سورية بين الأمس واليوم ( 1 من 9 )
من عهد الأسد المؤسس إلى زمن الوصاية الدولية

بلال خبيز، بيروت: بصرف النظر عما يتضمنه خطاب الرئيس السوري بشار الأسد أمام السوريين والعالم اجمع، من تفاصيل ومواقف، الثابت ان الرئيس الشاب يعلن في هذا الخطاب اختتام مرحلة من التاريخ السوري والمباشرة بمرحلة جديدة، تختلف اختلافاً بيناً عن المرحلة التي سبقتها.
يمكن القول ان الرئيس الأسد بدأ حكمه الفعلي كحاكم لسورية اليوم، وان كل ما سبق من سنوات له في الحكم، كانت اشبه ما يكون بحكم من الأرشيف. ارشيف الوالد الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في الوقت نفسه الذي بدأت بشائر انهيار منظومته السياسية والأمنية تهل.

الرئيس بشار الأسد ورث من والده، بخلاف ما يظن ويشاع، نظاماً يحتضر، نظاماً من الماضي لم يكن يستطيع التعامل معه وحيداً. فالنظام المحتضر قد يكون أخطر الانظمة على قادته اولاً. وبصرف النظر عن المسالك التي سلكها الرئيس بشار والمعارج التي دخلها فإن النتيجة التي توصل إليها كانت في ما يظهر محتومة ولا راد لها.

هذا الكلام لا يقع في معرض المديح او الذم. بل يقع في معرض التأريخ المنصف لسياسة وقيادة حاولت جهدها النجاح في مساعيها، واصطدمت بجدران من الصعاب. جارت على غيرها وبعض الغير جار عليها. لكنها دائماً كانت، على ما كان يقول الأسد المؤسس، على شفير الهاوية.

اليوم تفتتح سورية عهداً جديداً. عهداً هي فيه غير ما كانت عليه من قبل جذرياً، وغير ما كان يحسب بعض قادتها من انه صعاب عابرة لطالما واجه مثلها الأسد الأب واستطاع ان يتجاوزها ويعيد لسورية رونقها ألمع من السابق ويعيد دورها أشد تأثيراً وأكثر قوة وحضوراً.

الذي جرى في الشهور الأخيرة لا يمكن تفسيره على وجوه متعددة، وبصرف النظر عن فيض التعليقات ومستوى الصراخ والمواقف حول القرار الدولي 1636، فإن ما يبدو اضحاً للعيان ان هذا القرار ختم المعركة الإجمالية حول شرعية أو لا شرعية تدويل الوضع اللبناني وانتقل إلى البحث الصريح في تدويل الوضع السوري، وافتتح من مدخل قانوني مسار فرض وصاية دولية على الداخل السوري.

يجدر بنا ان نراقب منذ اليوم المسار الذي في وسع القيادة السورية والشعب السوري عموماً افتتاحه في مجال التعايش مع المستجدات الدولية الراهنة، والتي تحيط بالمنطقة العربية من كل جانب. والأرجح ان الصعوبات التي تواجه سورية، كما غيرها، اكثر من ان تحصى. لكن التدقيق في التاريخ السوري القريب قد يكون امراً ملحاً اليوم، ليعيد سورية إلى بساط البحث الفكري والتاريخي، ويعيد ترتيب وضعها في سلم الاولويات، بعدما جهدت سياسة الراحل حافظ الاسد في اصطناع موارد وهمية لسوريا تفوق قدرتها على حملها واحتمالها.

عودة سورية إلى حجمها الطبيعي بقيادة الرئيس بشار الأسد اليوم، قد تكون افضل ما يمكن تصوره من سيناريوهات للوضع السوري المرتبك. ذلك يوجب علينا ان نتخذ جانب الحيطة في الهجوم والدفاع عن سوريا وعليها. هكذا تبدو اللغة الملتفة على نفسها التي نطق بها وزير الخارجية السوري فاروق الشرع رداً على قرار دولي متخذ بإجماع مجلس الأمن اشبه ما تكون بالتمترس خلف نافذة من زجاج. كما ان بعض الاصوات الموالية للسياسة السورية التي دعت إلى تخيير العالم بين الانحياز لسورية او الانحياز للهجمة التدويلية تعني ان اصحاب هذه الدعوات حكموا على انفسهم وعلى سورية بالتحجر والثبات عند حدود العزلة الخانقة التي تعانيها. ليس على هذا الوجه تنقذ سورياة، وليس مجدياً طبعاً لهؤلاء المدافعين بألسنة الخشب ان يتمسكوا بخشب السنتهم وبدعوة الناس إلى اغماض عيونهم عما جرى وما يجري، وان يعيدوا تأسيس النظام العربي مرة أخرى على العفو عن الاخطاء ورفض المحاسبة والمساءلة، كما لو اننا تحت الزلزال ونرفض ان نتقي غوائل الطبيعة لأننا نريد ان نحاكم الجيران لأنهم تعدوا على مصطبتنا الآيلة إلى السقوط.
ليس في الوضع العربي الراهن ما يسر احداً. لكن بعض السياسات يشبه انتحاراً معلناً. والأرجح ان سورية محكومة بأن تخرج من شرنقة المنتحرين وان تطمح بتواضع وحكمة لفجر جديد يهنئ فيه الناجون بعضهم بالنجاة.

تنشر "إيلاف" هذا الملف الذي يتناول جانباً من التاريخ السياسي السوري عبر أبرز صناعه في العقود الثلاثة الاخيرة، لعل فيه ما يعين على استقبال الآتي العظيم، بمزيج من الدراية وحسن الفطن. في سورية ولبنان وفلسطين, في كل مكان من العالم العربي عموماً.