علي سعد الموسى

قد يقبل الإنسان العربي، ولو مرغماً، في هذه الظروف هيمنة أمريكية أو وصاية غير مباشرة من دول القرار الكوني الكبرى وهو على الأقل قد يبررها حسب ميزان - جونثاو - لموازين القوة فهذا في التاريخ الإنساني وضع القوي في قدر الضعيف. لكن الذي لا يمكن قبوله ولا تبريره ليس إلا درجة الذل والهوان لأن يتحول عالمنا العربي وشعوبنا إلى القبول بالوصاية الإيرانية وهي تفرض واقعها اليوم شهادة على أجزاء وبقع وكانتونات من خريطة عالمنا العربي.
إيران اليوم تحتفل بعد ثلاثة عقود من التجارب على نجاح مشروعها العملاق لتصدير الثورة، وإيران اليوم باتت لاعباً أساسياً جوهرياً في السياسة العربية ولست مبالغاً إن قلت إننا اليوم نعيش بشائر الاستعمار الفارسي في نسخة مطورة من مفهوم الاستعمار، ذاك الذي لم يعد جيوشاً تدك المكان أو أعلاماً ترتفع على المباني العامة. الاستعمار والوصاية في العصر الحديث ينبعان من الذيول والتبعية والذين يتكلمون الفارسية اليوم بالمجاز في أروقة السياسة العربية وفي دهاليز جامعة العرب ومؤسساتهم المختلفة إنما هم بشائر المشروع الإيراني لتصدير الثورة. اختارت إيران ضرباتها في جسد الخريطة العربية دون أن تضغط على زناد فكل ما تفعله لمشروعها يتم عبر الأيادي العربية. أشعلت في اليمن فتنة هائلة لتفتيت الوحدة اليمنية، وقد اختارت المكان في خاصرة المشرق العربي. اختطفت عبر حماس وعبر رشوة الفتات من التمويل أن تجعل القرار العربي حول فلسطين فارسي النزعة فلا يكاد الفرقاء هناك يجتمعون في مكة والقاهرة والدوحة وصنعاء حتى يتنصل خالد مشعل من حبر التواقيع الذي لم يجف على إبهامه فهو وإن كان بلا عمامة بيضاء أو سوداء إلا أنه اللسان الفارسي الجديد في ملف القضية الفلسطينية. يحترق العراق اليوم بإرادة أمريكية أعطيت لإيران على طبق من ذهب ومن ما زال في شك أن مليون كيلومتر مربع من أرض العرب بسواد نهرين قد ضمت لإيران فليسأل عن ولاء 13 منظمة إيرانية تعمل في العراق وكلها حزب الله ولكن بمسميات مختلفة. ودعك من نوافل القول عن لغة سوريا بلسان عربي ولكن بقاموس فارسي ثم اتجه غرباً نحو دولة حزب الله، فالمسألة برمتها هوان عربي صار يقبل بمثل هذه الوصاية ليبرز السؤال: كم يستطيع عناد المصري وكبرياء السعودي أن يصمدا إذا كان الجوار لساناً عربياً بحنجرة فارسية؟