طائفية الاحزاب تتكرس شعبيا
2005 دخله العراق بانتخابات منقوصة ويغادره بمرفوضة

أسامة مهدي من لندن : دخل العراق عام 2005 وهو يتهيأ لاول انتخابات حرة بعد سقوط نظام حكمه 35 عاما بسلطة حزب واحد جرت في نهاية الشهر الاول منه لكنه انتقل الى اخرى نهايته بعد ان مر بمحطات سياسية عدة يبدو انها ستشكل ملامح عراق جديد انتقلت فيه عدوى الطائفية من احزابه الى الشارع الشعبي في تكريس لظاهرة خطيرة ستكون لها تداعياتها المؤثرة على حاضر ومستقبل العراقيين قد تؤدي في النهاية الى تفتيت العراق لكيانات واقاليم في تقسيم غير معلن للبلاد .

فقد غادر العراقيون عام 2004 الذي كان دمويا بكل معنى الكلمة فيما يخص تفجيرات الارهابيين للسيارات المفخخة والاغتيالات التي نفذوها ضد شخصيات سياسية ودينية ورسمية وكانوا يتطلعون الى عام 2005 الجديد يحدوهم الامل بانتهاء العنف واستئناف الخدمات العامة وخاصة في التزود بالماء والكهرباء لكن الانتخابات التي جرت في الثلاثين من اكنون الثاني (يناير) وان مرت بظروف امنية هادئة وجرت في اجواء من الحرية الا انها كانت منقوصة بغياب العرب السنة الذين يشكلون اكثر من ربع سكان البلاد البالغ 28 مليون نسمة فتشكل برلمان لايمثل تمثيلا حقيقيا مكونات الشعب العراقي فجاء اختياره لحكومة شرعنت الانقسام الطائفي والعراقي من خلال تحالف شيعي كردي غابت عنه مكونات اخرى لاسباب موضوعية واخرى او متعصبة .

hellip; ولم تتمكن الحكومة التي افرزتها الانتخابات من تحقيق الامن اوتحسين الاوضاع الاقتصادية والخدمية وتصاعدت العمليات الارهابية التي اخذت بدورها منحى طائفيا بغيضا باستهدافها للشيعة بزعم ان رافضة وكفرة والاكراد بذريعة انهم عملاء للاميركان في منحى وضع بدايات تكريس واصطفافات طائفية وعرقية لامناص منها لمواجهة ارهاب قادم من الخارج واخر يمارسه اعداء داخليون من انصار النظام السابق الذي يتطلعون لاستعادة quot;مجدquot; فقدوه ربيع عام 2003 . كما شهد العام ازدياد عمليات المواجهة للقوات الاميركية التي فقدت منذ سقوط النظام وحتى الآن اكثر من 2160 قتيلا بحسب ارقام وزارة الدفاع (البنتاغون) بينما لا زال الرئيس الاميركي جورج بوش يبحث عن انتصار كامل على الارهاب في العالم ويعتبر ان المواجهة في العراق هي التي ستحدد مدى امكانية تحقيق هذا النصر الذي لايزال يبدو بعيدا عن التحقق برغم الاعلان عن بدء رحيل القوات الاميركية ومغادرة 7500 عسكريا منذ الان وحتى الربيع المقبل .
hellip; وقد شهد العام هذا الذي يودعه العراقيون بعد ايام ولادة عسيرة لاول دستور دائم منذ 35 عاما لكنه معرض للتغير في البرلمان المقبل بعد ان تمت كتبابته اثر صراعات هددت بافشاله . فقد كانت كتابة هذا الدستور المحطة الثانية في العملية السياسية التي قررها قانون ادارة الدولة العراقية والتي انجزتها لجنة من اعضاء في البرلمان غاب عنها السنة العرب المقاطعون لانتخاباته .. لكنه حرصا من القوى الممثله فيه على ان يكون الدستور معبرا عن جميع مكونات الشعب العراقي فقد تم 15 عضوا سنيا في لجنة كتابته التي شهدت خلافات وصراعت حادة كادت ان تفشل عملها حيث اعترض السنة على عدم اقرار الدستور بان العراق جزء من العالمين العربي والاسلامي واقراره للفيدرالية وانشاء اقاليم في مناطق العراق المختلفة .. لكنه تم التوصل الى حل وسط بطرح الدستور على استفتاء عام مع الاقرار على ان يقوم البرلمان الجديد باجراء تعديلات عليه تستجيب لمطالب السنة .. وفعلا فقد جرى الاستفتاء منتصف تشرين الاول (اكتوبر) فحاز على موافقة الاغلبية برغم معارضة محافظتين سنيتين هما الانبار (الرمادي) وصلاح الدين (تكريت) .
hellip; ولم يخل العام من خلافات بين التحالف الحاكم الذي ضم الاكراد والشيعة وهي خلافات كادت ان تسقط حكومة رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري اثر احتجاجات كردية ضد مايقال انها عدم جديته في تطبيع الاوضاع في كركوك التي يطالب الاكراد بضمها الى اقليم كردستان الذي يحكومنه منذ عام 1991 .

