عدنان حسين

إذن فقد فشلت قناة laquo;الحرةraquo;.ولماذا لا تفشل؟ ألم تولد مريضة بداء الفشل؟ وداء الفشل في الإعلام يتأتى دائما من التمويل الحكومي. الأصل في الإعلام أن يكون موضوعيا، ولكي يكون كذلك، لا بدّ أن يكون حرا، ولأجل حريته لا مناص من أن يكون مستقلا، ولا استقلال مع التمويل الحكومي، مباشر كان أم مستتر.

لأنها كانت مشروعا حكوميا بامتياز، ولدت laquo;الحرةraquo; مبتلاة بكل العلل البيروقراطية المعروفة، وأولها المحسوبية والمنسوبية في التعيينات. ممثلو الممول (الحكومة الأميركية) اختاروا لـ laquo;الحرةraquo; منذ البداية إدارة، لا على الأسس المهنية المتعلقة، خصوصا بالكفاءة والخبرة في الميدان، بل على أساس آخر، لحمته وسداه أن الإدارة ستنفذ ما يريده الممول، وما يريده الموول دعاية وليس إعلاما.

الإدارة غير الكفوءة بدورها اتبعت سياسة توظيف للكادر، مشتقة من سياسة توظيفها هي، فوجدنا أنصاف الكفاءات وأرباع الخبرات تدير الأقسام وتقدم البرامج ( كثير من هؤلاء لم يكن يعرف، ولا يعرف حتى الآن، اللغة الإنجليزية.وكثير منهم أيضا، كانت كل خبرته العمل في صحافة ومحطات إذاعة حزبية..أي أجهزة دعاية وليست إعلاما).

لأضرب مثالا بقناة laquo;الحرة عراقraquo;، التي كنت أتابع الى حد ما برامجها. إدارة laquo;الحرةraquo; الشيعية عينت خلية شيعية عراقية على رأس القناة الفرعية. وأنت تتابع نشرات الأخبار، أو برامج الحوارات، يخيل إليك أنك تتفرج على قناة laquo;العالمraquo; الإيرانية أو قنوات الأحزاب الشيعية العراقية. ولو تُجرى الآن إحصائية للذين استضافتهم laquo;الحرة عراقraquo; من المعلقين والمسؤولين العراقيين، لتبيّن أن ثلاثة أرباعهم من الشيعة ، وتحديدا شيعة الأحزاب، وبخاصة حزب الدعوة والمجلس الأعلى.

باختصار كانت إدارة القناة ترى نفسها تقوم بمهمة حزبية لمصلحة الحركات التي جاءت منها، وهي في الغالب على علاقات وثيقة بيران. في العموم كانت laquo;الحرة عراقraquo; تبدو مشروعا إيرانيا محتالا أكثر منها مشروع أميركي.

فشل laquo;الحرةraquo; لا يعني نجاحا للقنوات الأخرى، وأريد للقناة الأميركية أن تكون في مستواها تأثيرا على الرأي العام العربي. فالقناتان الأبرز laquo;الجزبرةraquo; وraquo;العربيةraquo; ليستا ناجحتين تماما، لأنهما تفتقدان أول شروط العمل الإعلامي الناجح، وهو الاستقلالية. فـlaquo;الجزيرةraquo; متحيزة ليس لدولة قطر فقط، وإنما أيضا لحركة سياسية معينة هي laquo;الإخوان المسلمينraquo;، ومتضامنة مع سواها من الحركات السلفية. laquo;والعربيةraquo; بدورها، وإن بدت أكثر موضوعية من laquo;الجزيرةraquo;، لا تستطيع تجاوز هويتها السعودية.

laquo;الحرةraquo; فشلت، لكنها لم تكن فاشلة تماما، فقد قدمت لنا مجموعة من البرامج التي لم تجرؤ، ولن تجرؤ، أية قناة عربية على مثلها، وهي تحديدا: laquo;مساواةraquo;، laquo;وهنّraquo;، laquo;وعين على الديمقراطيةraquo;، و laquo;حديث الخليجraquo;، و laquo;حكايات مصريةraquo; و laquo;حكايات مغربيةraquo;. وأظن أن عشرات الآلاف من المشاهدين العرب سيظلون يتطلعون إلى النصف الملآن من كأس laquo;الحرةraquo;.