أحمد أميري

مرّ ديناصور أمام مقدم أخبار فضائية quot;المنارquot; التابعة لـquot;حزب اللهquot; لكن لم يثر دهشته، فقد تلا بهدوء تصريح الرئيس الإيراني الذي أكد فيه أن quot;إيران هي البلد الوحيد الذي لا يتدخل في الشأن الداخلي اللبنانيquot; وذلك رداً على اتهام وزير الخارجية السعودي إيران بأحداث لبنان الأخيرة.
قد لا يثير هذا التصريح دهشة رجل في الإسكيمو، لكن أبناء المنطقة يرون ديناصوراً يمشي في الشارع العام حين يسمعون نجاد يؤكد عدم تدخل بلاده في لبنان، بل والبلد الوحيد الذي لا يتدخل، ويتحدث الأمين العام لـquot;حزب اللهquot;، أكثر من ساعة في مؤتمره الصحفي الذي أعطى ساعة الصفر للانقلاب، ولا يأتي على ذكر إيران إلا عرَضاً، ويعتبر وصم حزبه بأنه إيراني هو نتيجة حملة تشهير إعلامية ممولة بالدولارات، بينما السنيورة موظف عند جنبلاط الذي هو موظف عند رايس!
لا يستطيع نجاد، مهما ابتسم أمام الكاميرات، نفي تدخل إيران في لبنان وهي الأخطبوط التي تمد أذرعها في العراق واليمن وفلسطين وفي دول أفريقية وحتى خليجية. وليس في وسع نصرالله، مهما أوتي من بلاغة الهمز واللمز والحجج خلف الميكرفون، إنكار ارتهان الحزب لقرار المرشد الأعلى الإيراني، ونفي إيرانية حزبه الذي تأسس أصلاً على يد محتشمي، السفير الإيراني الأسبق في دمشق، ولم يزل يعتمد على دولارات ونفوذ طهران في تجهيزه ودعمه سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، وفي إنشاء مؤسساته الدينية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والخيرية. العلاقة بين الطرفين هي علاقة أب بابنه البار والمطيع، والأب، أول ما يفعله إذا خرج ابنه عن طاعته، هو قطع المصروف عنه، وليس هناك ما يوحي أن نصرالله خرج من جلباب أبيه، بل على العكس، كافأ الأب ابنه، حين خاض حرباً بالوكالة عنه ضد إسرائيل في صيف 2006، بأن أعطى كل بيت تهدم أو تضرر -نحو 15 ألف بيت- مبلغ 12 ألف دولار من المال quot;الحلالquot; الذي كان يطير متجهاً إلى لبنان من فوق رؤوس الإيرانيين وهم ينظرون إليه بحسرة وquot;يلعنونهquot;، خصوصاً أهالي المدن المتاخمة للحدود العراقية والتي تضررت في ثمانينيات القرن الماضي إبان الحرب، ولم تعمّر، حتى الآن، بيوتهم.. لكن أعطُوا الكثير من الخيام.
وفوق مسألة الأبوة والدولارات، فإن نصرالله يرى القشة في عين خصومه quot;الموظفينquot; عند فلان وعلان وquot;الملتزمين بالنصquot;، ولا يرى الخشبة التي في عينه، فأن تكون موظفاً عند أحدهم، يعني أن عليك التزامات تجاهه ولك حقوق عنده، في وقت محدد. لكن حين يكون صاحب القرار الأعلى في إيران مرجعاً دينياً لك وأنت الوكيل الشرعي عنه في لبنان، فهذا يعني شيئاً واحداً فقط: السمع والطاعة، في الليل والنهار.. وبالنص، وبالروح والدم.
لا أحد ينكر تحالف الفرقاء اللبنانيين مع قوى إقليمية ودولية، ولكن الأمر بين إيران وquot;حزب اللهquot;، يصل إلى مستوى الأبوة والبنوة، والسمع والطاعة. ومن يسمع إنكار الطرفين هذه العلاقة ولا تتوقف حواجبه دهشة، هو كمن يرى الديناصور في الشارع العام ولا يثير فيه شيئاً.