إيلاف تتابع من العواصم وسورية متورطة
تقرير ميليس ... كلام الفصل وحقائق تكشفت

نصر المجالي من لندن، بيروت: حسم تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس الجواب الذي طال انتظاره البارحة حول المتورطين في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل الشيخ رفيق الحريري، وأكد التقرير الذي يوزع اليوم على أعضاء مجلس الأمن الدولي تورط الاجهزة الامنية السورية بشكل مباشر في الجريمة، إضافة إلى تواطؤ لبناني.

وكان رئيس لجنة التحقيق الدولية سلم تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. وقال التقرير (56 صفحة فولسكاب) في أبرز نقاطه " هناك ادلة متطابقة تشير الى تورط المخابرات السورية واللبنانية بالنظر الى العلاقات الوثيقة بينهما، والى تدخل المخابرات السورية في الحياة العامة في لبنان"، واضاف: "من الصعب تخيل حدوث عملية الاغتيال هذه دون علم المخابرات السورية". ، وسيجتمع مجلس الأمن يوم الثلاثاء لدراسة مشروعي قرار مقدمين من الولايات المتحدة وفرنسا .

وفي التفاصيل التي تابعتها (إيلاف) منذ فجر هذا اليوم من لندن وبيروت وواشنطن ونيويورك وباريس، فإن مشروعي القرار اللذين سيشيران إلى تورط سورية بالتدخل في الشؤون اللبنانية، سيكونان هما الأشد .لهجة ضد سورية.

وقالت صحيفة (واشنطن بوست) نقلا عن مصادر دبلوماسية ان الولايات المتحدة تفضل ان يتضمن القرار إنتقادات لما تعتبره دعما سورية للارهاب وهو الامر الذي يمكن ان تستخدمه للضغط على سورية ، الا ان الصحيفة تقول ان فرنسا ودولا اخرى تريد ان ان يركز القرار على التدخل السوري في لبنان لتجنب ردة فعل عربية حادة.

واكد تقرير المحقق الدولي ميليس (الألماني الجنسية) ان اغتيال الحريري نفذته مجموعة منظمة للغاية ذات مصادر وقدرات واسعة .. وان الجريمة تم التحضير لها خلال اشهر حيث تم رصد تحركات الحريري لاشهر. واوصى التقرير باستمرار التحقيق من قبل السلطات القضائية اللبنانية، قائلا ان على هذه السلطات ان تنظر في كل الدوافع الاخرى لاغتيال الحريري. وعلم ان التقرير لن يسلم إلى دمشق، فيما سترسل نسخة منه إلى الحكومة اللبنانية.

واضاف :"الانفجار يجب ان يتم تقييمه وفقا لتفسيرات اخرى"، مرجحا ان ان يكون للاحتيال والفساد وغسيل الاموال دور في دفع افراد للمشاركة في عملية الاغتيال. وتضمن تقرير ميليس اتهاما مباشرا لوزير الخارجية السوري فاروق الشرع بتضليل التحقيقات عبر تقديم معلومات غير صحيحة.

ويوضح تقرير ميليس أن التحقيقات لم تكتمل بعد وأن هناك حاجة لاستكمالها من قبل القضاء اللبناني والسلطات الأمنية، "ولا تزال خيوط عدة في التحقيق بحاجة إلى تعقب ومتابعة". وقال التقرير إنه لهذا يتعين على سورية الآن "إيضاح جانب كبير من الأسئلة التي لم تحل" والتي واجهت المحققين.

وقالت لجنة ميليس إن النتائج التي توصلت إليها حتى الآن تشير إلى أن تفجير الشاحنة الذي قتل الحريري و20 آخرين في شوارع بيروت نفذته جماعة "ذات تنظيم واسع وموارد وقدرات كبيرة"، مشيرة إلى أن جريمة الاغتيال أعد لها على مدار بضعة أشهر.

وأشار التقرير إلى قائمة من الاتصالات الهاتفية أجراها عدد من الأشخاص قبيل اغتيال الحريري، وتضمن ذكر اسم أحد المشتبه بهم ويدعى الشيخ أحمد عبد العال.

وسبق واعتبر القاضي ميليس اربعة جنرالات لبنانيين موالين لسورية مشتبها فيهم، وتم اعتقالهم في لبنان في شهر اغسطس (آب) الماضي. كما استجوب ميليس سبعة مسؤولين سوريين، من بينهم وزير الداخلية السابق غازي كنعان، الذي كان يرأس المخابرات السورية في لبنان، والذي عثر عليه منتحرا في مكتبه الاسبوع قبل الماضي، بحسب الرواية الرسمية السورية، لكن أوساط عالمية كثيرة شككت في تلك الرواية مشيرة إلى أن اللواء كنعان تمت تصفيته ككبش فداء عشية الاعلان عن تفاصيل تقرير المحقق الدولي.

