إيلاف من بيروت: quot;أظلّ خائفاً ان ينحرف أحياناً عن الطريق السويّquot;.. كانت هذه اخر كلمات قرأها النائب الراحل جبران تويني من والده غسان جبران تويني الذي خصص مقالهفي صحيفة النهار اليوم ناصحا ابنه واصفا اياه بالراشد والحر وصاحب حوار من نهج خاص.


وتحت عنوان رسالة حول...quot;رفع الحصار عن الحوار!quot; قال غسان جبران تويني والمقيم حاليا في فرنسا quot; ولا لأنني والد نائب حالي راشد حرّ بينه وبين رئيس المجلس quot;حوارquot; مستمر من نهج خاص أظلّ خائفاً ان ينحرف أحياناً عن الطريق السويّ!) بل بصفتي نائباً سابقاً يستمر التزامه الدفاع لا عن مجرّد الحوار، أي حوار، بل ان يشجع رئيس المجلس الذي أعلن عزمه على الدعوة الى quot;الحوار بين جميع الأفرقاءquot; وquot;برمجتهquot; حتى يخرج بلبنان من المآزق المتكاثرة التي يزج المسؤولون أنفسهم فيهاquot;.

وفي ما يلي آخر مقال قرأه الراحل جبران تويني:

رسالة حول... رفع الحصار عن الحوار!
غسان تويني


في عاصمة الديمقراطية الأوروبية، أرى لزاماً عليّ أن أتوجه بهذه الرسالة الى الأستاذ الرئيس بري، ليس فقط لأنه تجاوز quot;اللياقاتquot; وهنأني بالوسام الذي نلت، (ولا لأنني والد نائب حالي راشد حرّ بينه وبين رئيس المجلس quot;حوارquot; مستمر من نهج خاص أظلّ خائفاً ان ينحرف أحياناً عن الطريق السويّ!) بل بصفتي نائباً سابقاً يستمر التزامه الدفاع لا عن مجرّد الحوار، أي حوار، بل ان يشجع رئيس المجلس الذي أعلن عزمه على الدعوة الى quot;الحوار بين جميع الأفرقاءquot; وquot;برمجتهquot; حتى يخرج بلبنان من المآزق المتكاثرة التي يزج المسؤولون أنفسهم فيها يوماً بعد يوم، وquot;مناقشة بعد مناقشةquot;، وقراراً بعد قرار!
معاذ الله ان أدّعي في هذا المقام إلقاء درس على أحد.

فقط المساهمة في الحوار، ولو من خارج، متشجعاً في التوجه الى الرئيس بري من منطلق ما كان بيني وبينه أيام كنا معاً في رعاية الامام موسى الصدر. وقد علّمنا أعاده الله الينا، وأدام لنا بصيرته النيّرة ألا نوصد باباً في وجه من يطرقه، والا ننطلق في الحوار من مواقع نسمّرها ونجمّدها، بذهن منغلق أمام أي اقتناع بفكرة يطلقها الآخر أو موقف يدعونا هذا الآخر الى إنعام النظر في احتمال مشاركته فيه.
في أيام تفجّر براكين الديمقراطية المستحدثة، من العراق الى مصر مروراً بفلسطين (ارض أقدس الاختبارات وأكثرها دقّة) كم يجدر بنا ان نتذكّر تلك القاعدة الذهبية التي وحدها مكّنتنا من نيل الاستقلال عام 1943 بميثاقٍ وطني دستوري يقوم عليها، أو كانت لا تقوم للاستقلال ولا للوطن قائمة...

ولولا تلك القاعدة لما اجتاز لبنان بدون تقسيم ولا quot;فرز وضمquot; او تقاسم كل الحروب التي كان خلال ثلاثين سنة تقريباً ساحة لها مستباحة، ولا كان تسنى لوطننا ان يؤمِّن، في تظاهرة 14 آذار الفريدة في تاريخه وكل تاريخ، رفع الوصاية (ولو أخويّة) والتغلّب على دعوات العنف والتحريض للرجوع اليه المتكاثرة من أكثر من جانب، فضلاً عن افتعال العنف كما فعلت اسرائيل (مَن سواها؟) في بعلبك من ثلاثة أيام، حتى يقابله عنف مضاد، فيشتعل البلد من جديد.

وفي زمن تواجه أميركا انتصار الاسلاميين في انتخابات مصر بالدعوة الى الحوار معهم،من مقام غربتها، ويجيبها الاسلاميون بالموافقة... نرى ان لزاماً علينا أن نوضح قليلاً منطق الحوار داخل مجتمعنا السياسي الواحد وقاعدة عقلانيته والجدلية.

في كل حوار، يجب ان ينطلق الفرقاء أو يصير حوارهم محاصراً بالرفض المسبق من اقتناع بأن أحداً ليس قابضاً وحده على الحقيقة، غير مستعد لاحترام حقيقة الآخر الى حد الانفتاح على الاقتناع ولو ببعضها. لأن ليس في السياسة من حقيقة ازلية (أي دينية)... ولأن ذهاب واحدنا في تعديل موقفه للالتئام مع موقف الآخر يخدم حقيقة تصير مشتركة بين الفرقاء، فتزداد مناعتها بل فاعليتها.
تلك هي quot;الشراكةquot; في الحكم، التي ان لم نحاولها بالحوار العقلاني المفتوح، انتهينا من كل محاولة الى رفض واحدنا لا حقيقة الآخر بل حقه في المشاركة في الحكم.

