند) والتي سببت كارثه بالرغم من القدرات المتفوقة للولايات المتحدة الامريكية في هذا المجال. ومنها ما نتج عن النفايات المشعة التي كانت تدفن بمناطق مختلفة تحت الارض. الا ان الاشعاعات المتسربة منها ادت الي كوارث اصابت قري ومجتمعات سكنية بكاملها بالعقم والسرطانات والتشوهات الخلقية. وتقول تقارير قديمه للامم المتحدة ان هناك 25 الف مركز لتجميع هذه النفايات في الولايات المتحدة يكلف تنظيفها ما بين 23 ـ 100 مليار دولار بينما يكلف تنظيف مكبات المانيا 10 مليارات دولار والدنمارك 1 مليار دولار. لذا عمدت الولايات المتحدة الي نقل هذه النفايات الي دول العالم الثالث لتدفنها هناك. وتدفن الولايات المتحدة نفايتها في كل من المكسيك وزمبابوي وغينيا ونيجيريا والهند والفلبين وكوريا، حسب تقارير التنميه والتعاون.

في السويد

اما في اوروبا فلم يكن الحال افضل فقد حدثت كوارث كثيرة ادت الي قيام حملات شعبية واسعة ضد هذه المفاعلات. ومن ابرز هذه الحملات حملة السويد حيث وصل الضغط الشعبي علي الحكومة الي درجة ارغامها علي اجراء استفتاء شعبي علي مدي قبول او رفض هذه المفاعلات، وكانت نتيجة هذا الاستفتاء ان الشعب قرر انه لا يريد مفاعلات نووية. وبناء علي ذلك اعلنت حكومة السويد انها ستفكك كل المفاعلات النووية لديها بعد انتهاء العمر الافتراضي لكل منها، هذا بالاضافة الي قرار بالتوقف عن انشاء اي مفاعل نووي جديد.

في المانيا

اما في المانيا وبعد موجة احتجاجات شعبية واسعة وصلت الي حد نوم المتظاهرين علي السكك الحديدية لمنع القطارات المحملة بالمواد النووية من المرور اتخذت الحكومة القرار بتفكيك المفاعلات النووية بعد انتهاء عمرها الافتراضي. وكانت المانيا قد باشرت عام (2003)، وحسب ما صرح به الناطق باسم الحكومة الالمانية آنذاك، ان المفاعل الذي بدأ العمل عام (1972) يجب تفكيكه عام (2003) علماً ان الاتفاقيات تحدد عمر المفاعل النووي في المانيا بـ (32) عاماً. ويضاف الي ذلك ان الحكومة الالمانية عقدت في حزيران (يونيو) 2002 اتفاقية مع اهم شركة لانتاج الطاقة لاغلاق (19) مفاعلا بهدف البحث عن مصادر بديلة للطاقة النووية. كما ان احدث مفاعل بني في المانيا سيتم اغلاقه عام 2021.

مفاعل تشرنوبل

يضاف الي ما سبق اننا لم نتحدث عن الكوارث التي الحقها مفاعل تشيرنوبل في الاتحاد السوفييتي السابق والدول المجاورة. والتي استغلتها الولايات المتحدة الامريكية الي ابعد الحدود وحذرت جميع الدول المجاورة من الاشعاعات التي حطت علي الناس والمزروعات وعلي الاغنام والابقار والدجاج ودخلت في السلسلة الغذائية للمنطقة بكاملها. بينما تصمت الولايات المتحدة الآن عن مفاعل ديمونا الذي انتهي عمره الافتراضي وان تسرباته اصبحت مؤكدة. كما وتعلم الولايات المتحدة ان اشعاعات تشيرنوبل وصلت الي الاردن في اليوم السابع من انفجاره. ومن حقنا ان نسال فيما اذا كانت الحملة الاعلامية التي قامت الولايات المتحدة بها ضد تشيرنوبل وتداعياته حملة حقيقية ام مبالغ فيها.