وفي أول رد فعل على التقرير امتنعت الولايات المتحدة عن الإدلاء بأي تعليق على ما توصل إليه ميليس الذي أمضى أربعة أشهر في التحقيق حول اغتيال الحريري. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في تصريح صحافي إن الإدارة الأميركية تريد أولا قراءة تقرير القاضي ميليس بتأن قبل أن تتخذ موقفا مما توصل إليه.

ويقول مسؤولون أميركيون إنه سيتم بحث إمكانية اتخاذ الأمم المتحدة إجراءات ضد سوريا لما تعتبره واشنطن تدخلا في الشؤون اللبنانية ودعما للمسلحين في العراق.

وكان النائب سعد الدين الحريري نجل رئيس الوزراء السابق اعلن أنه يريد ان يحاكم من يتهمهم تقرير ميليس بالجريمة أمام محكمة دولية. وقال الحريري بعد لقائه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وأكد الحريري أن "تقرير ميليس سيكون واضحا وسيكشف عن مرتكبي الجريمة.

واشنطن : نفذ صبرنا من دمشق
وكان أحد الملفات الرئيسية في التحقيق قد اغلقت، إثر إعلان السلطات السورية نبأ انتحار وزير داخليتها غازي كنعان، وهو واحد من ضمن عدة مسؤولين رفيعي المستوى، الذين استجوبهم المحقق الدولي. وبصفته الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السوري، فقد كان كنعان يعدّ الحاكم الفعلي للبنان طيلة عقدين من الزمان.

وقبل ساعات من إعلان نبأ وفاته، أدلى كنعان بحديث إذاعي لمحطة إذاعية لبنانية ردّ فيه على تقرير بثته محطة تلفزيونية لبنانية ليلا، يتحدث عن فحوى شهادة الوزير أمام ديتليف ميليس، رئيس لجنة التحقيق الدولية.

وقال "للأسف دأبت بعض وسائل الإعلام المغرضة على ضخ أكاذيب بغية تضليل الرأي العام ومنها ما ورد في نشرة أخبار 'نيو تي في' مساء الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2005، حول ما افترضوه من لقاء مع أعضاء لجنة التحقيق في ما يخص المساعدة السورية في الوصول إلى الحقيقة بشأن عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث لنا مصلحة سورية كبرى في ذلك."

وكانت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس عقدت اجتماعا مفاجئا مع الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان يوم الثلاثاء الماضي لمناقشة موضوع سورية قبل اقل من يومين من صدور تقرير الامم المتحدة الخاص باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. وقال شون مكورمك المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ان الاجتماع الذي عقدته رايس مع عنان لم يكن مدرجا على جدول أعمال رايس ، وانه ركز بشكل أساسي على سورية ولبنان. في الوقت الذي قال فيه مسؤولون أميركيون كبار "لقد بدأ صبرنا ينفذ من دمشق".

وقالت صحيفة (واشنطن بوست) كان موضوع سورية ولبنان من الموضوعات التي ركزت عليها رايس خلال جولة قامت الاسبوع الماضي وشملت لندن وباريس وموسكو حيث سعت إلى حشد التأييد لاتخاذ اجراء عقابي ضد دمشق. حيث كانت واشنطن تشتبه في ضلوع دمشق في حادث مقتل الحريري و20 اخرين في فبراير/شباط في تفجير شاحنة في بيروت.

وأضاف مكورمك أن رايس أرادت أن تتحدث مع عنان قبل صدور التقرير "الفني" الذي اعده فريق تابع للامم المتحدة برئاسة المدعي الالماني ديتليف ميليس بشأن اغتيال الحريري، وامتنع مكورمك عن التعليق عندما سئل عن نوع الاجراء العقابي الذي تسعى الولايات المتحدة لاتخاذه ضد سوريا وقال ان واشنطن ستتشاور مع حلفائها وتطلع على تقرير الامم المتحدة قبل أن تتخذ قرارا.

واضاف في تصريحات للصحافة "هذا أمر لا يتعلق فحسب ببواعث قلق الولايات المتحدة فيما يخص سوريا. فسوريا لها مشاكل مع جميع جيرانها، فعليا مع جميع جيرانها في المنطقة."

