خرج من مكتبه لملاقاة سفير أوروبي كشف له نوايا النظام
كنعان انتحرهربا من صفقة ثمنها رأسه

تجمع إيلاف لقرائها في هذا الملف ما سبق و نشرته خلال اليومين الماضيين حول لغز وفاة اللواء غازي كنعان إنتحارًا، ظهر امس في مكتبه في مبنى وزارة الداخلية

إيلاف، دمشق وواشنطن: كشف السكرتير الثاني في إحدى السفارات الأوروبية الغربية في دمشق عن القصة التي يمكن اعتبارها "مكمّلة" للرواية الرسمية السورية حول واقعة انتحار وزير الداخلية السوري اللواء غازي كنعان التي ذكرها النائب العام والطبيب الشرعي والعميد الصباغ رئيس مكتب كنعان في مؤتمرهم الصحافي المشترك يوم الخميس. وقال بيان صادر عن "الحقيقة"_(وهي نشرة تجريبية صادرة عن المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية)، استلمت إيلاف نسخة منه، إن كنعان انتحر فعلا، ولكن بعد أن التقى ديبلوماسيا غربيا أكد له وجود صفقة مع النظام ثمنها رأسه. وأشار البيان إلى أن سؤال مراسلة CNN للرئيس السوري بشار الأسد حول استعداده لتسليم المتهمين إلى القضاء الدولي تم وضعه من قبل الخارجية الأميركية، طارحًا سؤال "لغز" يقول إنه إذا كان كنعان ذهب إلى بيته فعلا، لماذا لم ينتحر هناك وقرر العودة إلى مكتبه لينتحر فيه؟

وفي التفاصيل - التي جاءت في بيان "الحقيقة" - قال المصدر الغربي إن اللواء كنعان "تلقى اتصالا هاتفيا من سفير أوروبي غربي في دمشق حوالي الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة من صباح أمس، أي بعد حوالي نصف ساعة من وصوله إلى مكتبه، طالبا منه الحضور بمفرده، وبالسرعة الممكنة، إلى مقر السفارة الواقع في حي أبو رمانة لأمر هام جدا. لكنه لم يوضح له طبيعته". وأضاف المصدر "إن الجنرال كنعان لبى طلب السفير وتحرك في الحال إلى سفارته. وهناك التقى السفير لأقل من عشر دقائق. وخلال اللقاء أبلغه السفير بأن رئيسه (بشار الأسد) أبرم صفقة مع الأميركيين سيكون بعض ثمنها رأسه (رأس كنعان)، وأن قرارا بوضعه، وآخرين، قيد الإقامة الجبرية وربما الاعتقال الفعلي هو في الطريق إلى التنفيذ خلال ساعات، وتحديدا بعد بث مقابلة الرئيس بشار الأسد على قناة CNN مباشرة".

أضاف البيان إن السكرتير الدبلوماسي أوضح "إن السفير الغربي طلب من كنعان مشاهدة مقابلة الرئيس الأسد مع القناة المذكورة لأنها ستتضمن سؤالا من الصحفية كريستيان أمانبور حول استعداد سورية لتسليم متهمين سوريين محتملين باغتيال رفيق الحريري إلى محكمة دولية. وإن هذا السؤال وضع من قبل الخارجية الأميركية التي كانت في الأساس وراء ترتيب مقابلة CNN مع الرئيس الأسد. وقد طلب من الصحفية أن تكرره على مسمع الرئيس مرتين، وبصيغتين مختلفتين، من أجل الحصول على إجابة إيجابية واضحة لا تقبل التأويل. وهو ما جرى الاتفاق عليه بين واشنطن والرئيس السوري خلال الإعداد للمقابلة".

وكشف المصدر لـ"الحقيقة" عن أن "كنعان فوجئ بوجود مسؤول سوري كبير من أصدقائه المقربين عند السفير. وقد كان شاهدا على الحديث الذي دار بين السفير والوزير كنعان". ولدى سؤاله عن رأيه بنفي آدام إيرلي، مساعد الناطق باسم الخارجية الأميركية، وجود صفقة مع النظام السوري أو علم الإدارة الأميركية بتفاصيل ما جرى مع الوزير كنعان وقوله "إن الحديث عن وجود صفقة هو ضرب من الجنون"، قال السكرتير الثاني الموما إليه: "حين يقول آدم إيرلي هذا الكلام يعرف في قرارة نفسه أنه كاذب ومجرد نصّاب دولي International Swindler"

وكان آدم إيرلي نفى يوم الخميس في حديث مع قناة LBC اللبنانية أن يكون كنعان أحد ضحايا صفقة مع النظام السوري. واعتبر الحديث عن ذلك "منافيا للعقل".

