أسامة مهدي من لندن: بدأت شخصيات سياسية وعشائرية واجتماعية عراقية بالوصول الى عمان من داخل العراق وخارجه للمشاركة في نقاشات مكثفة مع رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي للاتفاق على الخطوط العريضة لتحالف جديد موسع ضد رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري. ويهدف هذا التحالف الليبرالي الديمقراطي العريض الذي يعتزم الاعلان عنه منتصف الشهر المقبل الى خوض الانتخابات المقبلة منتصف كانون الاول (ديسمبر) المقبل لاختيار برلمان وحكومة جديدين في ظل انهيار واضح للاوضاع الامنية والخدمية في البلاد .

واكدت مصادر قريبة من علاوي تحدثت مع "إيلاف" اليوم ان لقاءات علاوي في العاصمة الاردنية تشمل وزراء سابقين ورؤساء عشائر ورؤساء حركات سياسية وضباط في الجيش العراقي القديم من الذين لم يرتكبوا جرائم ضد العراقيين، اضافة الى بعثيين سابقين انشقوا عن نظام الرئيس السابق صدام حسين. وقالت ان الاعلان عن التحالف الجديد سيتم في مؤتمرعام يعقد في بغداد منتصف الشهر المقبل بحضور حوالي الف شخص، مشيرة الى ان الاتصالات التي يجريها علاوي الان تأتي للاتفاق على الخطوات الاخيرة لعقد هذا المؤتمر .

واجرى علاوي وهو الامين العام لحركة الوفاق الوطني ورئيس الكتلة العراقية الممثلة باربعة واربعين عضوا في الجمعية الوطنية (البرلمان) امس محادثات مع عدد من المسؤولين المصريين على رأسهم الرئيس المصري حسني مبارك اثر وصوله الى القاهرة على متن طائرة خاصة، كما كان اجرى اتصالات مع مسؤولين اماراتيين كبار وشخصيات عراقية مقيمة في دولة الامارات بينها عدنان الباجة جي رئيس تجمع الديمقراطيين المستقلين الذي سينضم الى تحالف علاوي. واشارت مصادر غربية الى ان اتصالات علاوي العربية و العالمية التي يواصلها في جولته الحالية تجسد دور رجل دولة عصري في بلد يواجه محنة و ليست مجرد تحركات عضو في الجمعية الوطنية العراقية.

والتقى علاوي في القاهرة ايضا عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية و عددا من مساعديه لبحث آخر المستجدات على الساحة العراقية و متابعة سبل تحقيق الإلتزامات القانونية و الدستورية في تعجيل العملية السياسية في العراق . وأكد موسى أن الوضع في العراق "حساس جدا وأنه يحتاج الى وجود عربي وأنه من المهم أن نكون متواجدين هناك ولا نترك الساحة فارغة من التمثيل العربي". وأشار موسى الى أنه أخطر الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان بقرار القمة العربية الاخيرة في الجزائر بفتح مكتب للجامعة العربية في بغداد، مؤكدا أنه تم اختيار شخصية عربية تمثل الجامعة هناك لكنه لم يحدد موعدا لارسال هذا المبعوث.

وحول جدوى إجراء حوار بين المسلحين دون بقية الطوائف العراقية والحكومة العراقية لتهدئة الاوضاع قال علاوي إن "مسألة الحوار ومكونات المجتمع العراقي في عملية تكريس الوحدة الوطنية مسألة أساسية ولكن القوة وحدها لن تجدي والحوار الجاري الان يجب أن يتوسع ويضم جميع شرائح المجتمع العراقي بهدف تعميق الوحدة الوطنية ودفع العملية السياسية للامام".

وقالت المصادر ان جولة علاوي العربية التي شملت ايضا سورية والاردن تأتي في اطار تطلع علاويالى قيامهذه الدول بدورها في مساعدة العراق "لان استقراره هو استقرار للمنطقة".

واوضحت المصادر انه بالترافق مع جهود علاوي الخارجية حول المؤتمر المقبل الذي ستشارك فيه 250 منظمة سياسية وعشائرية ودينية ومهنية للمجتمع المدني، فان نقاشات مكثفة تجري في الداخل للغرض نفسه، حيث شهدت بغداد امس اجتماعا حضره ممثلون عن 34 حزبا وحركة سياسية، اكد خلاله احد مساعدي علاوي وعضو قيادة الوفاق عبد الجليل محسن "ان الوضع العراقي الراهن بدأت تحكمه وتحدد مساراته وتضبط توجهاته معادلة سياسية في غاية الخطورة والتعقيد بحيث اصبحت القضية العراقية قضية مكونات عنصرية وطائفية بكل ما يعنيه هذا التعبير ما يستدعي اعداد نسيج نموذجي جديد للعلاقات بين القوى الوطنية العراقية والتيارات السياسية والفكرية لتعزيز الوحدة الوطنية واقامتها على اسس واضحة ورصينة". واشار الى ان من اهم عوامل نجاح هذه العملية ان تكون العلاقات بين الاطراف السياسية علاقات استراتيجية وفق برنامج وطني سياسي قويم وليس مجرد خطوات تكتيكية انية وان تبني ذلك على اساس توسيع مساحة التوافق والتفاهم المشترك وتضييق نقاط التعارض وفقا لثوابت المرحلة وتعزيز قواعد العملية الديمقراطية التي من ابرزها على الاطلاق الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين التيارات السياسية وبناء مؤسسات الدولة وتحقيق التنمية وعدم تدخل الجوار بالشأن العراقي وان هذا لا يتم الا في صيغة مؤسسية تشارك فيها جميع التيارات والقوى السياسية والوطنية وفق برنامج سياسي وطني" .

