عبدالله العوضي

نحتاج فعلاً في هذه المرحلة من تدفق الأزمات على منطقة الشرق الأوسط الصغير منها والكبير، إعادة لقراءة الخريطة الإيرانية والدور quot;العظيمquot; والمرتقب منها في خلخلة المعادلة الجيوسياسية للمنطقة العربية برمتها.

فعلى مستوى الملف الخاص بجزر الإمارات المحتلة من قبل إيران منذ عقود، وهي صاحبة أعلى النبرات لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين والجولان وقبل ذلك في جنوب لبنان، فهو خطاب المحتل لمحتل مثله، فلا عجب هنا ولا رجب.

احتفظت الإمارات طوال سنوات الاحتلال الإيراني للجزر بلغة من الدبلوماسية الفريدة، وتجنبت لغة القوة في اللفظ أو التعبير للدفاع عن حقها، ومع ذلك الداخل الإيراني وصل إلى مبنى سفارة الدولة في طهران وأجَّج من جديد نار التصعيد في هذه القضية التي قبلت الدولة حسمها دولياً عبر القنوات القانونية المعروفة لدى محكمة العدل الدولية، ولكن الواقع الإيراني ظل صادماً لكل دعوات الحلول السلمية والحوار الهادئ عبر التعقل الهادف لإنهاء هذه الأزمة بالسلام.

يبدو أن إيران تتكئ على خريطة أوسع من الجزر الإماراتية، فتحركاتها المكشوفة في العراق وفتاواها النافذة لدى quot;حزب اللهquot; في لبنان والتمسك بالخيط الطائفي في سوريا وامتداداتها الأخرى عبر وسطاء آخرين، كل ذلك ينمُّ عن وجود مخطط طالما حذر منه بعض القادة العرب عن مشروع الهلال الشيعي أو السعي إلى quot;العظمةquot; الشاهنشاهية التي حاربتها quot;الثورةquot;، إلا أن quot;الملاليquot; بدأوا يحنون إليها عبر quot;النوويquot; القطار الذي انطلق ولن يتوقف كما زعم quot;نجادquot;.

وهذا التصعيد يتزامن في الوقت الذي يقدم العالم متمثلاً في أوروبا وأميركا، حزمة من الحوافز لإثناء إيران عن استمرارها في اللحاق بالدول quot;العظمىquot; عن طريق العامل النووي الأوحد، وخاصة عندما حث مرشد الثورة الحكومة بعدم الرضوخ للضغوط الغربية مع دعوة الشعب في نفس الخطاب للسعي الدؤوب للتوفير في استخدامات المياه والمعنى هنا في بطن quot;الماءquot;.

ووجه الغرابة هنا أن إيران جلست مراراً مع quot;الشيطان الأكبرquot; من أجل المساعدة في حل المعضلة العراقية وستجلس قريباً على طاولة المفاوضات مع أميركا، إلا أن الخطاب السياسي يحلق بعيداً عن أجواء الاستقرار والأمن وكأن الأمور المختلطة هذه توحي بتفاهمات تدبر من تحت الحزام لتقوية الشوكة الإيرانية على حساب المصالح العربية التي عجزت أنظمتها عن بناء السياج الواقي ضد الوقوع في فخ هذه الخريطة الإيرانية التي تتجدد تضاريسها على حسابنا.

إننا نقر في السياسة بمبدأ تبادل المصالح كما يزعم البعض حتى مع quot;الشيطانquot; نفسه، ولكن ما نلمسه من وقائع لا تدل على أننا حريصون على تلك المصالح بعيداً عن رزمة التنازلات التي ستقدم في النهاية لإسرائيل quot;العدو الأكبرquot; في سبيل الجلوس على طاولة موسعة لحل قضية فلسطين والجولان والعراق دون أن يثير ذلك حفيظة إيران، إلا أننا نرى أن quot;الحنقquot; مركز على استمرار احتلال جزرنا والإصرار من قبل الطيف الإيراني المتشدد لـquot;تفريسquot; الخليج العربي أو افتراسه لو كان الأمر كله بيده. ونقول هيهات، فعندما كان عرب الجزيرة قبائل متقاتلة في عهد الإمبراطورية الفارسية والرومانية فلم تستطع quot;الفارسيةquot; ابتلاعهم، أما اليوم بعد اندحار عصر الإمبراطوريات بفضل quot;العولمةquot; يفترض من إيران quot;الدولةquot; أن تكون أكثر عقلنة من إيران quot;الثورةquot; وتعود إلى خريطتها الداخلية قبل القفز عليها نحو الآخرين.

فمكونات الخريطة الجديدة لإيران بدأت تتداخل مع قضايا شديدة الحساسية، من أهمها quot;أمن الدول وسيادتهاquot;، فإيران ذاتها أحاطت نفسها بطوق من quot;الحرس النوويquot; من أجل بتر اليد التي تطال هذا السياج، فكيف أعطت لنفسها حق الحصول على ضمانات عدم تعرض يدها للقطع عندما تمتد لمنع سيادة دول بعينها على الأمن والاستقرار الداخلي والدفاع عن كيانها الذاتي؟!