في السياق نفسه، أكد أحد التقنيين المدنيين العاملين في الفرع 211، وهو الفرع الفني في المخابرات العسكرية، أنه وزملاءه سجلوا حوالي العاشرة من صباح الأربعاء اتصالا هاتفيا استغرق أقل من دقيقة صادرا من إحدى السفارات الأجنبية وتلقاه الهاتف الخاص لوزير الداخلية (غازي كنعان). ومن المعلوم أن إحدى المهمات الموكلة لهذا الفرع الواقع بالقرب من كلية الشرطة في حي القابون بدمشق، هي التنصت على اتصالات جميع السفارات الأجنبية في دمشق والعمل على فك الشيفرات الخاصة بهذه الاتصالات، فضلا عن اتصالات كبار رجالات النظام من المدنيين والعسكريين. وكان يرأسه حتى وقت قريب اللواء فؤاد ناصيف خير بك الذي تسلم الفرع 251 في المخابرات العامة خلفا للواء بهجت سليمان.

وطرح البيان تساؤلا "لم يطرح حتى الآن بصدد ادعاء النظام السوري أن الوزير كنعان ذهب إلى بيته خلال فترة النصف ساعة التي قضاها خارج مكتبه قبل الانتحار. والتساؤل يقول "إذا كان كنعان قد ذهب فعلا إلى بيته، لماذا لم ينتحر فيه، ولماذا قرر العودة إلى وزارة الداخلية لينتحر في مكتبه"؟ إذا كانت الإجابة بأنه ذهب ليحضر مسدسه، فإن العميد صباغ رئيس مكتبه أكد في المؤتمر الصحافي المشار إليه أن كنعان يحمل مسدسه الخاص بشكل مستمر. وإذا كانت الإجابة بأنه ذهب ليودع أسرته، فهذا غير منطقي في هذه الحالات. وإذا كان ذهب ليتلف وثائق أو ما شابه ذلك، فإن هذا يكذب الادعاءات السخيفة التي ساقتها الكاتبة الروائية كوليت خوري، والتي تنشرها "الحياة" صباح اليوم، عن أن غازي كنعان "سبق وأخبرها بحضور الوزير السابق محمد سلمان واللواء محمد ابراهيم العلي بأنه سينتحر"، لأن من يكون قرر الانتحار منذ فترة، ليس بحاجة لأن يقوم بترتيبات ذلك خلال الدقائق الأخيرة.

وفي النتيجة - يكمل البيان - ليس هناك مبرر منطقي واحد يفسر ذهابه إلى المنزل ليعود وينتحر في مكتبه. كما أن جميع الروايات التي ساقها ممثو النظام لتبرير الانتحار، وبشكل خاص الرواية المثيرة للضحك التي ساقها وزير الخارجية فاروق الشرع، والإعلامي مهدي دخل الله، والصحافي اللبناني شارل أيوب، عن أن كنعان انتقم لكرامته المهدرة بفعل تقرير محطة "نيو تي في" اللبنانية، لا تتمتع بأي قوة منطقية. لأن هذا التقرير، وبعكس ما قاله هؤلاء تماما، يشكل قرينة قوية ـ فيما لو صح مضمونه ـ على براءة كنعان من دم الحريري، وليس قرينة إدانة. وكان على كنعان أن يفرح به، رغم قسوته، لا أن يدفعه إلى الانتحار. فهو، وإن يصمه بالفساد، يبرئ ساحته من الضلوع في جريمة الاغتيال.