وقال جيم جيفري منسق وزارة الخارجية الاميركية بشأن العراق بأن صبر الولايات المتحدة على دمشق ينفد قائلا إنها لا تبذل جهدا كافيا لمنع "تدفق المقاتلين الاجانب" على العراق. وقال جيفري للصحافيين في واشنطن "لابد من وقف ذلك. نحن نتطلع لتغيير في السلوك السوري. لم نر ذلك بعد وصبرنا ينفد."

وكانت سوريا ولبنان محورا مهما خلال زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الاسبوع الماضي، لكل من لندن وباريس وموسكو حيث حاولت حشد تاييد لاجراء عقابي ضد دمشق. وقال جون بولتون مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إن واشنطن تعتزم دراسة التقرير بعناية قبل أي رد. وتابع بولتون "نجري مشاورات ومباحثات مع عدد من الدول الاخرى بشأن ما يمكن أن يحدث من احتمالات وكيف سنرد.

على سورية الإجابة
ويقول التقرير إن اغتيال الحريري يوم 14 فبراير/شباط الماضي كان من التعقيد بحيث يصعب تخيل أن أجهزة الاستخبارات السورية واللبنانية لم تكن على علم بها. وأضاف القاضي الألماني "إنه لأمر معروف أن الاستخبارات العسكرية السورية كان لها وجود احتلالي في لبنان حتى انسحاب القوات السورية بموجب القرار 1559، وهو الذي عين كبار المسؤولين الأمنيين السابقين في لبنان".

وتابع التقرير قائلا إن قرار اغتيال الحريري "لا يمكن أن يتخذ دون موافقة مسؤولين أمنيين سوريين وإنه لا يمكن تنظيمه دون تواطؤ من أجهزة الأمن اللبنانية". ، واتهمت اللجنة في تقريرها مسؤولين سوريين بمن فيهم وزير الخارجية فاروق الشرع بأنهم حاولوا تضليل تحقيقاتها. وطالب التقرير سورية "بالإجابة عن جانب كبير من الأسئلة التي لا تزال غامضة."

وقال ميليس في تقريره إلى أنه "من الصعب وضع سيناريو تفصيلي لمؤامرة الاغتيال المعقدة بدون علمهم الأجهزة الأمنية في سوريا ولبنان "، وذكر التقرير أن "السلطات السورية تعاونت مع لجنة التحقيق الدولية، ولكن عدد من الشهود حاولوا تضليل اللجنة بشهادات مزيفة وغير دقيقة." وأفاد التقرير أن التحقيق جاء في "وقت سياسي عصيب تميز بالتوتر والاستقطاب الحاد."

ولمح ميليس في نتائج تقريره إلى أن "الاتهامات والاتهامات المضادة التي طالت الحريري في الفترة التي سبقت الاغتيال ترجح أن دافع الاغتيال كان سياسيا." وقال ميليس إن النتائج التي توصلت إليها حتى الآن تشير الى أن تفجير الشاحنة الذي قتل الحريري نفذته جماعة "ذات تنظيم واسع وموارد وقدرات كبيرة."

وأضافت اللجنة أن "الجريمة تم الإعداد لها على مدار بضعة أشهر." وخلصت لجنة التحقيق الدولية إلى أن القنبلة التي استخدمت لقتل الحريري تم تفجيرها فوق الأرض، وبلغت زنتها حوالي ألف كيلو غرام من المتفجرات التي تستخدمها القوات العسكرية.

ولكن لم تقطع اللجنة بالكيفية التي تم بها تفجير القنبلة، وخاصة وأن القافلة التي كان يتحرك بها الحريري استخدمت أجهزة إلكترونية تحول دون تفجير قنابل عن بعد. الأمر الذي يرجح أن يكون التفجير ناجما عن هجوم انتحاري. وقال محققون إن الأخيرة هي النقطة التي يجب أن تواصل منها السلطات اللبنانية التحقيق.

وخلال أربعة اشهر من عمل اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال الحريري، تم استجواب أكثر من 400 شخص، ومراجعة حوالي ستة آلاف وثيقة. غير أن تقرير لجنة التحقيق أكد أن "التحقيقات في الجريمة لم تكتمل بعد."

وإليه، لم يرد بعد أي تعقيب من الحكومتين السورية واللبنانية على نتائج التحقيق، وقال ناطق باسم الأمم المتحدة إن سوريا لن تتسلم نسخة مقدما للتقرير.