تفكيك المفاعلات النووية

ان تفكيك المفاعل النووي ليس بالعملية السهلة وهذا يعني تفكيك (100.000) مائه الف طن من الفولاذ والكتل الاسمنتية يستغرق تفكيكها من (10 ـ 12) عاماً بعد اغلاق المفاعل. وفي المانيا يتم ابطال مفعول (3000) طن من المواد ذات الاشعاع الضعيف داخل المانيا. اما المواد ذات الاشعاع القوي والتي تعجز المانيا بقوتها وعظمتها عن معالجتها بالرغم من امتلاكها 19 مفاعلا فيتم ارسالها الي فرنسا للمعالجة.
وبقياس ما سبق من المعلومات علي المشروع النووي العربي او الاردني نستطيع القول انه حسب التصريحات الاردنية الرسمية ان بناءَ المفاعل النووي الاردني يحتاج الي عشر سنين واذا ما تم ذلك لا سمح الله فسيبدأ تشغيله لبضع سنوات وستبدا المشاكل والتسريبات التي عجزت امريكا واوروبا والاتحاد السوفييتي عن السيطرة عليها تتكرر في الاردن او الدول العربية الاخري بشكل مستمر كما تتكرر حالياً هذه الحوادث في مفاعل ديمونا في اسرائيل، وتقدم البرامج التلفزيونية الاسرائيلية المعلومات عن خطورتها وتطالب بوقفها كما وبدات المحاكم الاسرائيلية باقرارها. عند ذلك سيبدا التفكير بالاردن والدول العربية بتفكيك هذه المفاعلات وستحتاج الي (10 ـ 12) عاما لتفكيكها اي اننا سنترك الشعب تحت رحمه مخاطر لا حدود لها لفترة (30) عاماً من تاريخ بدء التشغيل الي التفكيك، وعلي ذلك يمكننا ان نقول للقائمين علي هذا المشروع المثل الاردني الشعبي الشهير تحجوا والناس راجعة .

مخاطر اخرى

من المخاطر التي تفوق الوصف مخاطر النفايات النووية التي يفرزها اي مفاعل نووي. ولا بد من الاشارة الي ان هذه النفايات المشعة تشكل الآن تجارة عالمية للبطون الجشعة والجرباء التي تتاجر بها وتنقلها من بلد الي آخر لتدفن في اراضي الغير لقاء دولارات تدفع الي المتنفذين في دول العالم الثالث (دول المدفن) حتي لو كان ذلك علي حساب صحة وسلامة شعوبهم.
وليس بخاف علي احد بالاردن والاقليم ان اسرائيل تتخلص من نفاياتها المشعة بشكل عشوائي في الاراضي الفلسطينية والاردنية والسورية واللبنانية وفي سيناء وفي الجولان. كما سبق وان كشفت الصحافة والاعلام عن شحنات من هذه النفايات دخلت الاردن وقد كشف بعضها واعيد والذي لم يكشف ربما يكون اعظم، وحتي هذه الايام ما تزال المعلومات تتوارد من فلسطين المحتلة ومن منطقة الخليل والضيرية عن كميات كبيرة من هذه النفايات لا تزال تدفن هناك.

ماذا في الاردن؟

السؤال الذي يطرح نفسه في الاردن هل الاجهزة الادارية مؤهلة لادارة مثل هذا المفاعل. وللاجابه علي هذا السؤال لا بد من القول انه من الثابت والقطعي وباعتراف معظم رؤساء الحكومات الاردنية ان الاجهزة الحكومية في الاردن اجهزة مترهلة الي حد كبير وهذا موضوع محسوم لا يختلف فيه اثنان حيث ان هذه الاجهزة ما تزال حتي هذا اليوم عاجزة عن ادارة محلات الشاورما والتي سممت الاف الناس حتي اضطرت الحكومة الي اغلاقها جميعا مرة واحدة. والتسمم الغذائي شاهد ثان علي العجز عن ادارة القطاع الصحي. ويعتبر تلوث الماء ودخول الآلاف من المواطنين الي المستشفيات متسممين بمياه الشرب شاهد ثالث. والشاهد الرابع هو (11) الف قتيل علي شوارعنا في قطاع المرور وهذا العدد من القتلي هو اضعاف ما خسرنا في جميع حروبنا مع اسرائيل. والشاهد الخامس هو عجز الحكومات حتي هذا اليوم عن معالجة هذه القطاعات الاساس في الدولة وكثير من القطاعات الاخري بالرغم من مراقبتها لما يدور في هذه القطاعات دون ان تستطيع وقف التدهور. وبناء علي هذا هل يتوقع لهذه الحكومات ان تدير مفاعلا نوويا وتضمن سلامته وسلامة المنطقة والناس؟
ان تركيبة الجهاز الاداري في الاردن والطريقة التي يتم اختيار هذا الجهاز بها طريقة تؤكد لنا انهم لم يستطيعوا السيطرة لا علي اساسيات وحاجات الانسان الاولية كالماء والغذاء والدواء والصحة والمرور والزراعة وما بها من المبيدات والهرمونات.
فكيف يمكننا ان نتوقع من هذا الجهاز ان يدير مفاعلاً نووياً وينجح في ادارته بعد ان ثبت فشل الدول العظمي التي اشرنا اليها ومنها السويد والمانيا والاتحاد السوفييتي في ادارة مثل هذه المشاريع؟ يقولون اننا سنشكل وزارة لهذا الغرض، وحتي لو تشكلت وزارة لاغراض الطاقة النووية فليس لدينا وزارة للمياه واخري للصحة والغذاء وثالثة للبيئة. فأين هي نجاحاتها...؟ فلماذا يجب ان تضاف الي كوارثنا كارثة نووية جديدة؟