أضاف البيان الذي تسلمت ايلاف نسخة عنه ليلة أمس أنه ثمة ملاحظة تؤيد ما كشفه الديبلوماسي الغربي لـ"الحقيقة"، وربما كان مضمونها أهم من كل ما سبق ذكره. وهي أن أي محقق في جريمة يحترم نفسه ومهنته، مثل ديتليف ميليس، يملي عليه واجبه الطلب فورا بإجراء تحقيق مستقل في انتحار أحد شهوده الأساسيين ويمنع دفن جثته قبل الوثوق التام من أن الانتحار لا علاقة له بالجريمة التي يحقق فيها. فكيف إذا كانت هذه الجريمة من عيار جريمة اغتيال الحريري، وكيف إذا كان المحقق من عيار ديتليف ميليس؟ إن ميليس لم يقم بأي من ذلك. بل لم يصدر أي تعليق على عملية الانتحار، وظل يلزم الصمت المطبق. وهذا يعني أمرين لا ثالث لهما. فإما أنه يعرف مسبقا أن غازي كنعان بريء من شبهة الضلوع في الجريمة، وإما أنه شريك "الشيخ زنكو" في قتل القتيل ودفن جثته.

وختم البيان أنه - وعلى وجه العموم - كلام العميد الصباغ رئيس مكتب كنعان، خلال المؤتمر الصحافي، عن عودة كنعان إلى مكتبه مسرعا بعد غياب حوالي نصف ساعة، بعكس الطريقة الهادئة التي اعتاد أن يدخل بها، وبعكس الطريقة التي كان دخل بها مكتبه صباحا، يدعم ما كشفه المصدر الديبلوماسي الغربي حول اللقاء الذي تم بين كنعان وأحد السفراء الأجانب. فالدخول بطريقة مسرعة يعني توترا ما، ويعني أن هذا التوتر حصل حصرا بعد عودته من "مشواره اللغز" الذي دام أقل من نصف ساعة، لكنه يعادل دهرا بأكمله.

الدقائق الاخيرة من حياة كنعان
قال النائب العام السوري محمد اللوجي يوم الخميس ان تحقيقا تجريه الشرطة أكد أن وزير الداخلية غازي كنعان انتحر باطلاق النار في فمه من مسدسه المفضل الاميركي الصنع. وتابع اللوجي انه عثر على جثة كنعان غارقة في الدماء بعد دقائق من اطلاق كنعان النار على نفسه في مكتبه يوم الاربعاء. وقال في مؤتمر صحفي ان كنعان كان ممددا على الارض ومسدسه في يده اليمنى التي كانت فوق صدره.

وكانت لجنة تحقيق تابعة للامم المتحدة قد استجوبت كنعان في اطار التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير شباط.

وقال احد مساعدي كنعان متذكرا اللحظات الاخيرة في حياته ان وزير الداخلية كان هادئا واستكمل عمله المكتبي وبعد لحظات انطلقت رصاصة في مكتبه. وقبل اطلاق النار اتصل كنعان بمحطة اذاعية لبنانية ونفى مزاعم بانه اعترف لفريق التحقيق الدولي بتهمة الفساد.

وكان مسؤولون قد ذكروا يوم الاربعاء ان كنعان الذي ظل اكبر مسؤول سوري في لبنان طوال عقدين حتى عام 2002 قد انتحر وان السلطات تجري تحقيقا في الامر. وقال اللوجي الذي هرع الى مكتب كنعان بعد الحادث انه بعد يوم من العمل المكثف ثبت بالقطع ان الوزير انتحر. وتابع ان التحقيق كان فيما اذا كان كنعان قد انتحر او قتل وان التحريات اثبتت ان الوفاة وقعت بوضع فوهة المسدس في الفم واطلاق النار على نفسه مؤكدا ان الحادث هو انتحار بنسبة مئة في المئة.

وفي وقت لاحق قال اللوجي لرويترز انها كقضية جنائية فقد تم اقفال الملف لكن ربما ليس الحال كذلك بالنسبة لامور اخرى مشيرا الى انه لم يعثر على اوراق على مكتب كنعان يمكن ان تلقي الضوء على سبب اقدامه على الانتحار. ولم يكن مسجلا على هاتف كنعان المحمول الشخصي ما يشير الى انه اجرى أو تلقى مكالمات.

