مازن حماد

أهم ما كشفته جولة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الشرق أوسطية أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتعمدان عرقلة التوصل إلى سلام، فالذي يريد سلاما حقيقيا لا يتصرف كما تتصرف إدارة بوش وحكومة أولمرت، والذي يريد سلاما حقيقيا يدرك أن موقف كارتر الداعي إلى التحدث لجميع المعنيين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام.

-- وعندما يتجاهل الأميركيون والإسرائيليون جزءا كبيرا من الشعب الفلسطيني يصبح من المستحيل تحقيق سلام. ولأن جزءا كبيرا من الشعب الفلسطيني ملتف حول حركة حماس فلن يكون هناك سلام تستثنى حماس من المشاركة فيه.

-- وعندما تقفل الولايات المتحدة وإسرائيل الباب في وجه حماس وتعتبرانها إرهابية فهذا يؤكد أنهما غير مهتمتين بتحقيق سلام في الوقت الراهن. فأنت إذا أردت سلاما فعليا، فعليك أن تفاوض أعداءك لا أصدقاءك.

-- مواقف جيمي كارتر الشجاعة دفعت البيت الأبيض إلى انتقاده، والدولة العبرية إلى استقباله بفتور لنيته الالتقاء بقائد حماس خالد مشعل في دمشق، ولدعوته إلى فتح حوار مع سوريا لأن الرئيس بشار الأسد، كما قال، سيتعلق بإيران إذا استمرت واشنطن في اعتباره عدوا.

-- أفكار كارتر ليست بسيطة وصريحة فحسب، لكنها الوحيدة المتاحة أمام من يبحث عن سلام فعلي، وليس أمام من يبحث عن وسائل للتهرب من استحقاقات السلام كما تفعل أميركا وإسرائيل الآن وكما فعلتا طوال العقود الماضية.

-- وحين يصر الرئيس الأميركي الأسبق على التباحث مع خالد مشعل، فإنه يفعل ذلك لأن حماس جاهزة للمشاركة في العملية السياسية، ولأنها أوضحت مرات عديدة أنها مستعدة لترك أبومازن يتفاوض مع الإسرائيليين ما دام سيعرض أي اتفاق يتوصل إليه على استفتاء للشعب الفلسطيني، ولأنها لا تخفي رغبتها في التوصل إلى اتفاق متبادل لوقف إطلاق النار مع إسرائيل.

-- الأميركيون والإسرائيليون هم الذين يضعون العصي في الدواليب، وهم الذين يضعون الشروط التعجيزية المسبقة كشروط اللجنة الرباعية التي تطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة وقبول الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة العبرية.

-- تتأسس مدرسة جيمي كارتر على قاعدة الندية وإعطاء الفرصة لجميع الفرقاء لطرح آرائهم للبحث والنقاش، وعلى قاعدة أنه ليس من حق القوي أن يفرض على الضعيف نظام حكمه قبل أن يوافق على الالتقاء به، فأنت لا تختار قادة خصومك ولا تختار آراءهم السياسية.

-- ويعلم جيمي كارتر أيضا أن المفاوضات الجارية الآن بين السلطة الفلسطينية برئاسة أبومازن والحكومة الإسرائيلية برئاسة إيهود أولمرت ليست أكثر من ملهاة سياسية، والسبب الرئيسي في ذلك أن المفاوضات لن تنجح دون تدخل أميركي فعلي، فالرئيس كارتر كتب بخط يده كل كلمة وكل حرف في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل التي تمت برعايته عام 1979.

-- لهذه الأسباب لم يكن مستغربا أن يمتنع صناع القرار الإسرائيليون عن الاجتماع بكارتر والاكتفاء بلقاء بروتوكولي عقده معه الرئيس شمعون بيريز، فمواقفه تشكل محاضرة سياسية لن تتجاوب معها دولة إسرائيل. أوليس هو الذي قارنها بجنوب إفريقيا العنصرية في كتابه الشهير عام laquo;2006raquo;: فلسطين: سلام لا عنصرية؟ ما يضايق إسرائيل أكثر من أي شيء آخر أن رئيسا أميركيا سابقا أدان سياساتها علنا واعتبرها معادية للسلام، وهي بالفعل كذلك.