محمد خلفان الصوافي

لم يعد هناك شك في أن ما حصل في لبنان من مواجهات بالسلاح خلال الأيام الماضية ومن خلال ما يحدث في quot;حوار الدوحةquot;، هو حرب بالوكالة تمت بأيدٍ لبنانية ولمصلحة قوى خارجية، أبرزها الولايات المتحدة وبعض الدول العربية من جهة، وإيران وسوريا من جهة ثانية. وفي هذه الحرب، كما هو واضح، يسعى كل طرف بكل ما لديه من قوة إلى إحراج الطرف الآخر والعمل على إغراقه في مشاكل المنطقة. والواضح حتى الآن، أن إيران هي الأكثر قدرة على تفجير ملف من الملفات الشائكة في المنطقة بين فترة وأخرى، بما يعمق جراح إدارة الرئيس بوش التي تسعى إلى أي إنجاز لتجميل صورتها في الأشهر الستة المتبقية لها، وأيضاً من أجل دعم موقف quot;الحزب الجمهوريquot; في انتخابات الرئاسة في نوفمبر القادم.

ما تخشاه إيران من ارتياح الولايات المتحدة وإدارة بوش تحديداً، أن ذلك الارتياح معناه التفكير جدياً ضد النظام الإيراني الحالي لهذا نجد أن إيران تعمل على إغراق إدارة بوش في مأزق إقليمي في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالمشاكل والقضايا المفتوحة التي تعرف كيف تديرها؛ فبعد النجاحات الأميركية في القضاء على الإرهابيين وعلى تنظيم quot;القاعدةquot; تحديدا في أفغانستان والعراق بشكل أخص، ظهرت مشكلة quot;جيش المهديquot; بقيادة مقتدى الصدر في العراق، وبعد أن أحست إيران بأن الجيش الأميركي والعراقي بدآ يحققان نجاحات من خلال العمليات العسكرية والانتقال إلى الهدوء، وهو ما تخشاه القيادة الإيرانية، ظهرت فجأة وفي غضون ساعات قليلة المشكلة اللبنانية التي استخدمت فيها الأسلحة، ولولا سرعة تصرف بعض العرب وبعض أطراف الصراع أنفسهم لانزلق لبنان إلى حرب أهلية ثانية.

أما ما أخشاه أنا وكثيرون غيري، فهو أن يؤدي الهدوء في الملف اللبناني إلى تفجير إيران لملف آخر في مكان آخر من المنطقة، وفق سياستها الهادفة إلى إغراق الإدارة الأميركية المتورطة والتي بدأت تعاني صداعاً مزمناً في هذه المنطقة بسبب الأوراق التي يتلاعب بها النظام الإيراني مستعرضاً قدرته غير الطبيعية على تفجير قضايا المنطقة.

الكلام عن تفجير نقاط توتر إقليمية أخرى، ربما يعتبره البعض مبالغة في الخوف والقلق أو تضخيماً وتهويلاً للنفوذ الإيراني، وأنه انتقاص من قدرة الرئيس بوش في فترته الثانية على توجيه ضربة عسكرية ضد إيران... ولكن تطورات الأحداث الماضية أثبتت أن الأمر لا ينطوي على أي نوع من المبالغة، ويشهد على ذلك العراق ولبنان، خصوصاً أن بيروت تشهد على مئات الوعود بأن اللجوء إلى السلاح كان خطاً أحمر، لكن الأيام أثبتت أن الحديث عن هذا الخط ينطوي على قدر هائل من السيولة وعدم الثبات التي تجعل منه حديثاً أجوف.

يرشح المراقبون بعض المناطق كي تكون مسرحاً لتفجير إيراني قادم ويعتقدون أن هناك عدة مناطق منها اليمن، حيث صراع الحكومة مع الحوثيين المدعومين من إيران، وهناك غزة وحركة quot;حماسquot;، ولا يمكن استبعاد منطقة الخليج العربي من هذا التفجير، فهي ساحة صراع أميركي- إيراني.

الأهم أن ما يجب أن يلقى اهتماما من قبل العرب هو أن الدول العربية هي مناطق التفجير والملعب ومسارح الصراع بين القوى المتخاصمة، فيجب الانتباه والحذر والمتابعة حتى لا تتحول أرضنا إلى مجرد ساحة يتحارب الآخرون فيها. وما يدعو إلى الخوف هو أن يكون بعض مواطني الدول العربية هم الأدوات عن طريق استغلالهم لتحقيق مصالح الآخرين، سواء لقصور في الرؤية أو انسياق وراء مصالح دول أخرى بعيداً عن مصالح أوطانهم نفسها، وتحويل الأمر وكأنه حرب أهلية داخلية يقدمون العون والمساعدة فيها للغير دون أن يدروا!