hellip; كما شهد العام في التاسع عشر من تشرين الاول بداية محاكمة الرئيس السابق صدام حسين وسبعة من كبار معاونيه السابقين بتهمة اعدام 148 مواطنا من سكان بلدة الدجيل شمال العاصمة اثر تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة وصفت بانها محاكمة العصر سعى خلالها المتهمون وفي مقدمتهم صدام الى تحويلها لمحكمة سياسية وليست جنائية وتحويل انفسهم من متهمين الى ضحايا للتعذيب والاهانة quot;على يد المحتل الاميركيquot; وترديد شعارات وطنية وقومية يبدو انها فشلت في التاثير على الراي العام العراقي وكسبه الى جانبهم .

hellip; وفي اول دخول عربي على خط الاوضاع السياسية والامنية المضطربة في العراق فقد نجح الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى في جمع شمل معظم الأطراف السياسية في مؤتمر بالقاهرة أطلق عليه مؤتمر الوفاق بمشاركة أبرز القوى السنية العراقية الرافضة للعملية السياسية وعلى رأسها هيئة علماء المسلمين ليختتم المؤتمر أعماله ببيان فرق للمرة الاولى بين الإرهاب وبين المقاومة وكونها حقا للشعوب المحتلة لكن المقاومة التي أشار إليها البيان لم تحضر المؤتمر ولكنها أو فصائل المسلحين كما تسمى كانت حاضرة بقوة في العراق عبر استمرار تعرضها للقوات الأجنبية واستمرار إعلانها عن أهدافها بخروج ما تسميه قوى الاحتلال وتأسيس حكومة وطنية وتنفيذ عمليات اسفرت عن مقتل المئات من المواطنين العراقيين الابرياء . ورغم بيان القاهرة فإن الموقف من المقاومة ظل بعيدا عن الحسم بانتظار مؤتمر بغداد المقرر عقده في شباط (فبراير) أو اذار (مارس) المقبلين بمشاركة الأطراف التي تحاورت في القاهرة. hellip; ثم كان الاستحقاق الثالث والاخير من العملية السياسية الذي نقل البلاد من مرحلة انتقالية الى دستورية دائمة وهو اجراء الانتخابات البرلمانية منتصف الشهر الحالي لانتخاب برلمان جديد يضم 275 عضوا سيقوم باختيار حكومة جديدة ومجلسا للرئاسة مدتهما اربع سنوات وحيث انتعشت الامال بعودة اللحمة الوطنية وتحقيق الامن اثر اعلان القوى السنية عزمها على المشاركة في هذه الانتخابات التي جرت في موعدها بمشاركة حوالي ثلثمئة كيان سياسي قدموا 6700 مرشحا .. لكن هذه الامال تحطمت نتيجة ضغوط وخروقات وعمليات تزوير شهدتها ولذلك رفضتها 35 قوة سياسية متهمة الائتلاف العراقي الشيعي بممارسة ارهاب ديني خلالها وتزوير فاضح مكنه من الفوز فيها بنسبة تقترب من 50% .. وهنا دخلت البلاد في مضيق مظلم لم تستطع لحد الان الوعود بانارته خاصة بعد ان عمت المدن السنية والعاصمة بغداد تظاهرات شعبية شارك فيها مئات الالاف لم يتردد بعظهم في ترديد شعارات طالت رئيس الوزراء واتهمت الائتلاف بالتبعية لايران التي طالبوها بترك العراق يعيش حرا .