وبديهي أن أحداً لا يمكن ان يخوض حواراً وهو يحتفظ لنفسه بحق ممارسة quot;يتوquot; على الرأي الآخر... مما يؤدي عملياً الى قسمة الحكم والوطن واستطراداً تقسيم الارض حدوداً حدوداً والتمهيد من مشروعية الاختلاف في الرأي الى شرعنة الحرب أهلية حيناً، ثم خارجية لأنها بشرعنة الحرب بصورة عامة في غمرة ما يحيط بنا من نزاعات الى فتح أبواب التدخلات الغريبة مشرعة على مصاريعها، وأكثر...

ثم بعد، لا بد في إطار الحوار الاجماعي الذي تنظّم يا دولة الرئيس من استباق الأمور وطرح مسألة رئيسية لأنها تتناول قاعدة مستقبلنا التمثيلي، عنينا مشروع قانون الانتخاب واستطراداً ادخال اصلاحات نتمناها جذرية على ممارساتنا البرلمانية التي عُهد بها الى quot;اللجنة الوطنيةquot; التي أمّن لها رئيسها الأستاذ فؤاد بطرس اجماعاً لا نخاله إلا يسير بها محافظاً على هذا الاجماع حتى نهاية المطاف.
فماذا سيكون من أمر مقترحاتها؟

نعرف انك تعرف وتؤمن بأن الديمقراطية ستكون، في غدٍ لعله ليس ببعيد، على المحك وان ثمة من سيقول، عند طرح مقترحات اللجنة، ان كون الديمقراطية حكم الأكثرية لا يعني quot;ديكتاتورية الأكثريةquot; كما يقولون في صدد امور اخرى.

نعم الديمقراطية ليست ديكتاتورية الأكثرية.

ولكنها ليست، بوجه اولى، ديكتاتورية أقلية تعطي لنفسها حق اليتو على ما يمكن ان تتفق عليه الأكثرية آخذة في الاعتبار مطالب الأقلية ووجهة نظرها توصلاً الى التوافق المثالي...

فماذا اذاً؟
ماذا اذا طُرحت مقترحات اللجنة الوطنية المتخذة بأكثرية ما وقامت في المجلس معارضة اقلية لهذه المقترحات أو بعضها؟

هل ترضى يا دولة الرئيس الاستاذ، والمسألة ستكون في عهدتك، ان تنقض اقلية، لسبب ما، المقترحات الاصلاحية هذه فتمنع الاصلاح وتبقيه مجمّداً... أم تجد انت الحل الحاسم، وتحسم لا بلباقتك فحسب، بل عند الحاجة بما صار لك من سلطة تمارسها، متعددة الجذور والوجوه معروفة التنوّع؟

نتركك تتأمل في الأمر، وفي الحسم.

ونضع أمامك موقفاً اتخذه رئيس الحكومة الفرنسية دومينيك دو يلبان ما دمنا لا نزال في فرنسا عندما واجه معارضة للاحتفال بانتصار نابوليون في كبرى معاركه، او سترليتز، لأن المعركة دارت في أرض دول صارت حليفة فرنسا وشريكتها الأوروبية. قال quot;انا احتفل بتاريخ فرنسا كله من دون تمييز بين الانتصارات والهزائم... لأن في التاريخ مكاناً لأكثر من واقعة وأكثر من بطولة وأكثر من رجل واكثر من حزبّ!quot; ولا يلغي أحد في التاريخ أحداً!

فهل يتسع، في عهدتك، التاريخ اللبناني لأكثر من رأي وأكثر من موقف، من غير ان يلغي حدث حدثا ، بل حزب حزباً ، وموقف، أكثرياً كان أم اقلياً، بقية المواقف ويخطف وحده حق القرار الوطني وخيار المستقبل كما التاريخ؟

بكلام بسيط وواضح وصريح: مطلوب منك، يا حارس الحوار، ان ترفع عنه الحصار، ما همّنا كيف.

وحسبنا أن نشعر وتدرك أنت وتفرض على من تعرف حجم اسلاميته وحقوقها حسبنا ان تفرض استلهام مقررات قمة مكّة المكرّمة وقراراتها بالانفتاح واعتمادها العلوم العصرية كما سرنا في الماضي بوحي علومنا العربية والاسلامية حتى يكون موقفنا موقفاً quot;وسيطاًquot;.

أوَليس هذا ما دعانا الله لأن نكونه: quot;امة وسطاًquot;؟ فهل ثمة فينا من يجيز لنفسه الكفر من أجل حصار الآخرين؟

تأمّل يا دولة الرئيس... ثم شمّر عن سواعد صلاحياتك لفك الحصار عن الحوار... واعتمر بالعقلانية التي يفرضها الإيمان، لا أكثر ولا أقل!

*نقلا عن جريدة النهار