نبيل شـرف الدين من القاهرة: وسط أنباء تواترت مؤخراً هنا عن اعتزام القاهرة الانفتاح على الساحة الداخلية اللبنانية، قالت مصادر دبلوماسية في القاهرة إن زيارة سعد الحريري رئيس كتلة "تيار المستقبل" في البرلمان اللبناني، إلى مصر اليوم الأربعاء، على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع ولقاءه مع الرئيس حسني مبارك تأتي مستبقة إعلان نتائج تقرير ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، والمنتظر أن يقدمه يوم الجمعة إلى الامين العام الأمم المتحدة كوفي أنان .

وربطت المصادر التي تحدثت معها (إيلاف) بين هذا اللقاء والمساعي الحثيثة التي تبذلها كل من مصر والسعودية، بهدف احتواء الضغوط المتزايدة على سورية وتلويحات واشنطن المتكررة باتخاذ مزيد من الإجراءات ضدها .

كما أوضحت ذات المصادر أن أهم ما سيجري مناقشته في لقاء مبارك وسعد الحريري هو التركيز على ما وصفته بترتيبات "سيناريو مرحلة ما بعد ميليس" في إشارة إلى الآثار المتوقع أن تترتب على ما سيسفر عنه تقرير رئيس فريق التحقيق الدولي، والحيلولة دون تعقد الأوضاع على النحو الذي وصفه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بمحاولة "تفريغ الوضع السوري من شحنة التوتر التي تحيط به وعدم انفجار الموقف"، على حد تعبير أبو الغيط .

ووفقاً للمصادر ذاتها فمن المقرر أن يجري الحريري عدة لقاءات مع كبار المسؤولين المصريين، وفي مقدمتهم الرئيس المصري حسني مبارك، الذي تربطه صلات جيدة مع أسرة الحريري منذ سنوات طويلة مضت، موضحة أن هذه الزيارة تستهدف أيضاً فضلاً عن الشأن السياسي المشار إليه، والصلات الخاصة بين أسرتي مبارك والحريري، بحث جملة من الموضوعات الاقتصادية والتجارية منها مشروع مد الغاز الطبيعي من مصر إلى لبنان الذي تم تدشينه مؤخراً.

مشهد شائك
وقبيل مغادرته القاهرة في زيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، نفى وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط علمه بأنباء تحدثت عن شروط أميركية طالبت سورية بالالتزام بها، وأضاف قائلاً إن هناك الكثير من الشائعات وليس بالضرورة أن كل ما يتردد يستند على حقائق"، على حد تعبيره .

ومضى أبو الغيط قائلاً إن هناك عدة عناصر في المشهد الإقليمي الشائك، يتصدرها وجود الولايات المتحدة على الأرضي العراقية، وفي ظل تأثيرها الدولي كقوة عظمى، كما أن هناك أيضا دوراً للامم المتحدة يتمثل في عدة مهام تستند إلى القرار الدولي 1595، ومن أبرزها دور المحقق الدولي في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق .

ولفت وزير الخارجية المصري في لقاء خاص مع المحررين الدبلوماسيين إلى أن وجود كل هذه العناصر قد يؤدي الى أخطاء في الحسابات، أو إلى مزيد من الصدام في إقليم الشرق الأوسط، وأوضح أبو الغيط أنه من قراءة هذه العناصر معاً، فإن مصر لا ترغب فى اتاحة أي فرصة لظهور بؤرة توتر إضافية في المنطقة وتعمل بقوة لمحاولة السيطرة على الموقف ومنع التدهور .

واختتم أبو الغيط تصريحاته متوقعاً أن تشهد الأسابيع القليلة القادمة تطورات بالغة الأهمية لسورية ولبنان والولايات المتحدة والمجتمع الدولي بصفة عامة، غير أن أبوالغيط استدرك داعياً إلى عدم التسرع في التوصل الى استنتاجات قبل الاعلان عن نتيجة تحقيقات قضية الحريري .

ويتوقع مراقبون في القاهرة عودة الاتصالات المصرية مع مختلف الأحزاب والقوى الفاعلة على الساحة اللبنانية، لكنهم استدركوا مشيرين أن الحسابات السورية على أجندة الدبلوماسية المصرية، هي التي ستحدد إلى أي مدى يمكن أن يذهب الحضور المصري على الساحة اللبنانية الداخلية، ولاسيما في ظل العلاقة ذات الطبيعة الخاصة بين دمشق وبيروت من جهة، وترتيبات القاهرة عربياً مع السعودية، ودولياً مع كل من واشنطن وباريس من جهة أخرى .

ويرى محللون أن لبنان في ظل الظرف الإقليمي الراهن، بات يعيش ما يمكن وصفه بأجواء استقطاب حادة، لكن من دون أن يعني ذلك انه يعيش اجواء حرب أهلية، معتبرين أن الانقسام يرجع إلى استمرار الوضع اللبناني معلقا، على الرغم من مرور نحو ثلاثة عقود على اندلاع الحرب الأهلية، وأعوام على "اتفاق الطائف" الذي أنهى تلك الحرب، إذ بات واضحا ان صيغة لبنان القديم ذهبت الى غير رجعة لكن من دون أن يكون واضحا بالمقدار نفسه، ان صيغة مستقرة وقابلة للحياة، قد تبلورت بشكل نهائي حتى الآن .