وقال كبير الاطباء الشرعيين عصام خوري الذي رأس فريق الخبراء في القضية ان فحص جثة كنعان أظهر عدم وجود علامات لجروح خلاف الجرح الذي خلفته الرصاصة في الفم. وتابع خوري قائلا للصحفيين ان الرصاصة الوحيدة التي انطلقت كانت هي الرصاصة الموجودة في الفك الاعلى وقد اخترقت اسفل الدماغ مشيرا الى انه تم اعلان وفاة كنعان في المستشفى بعد نحو 30 دقيقة من اطلاق النار.

وقال سكرتيره الخاص العميد عبد الفتاح الصباغ انه لم تظهر على كنعان اية مظاهر عصبية قبل الحادث وبدا هادئا بل انه وقع على الكثير من الاوراق على مكتبه. ل

كن بعد اقل من ساعة في صباح ذلك اليوم قاد كنعان سيارته بشكل مفاجئ بدون حراسة عائدا الى منزله في حي المالكي الفاخر. ويقول محققون ان كنعان بقي خمس دقائق في منزله لاحضار مسدسه المفضل وعاد الى المكتب حيث انتحر بعد دقائق. واتصل كنعان في صباح يوم مقتله باذاعة صوت لبنان ليدلي بآخر شهادة فيما يبدو حيث نفى تقريرا اعلاميا ذكر انه اظهر لفريق التحقيق الدولي نسخا لشيكات وقعها له الحريري ودافع عن دور سورية في لبنان.

معارض سوري : وفاة كنعان مؤشر على بداية التغيير
من جانبه، قال ناشط سوري معارض بارز يوم الخميس ان وفاة وزير الداخلية السوري غازي كنعان قد تكون إيذانا ببداية التغيير في الدائرة الداخلية القوية للرئيس بشار الأسد. وقال أكثم نعيسة رئيس لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان في سورية انه يتوقع ان يكشف تحقيق تجريه الامم المتحدة عن تورط مسؤولين سوريين كبار في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري. وأبلغ نعيسة رويترز في مقابلة في جنيف بعد حصوله على جائزة دولية في حقوق الانسان "وفاة كنعان أمر إيجابي..انها بداية التغيير في سورية. هذا هو التفسير السياسي للانتحار".
وقال نعيسة (53 عاما) الذي سجن ست مرات ان سورية التي وصل فيها الرئيس بشار الاسد للسلطة عقب وفاة والده حافظ الاسد في عام 2000 تحكمها "دائرة صغيرة.. وقوية". اضاف "كان كنعان أحد أعمدتها. والان وبعد أن أزيل هذا العنصر.. فسيتبعه آخرون.. اما من خلال تقرير ميليس أو سيضطر الرئيس لتهميشهم لانقاذ رأسه هو".

وفي إشارة الى كنعان قال نعيسة "حتى اذا لم يكن متورطا في اغتيال الحريري.. لقد كان مسؤولا عن المخابرات في لبنان وعن كثير من الامور السيئة التي دبرت في لبنان". وقال نعيسة "انا مقتنع بان آخرين سيثبت تورطهم في تقرير ميليس وينبغي أيضا أن يعاقبوا على جرائمهم في حق الشعب السوري". واضاف "ينبغي اقالتهم من مناصبهم على الفور لتأمين مستقبل الشعب السوري وتمهيد الطريق امام تغيير ديمقراطي. انه لامر ضروري أن يتم التخلص من تلك الدائرة الصغيرة التي تدير سورية بشكل تعسفي".

وحصل نعيسة يوم الاربعاء على جائزة دولية في حقوق الانسان تمنحها سنويا مؤسسة مارتن اينالز السويسرية. والجائزة التي اعلن عنها في يناير كانون الثاني الماضي سميت باسم أول امين لمنظمة (العفو الدولية) التي تتخذ من لندن مقرا لها. ومن بين الفائزين السابقين بالجائزة المنشق الصيني البارز هاري وو. وقضى نعيسة خمسة أشهر في السجن العام الماضي لنشره تقريرا عن حقوق الانسان في سورية ودعوته لانهاء 40 عاما من الحكم بقانون الطوارئ الذي خنق الحياة السياسية في البلاد. وأطلق سراحه من السجن بكفالة في اغسطس اب 2004. كما اسقطت عنه تهم تشويه صورة الدولة في يونيو حزيران.