حقيقة دور الضابط الغامض في اغتيال السادات(1من 4)
قصة العلاقة بين المقدم ممدوح أبو جبل والظواهري

السادات .. رجل لكل الأدوار
نبيل شرف الدين: لم تزل هناك حتى اليوم سلسلة من الألغاز التي لم يكشف عنها في قضية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ويبدو من فرط تقادمها وتشتت أطرافها، أنها أمست رهن النسيان وربما التناسي المتعمد، وحسب عدة مصادر، تصدرتها الملفات القضائية لتلك القضية، وشهادات ضباط سابقين شاركوا في ملاحقة عناصر التنظيم، ومستندات محامين اشتركوا في الدفاع عن المتهمين، فضلاً عن دراسات رصينة لظاهرة التيار الإسلامي في مصر، وغير ذلك من المصادر والشهادات، فقد اتضحت لنا عدة حقائق أو بالأحرى وضعنا أيدينا على أدوار وشخصيات محاطة بسياج عال من الغموض حتى الآن، منها على سبيل المثال لا الحصر الدور الغامض لضابط الأسلحة والذخيرة السابق المقدم ممدوح أبو جبل، الذي يعد تتبع سيرته، والنبش في حقيقة دوره ضرباً من ضروب البحث عن إبرة صغيرة وسط أكوام من القش، في ليلة مظلمة.

وهناك ثمة قاسم مشترك بين أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة"، والمقدم السابق في إدارة الأسلحة والذخائر، ممدوح محرم حسن أبو جبل، فضلاً عن صلة الأخير بالإبر أيضاً، وإن لم تكن إبراً عادية، بل "إبر ضرب نار" التي توضع بالبنادق "الكلاشنكوف" حتى تعمل، وربما كانت هذه هي نقطة البداية في دوره الغامض، سواء في القضية أو التنظيم وما أحاطهما من ملابسات لم تزل محاطة بطبقات كثيفة من الغموض، إلى حد لا يمكن معه أن يزعم أي مخلوق في مصر أنه أحاطها بها علماً، فالرجل ذاته قرر النسيان، قرر أن يقفز على تلك الأيام ويحذفها من ذاكرته، وبالطبع لم يكن هذا خياراً مريحاً له فحسب بل كان أيضاً "قراراً" عليه الامتثال له تماماً، مقابل ألا يقضي ما تبقى من عمره خلف القضبان، أو حتى إعدامه لو اقتضى الأمر، لاسيما أن ما نسب إليه يدينه بتهمة الاشتراك في المخطط، ويجعله شريكاً أصلياً، كما اتفقت في هذا عدة شهادات تواترت على ألسنة بعض المتهمين في القضية، منهم عنصر سابق في تنظيم "الجهاد"، الذي أدين في "قضية الجهاد الكبرى" عام 1981، وسجن سنوات قبل أن يطلق سراحه ويرحل من مصر، ثم يعود إليها مبتعداً تماماً عن ماضيه أيضاً ـ وقد اشترط عدم الإشارة إلى هويته ـ حتى يفتح لنا خزانة ذاكرته، ويروي ما عرفه وعاينه بنفسه حول ذلك الغامض ممدوح أبو جبل، وما يراه من تقاطعات بين سيرته وسيرة أيمن الظواهري، الذراع اليمنى لأسامة بن لادن، وعقل "القاعدة" المدبر.

خالد الاسلامبولي
يقول محدثنا إنه سمع لأول مرة باسمه أثناء إحدى جلسات محاكمة القضية، حين نودي على قائمة شهود الإثبات والتي شملت قليلين منهم سائق العربة التي كان يستقلها الملازم خالد الاسلامبولي ورفاقه، وبعده استمعت المحكمة إلى المقدم ممدوح أبو جبل، الذي يرى "الجهادي السابق" أنه ضحية لحظة "ضعف إنساني" إذ أنه بعد القبض عليه وإيداعه "سجن القلعة"، الشهير بـ "باستيل مصر"، وقبله "السجن الحربي" عقب اغتيال السادات بأيام قليلة، حيث رأى هناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ببال بشر من صنوف التعذيب والتنكيل، وحدث أن اعترته لحظة الضعف الإنساني، كما حدث مثلاً لرجل تملأ سيرته الدنيا وتشغل الناس، وهو أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة"، الذي يتفق العشرات على واقعة وشايته بالضابط عصام القمري، كما يؤكد ذلك محامي الإسلاميين الشهير منتصر الزيات، إذ يعرب عن اعتقاده أن أهم ما كان يؤلم أيمن الظواهري أنه أجبر تحت وطأة التعذيب والإكراه على أن يكون شاهد إثبات ضد زملائه أعضاء تنظيمه في القضية التي حوكم فيها عصام القمري والضباط الآخرين في التنظيم، حيث أخرج من محبسه في "سجن طره" يرتدي الملابس المدنية، وجرى اقتياده إلى قاعة المحكمة العسكرية العليا في ضاحية "الجبل الأحمر"، ليشهد ضد زملائه في التنظيم من الضباط، ويقر في اعترافاته بأنهم شكلوا تنظيما إسلامياً داخل القوات المسلحة، قصدوا من خلاله الإطاحة بنظام الحكم، وإقامة حكومة إسلامية بدلا منها، موضحاً أن "الظواهري أرشد بعد ضبطه يوم 15 من أكتوبر سنة 1981عن مكان اختباء عصام القمري، وقاد أجهزة الأمن إلى زاوية صغيرة اعتاد القمري أن يؤدي بها الصلاة، ويلتقي بصفة دورية فيها الظواهري وأفراد تنظيمه"، لافتاً إلى أن هذه الواقعة عجلت بسفر الظواهري من مصر، ومن ثم دفعته للذهاب بعيداً في ما آلت إليه أحواله الراهنة حتى يقطع الطريق على أي مزايدات بشأن هذه "السقطة الأخلاقية" من جهة، أو ليعوض إحساسه الدفين بالعار إزاءها، فكان أن تشدد في فكره ومسلكه وتوجهاته على النحو الحاصل الآن، من جهة أخرى.