هل هو مفاعل للاردن ام الاقليم..؟

علينا ان نتنبأ ان الاصرار علي اقامة مثل هذا المفاعل لا بد وان يكون نتيجة ضغوطات دولية علي الاردن وان يكون جزءاً من مشروعاً اقليمي ضمن دمج اسرائيل في المنطقة تشترك فيه معنا دول ذات خبرة في هذا المجال وتستفيد من الاردن لاهدافها بعيدة المدي ودفن نفاياتها هناك.

هل تحتاج دول الخليج العربي لمفاعل نووي؟

لا تحتاج دول الخليج العربي لمفاعل نووي للاغراض السلمية لاسباب كثيره منها:
1 ـ دول الخليج ليست ملزمة لشراء النفط او مشتقاته لتوليد الطاقة او تحلية المياه. فالنفط متوفر لديها مجاناً وسيكون انتاج الطاقة من المفاعلات اغلي ثمناً وأشد خطرا.
2 ـ محطات التحلية المتوفرة في دول الخليج مزدوجة الانتاج، فهي تحلي المياه وتولد الطاقة في وقت واحد ولهما وزارة واحدة هي وزاره الماء والكهرباء.
3 ـ اسعار الطاقة الكهربائية في هذه الدول هي ارخص اسعار في العالم ولا تتعدي فلسات، حتي ان كثيرا من المستهلكين لا يقومون بتسديدها.

هل هناك بدائل لحل مشكلة الطاقة؟

الدول الاسكندينافية كالسويد والدنمرك والنروج وكذلك المانيا التي قررت التخلص من مفاعلاتها النووية بدات بالتحول المكثف الي الطاقة الجديدة والمتجددة ومنها طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ومن الواضح ان طاقة الرياح والطاقة الشمسية تولدان كميات كبيرة من الطاقة ولكن المشكلة تكمن في عملية تخزينها، والتي لم تحل بطريقه اقتصاديه حتي الان. ولذلك وضعوا حلاً رائعاً لهذا الموضوع وهو اصدار قانون خاص بدأ تنفيذه في اوروبا. وينص هذا القانون علي انه من حق اي فرد او مجموعة او شركة ان يولد الطاقة من مراوح هوائية او خلايا شمسية وبضخ هذه الطاقة المولدة الي الشبكة الكهربائية العامة بموجب عدادات تحصي الطاقة المولدة. وبعد ذلك يتم اجراء تقاص بين انتاج مولد هذه الطاقة وكميه استهلاكه من الشبكة العامة. ونتيجة لهذه التجربة استطاعت اعداد كبيرة من المواطنين ان تسترد تكاليف مراوحها الهوائية او خلاياها الشمسية خلال بضع سنوات وبعدها اصبح استهلاكها ليس مجانياً فقط ولكنها تجني ارباحا من بيع الفائض الي الشبكة العامة.

تطبيق البرنامج في الاردن والعالم العربي

من السهل تطبيق هذا البرنامج في الاردن وجميع الدول العربية حيث ان عدد الايام المشمسة لدينا يفوق عدد الايام المشمسة في اوروبا بكثير. يضاف الي ذلك ان عالمنا العربي يكاد يكون من محيطه الي خليجه صحراء مشمسة. كما ان كميات الرياح متوفرة في كثير من المناطق. ويبقي علي الاردن وبقية الدول العربية ان تصدر هذا القانون ليبدا الناس بانتاج الطاقة الكهربائية من الشمس والرياح وبيعها الي الشبكة العامة. وهذه فرصة للاستثمار علي حكوماتنا الا تضيعها في فترة الفائض النقدي الحالية والتي يبحث فيهل المستثمرون عن اي فرصة استثمار ممكنة.

النتيجة

لما كانت الولايات المتحدة واسرائيل قد وقفتا ضد المشاريع النووية العراقية والليبية والايرانية، واجهضتا علي المشروعين العراقي والليبي وما زالتا تحاولان الاجهاض علي المشروع الايراني، ولكنهما (اي الولايات المتحدة واسرائيل) تصمتان وترحبان بمشاريع الاردن والسعودية والامارات، فعلينا ان نستنتج ان هذه المشاريع لن تكون للاغراض السلمية وانما ستكون قواعد نووية تخدم مشروع دمج اسرائيل في المنطقة والمصالح الامريكيه.