hellip; ولعل اخطر ما افرزته هذه الانتخابات هو انتقال التخندق الطائفي والعرقي من الاحزاب السياسية الى الشارع العراقي الذي منح اصواته للمنتمين لطافته او قوميته بغض النظر عن كفاءته وقدرته على تحقيق الامال التي يتطلع اليها المواطنون في ممارسة بدأـ تثير مخاوف من التهيئة لتفتيت الدولة العراقية الى كيانات ضعيفة باسم الاقاليم التي قد تعلن في اجزاء منها .. وهو امر تبلور اثر عقد الائتلاف الشيعي لمؤتمر لمدراء الشرطة والامن في تسع محافظات شيعية جنوبية اعلن خلاله عن التصميم على اعلان اقليم الجنوب وهو مادفع ثلاث محافظات غربية سنية في الاعلان بدورها عن امكانية انشاء اقليم او فيدرالية غرب العراق .

hellip; وشهد العراق خلال عام 2005 هجمات انتحارية دموية عديدة كان ابرزها الهجوم الذي ادى الى مقتل 118 شخصا في نهاية شباط (فبراير) الماضي في مدينة الحلة (100 كلم جنوب بغداد). وفي نهاية شهر اب (اغسطس) الماضي قتل اكثر من الف شيعي بسبب عملية تدافع فوق جسر الائمة شمال بغداد اثناء احياء مراسم شيعية. وفي 14 من ايلول (سبتمبر) قتل 128 عراقيا في هجمات في بغداد. كما قتل 78 شيعيا في انفجارين عندما فجر انتحاريان نفسيهما في مسجدين للشيعة في خانقين (شمال شرق بغداد) في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
وفي بغداد قتل 32 طفلا في تموز (يوليو) الماضي بهجوم عندما فجر انتحاري يقود سيارة مفخخة نفسه بعربة عسكرية اميركية كان يوزع جنودها لعبا للاطفال . وتبنى تنظيم القاعدة في العراق الذي يتزعمه المتطرف الاردني ابو مصعب الزرقاوي معظم هذه الهجمات.
واثر عملية تفتيش نفذتها قوات مسلحة اميركية الشهر الماضين تم الافراج عن حوالى 170 معتقلا في غالبيتهم من السنة من سجن تتولى ادارته وزارة الداخلية العراقية في بغداد تعرض فيه سبعة معتقلين على الاقل للتعذيب بينما حرم اخرون من الطعام والمياه والعناية الطبية وادى ذلك الى زيادة المخاوف من وقوع حرب اهلية .

hellip; ان العراقيين وهم على اعتاب دخول عام جديد هو 2006 فأن الامل يحدوهم لان يكون وطنهم اكثر امنا واستقرارا وتطورا وانتعاشا اقتصاديا لهم .. والاكثر من ذلك هو الحفاظ على وحدتهم الوطنية المهددة ليست نتيجة المحاض العراقي بكل تداعياته فحسب لكنها ايضا من توابع الزلزال الذي ضرب العراق ربيع عام 2003 بالتخلص من اعتى نظام حكم العراق لمدة 35 عاما بسلطة الحزب الواحد .. ومن المؤكد ان العراقيين يصلون الان من اجل ان تنجح النوايا المخلصة في انقاذ العراق من اخطر ازمة تخندق سياسي وطائفي وعرقي حزبي توسع شعبيا وذلك بالتوصل الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها جميع القوى العراقية وبشكل ينهي جميع الرغبات الشريرة في السيطرة مذهبيا او عرقيا _ مهما كان المذهب او العرق _ على مقدرات البلاد ومصير شعبها حاضرا ومستقبلا .