وقال ان هذا التحالف السياسي الاجتماعي الليبرالي الديمقراطي العلماني سيكون رافضا للطائفية والعنصرية وقد يطلق عليه (اتحاد القوى الوطنية العراقية) بهدف عودة قوية الى السلطة بقصد ترصين الدعوة إلى تنشيط التيار السياسي الإجتماعي الداعي إلى تحرك السلطة و المجتمع من أجل تحقيق التطلعات الوطنية الديمقراطية للشعب العراقي في إقامة دولة حرة ديمقراطية إتحادية ينعم فيها المواطنون بحقوقهم الأساسية العامة و الخاصة ورفض إملاءات الآخرين من منطلق برنامج عمل عراقي صميم يضع العراق أولاً و قبل كل شيء و غاية في خاتمة كل شيء من اجل ضمان رفاهية المواطن في ظل الأمن و الإستقرار" كما قالت.

واشارت المصادر الى ان اتصالات علاوي تشمل 215 حزباً ومنظمة سياسية و اجتماعية و إنسانية عبرت عن قلقها "من الضبابية التي تسود الوضع السياسي حيث أخذت ظواهر الإقصاء و التهديد و الإجراءات والإتهامات التعسفية تطفو على سطح الحياة العامة ووصول الأمر أحياناً الى قتل الخصوم أو تهديدهم بالقتل" واضافت ان هذه القوى والشخصيات التي يلتقيها علاوي اجمعت على الحاجة الملحة إلى إعلاء الخطاب السياسي - الإجتماعي الإقتصادي الداعي إلى الدفاع عن وحدة المجتمع و ترصينها والوقوف بوضوح و صراحة و بفعالية ضد القرارات والإجراءات الرامية إلى إضعاف تماسك بنية المجتمع الوطني الإتحادي" .

وكشف الامين العام لمجلس شيوخ العشائر العراقية والعربية الشيخ علي الفارس الدليمي عن اتفاق توصلت اليه قوى وطنية عراقية مع علاوي لـتشكيل تحالف وطني يضم مختلف القوى الوطنية استعداداً لخوض العملية الانتخابية المقبلة".

وقال الدليمي في تصريح صحافي "لقد حضرنا اجتماعاً بناء على دعوة من الدكتور اياد علاوي جرى خلاله حديث مفصل تناول مجريات الاحداث في العراق منذ سقوط النظام السابق والى الآن" وأضاف ان الاجتماع الذي ضم قوى وطنية عراقية متعددة انتهى إلى الاتفاق على تشكيل تحالف وطني يعتمد اسس المواطنة ورفض الطائفية والعنصرية . وانتقد الدليمي اداء حكومة الجعفري التي قال انها تسعى إلى تكريس الطائفية عبر شنها حملة اعتقالات واسعة في المناطق السنية، بحسب ما قال، مشيرا الى ان هناك بعض الأحزاب في التحالف الحاكم تحاول جر البلاد إلى فتنة طائفية نتيجة استعمالها سياسة ضيقة النظر في التعامل مع ابناء الشعب العراقي"، وشدد على ضرورة التفريق بين (المقاومة) و (الإرهاب)، وقال "اننا على اتم الاستعداد لتقديم المشورة للحكومة لبسط الأمن، بالطريقة التي تضمن الحفاظ على كرامة جميع العراقيين".

وتابع الدليمي: "ان الاجتماع تناول مسألة اجتثاث حزب البعث، وأوصى بتفعيل أجهزة القضاء لاتخاذ دوره في حسم تلك القضية، فضلاً عن مناقشة اعادة منتسبي الجيش العراقي المنحل إلى القوات المسلحة، كما شدد الاجتماع على ضرورة بناء الجيش وفق اسس المواطنة والولاء للشعب قبل كل شيء". وأشار الدليمي إلى "ان المجتمعين ابدوا رغبتهم في الانضمام إلى تحالف علاوي لشعورهم بأن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر الجهود الوطنية لانقاذ العراق من أي مخطط طائفي".

وقال مصدر في المكتب السياسي لحركة الوفاق إن أمينها العام علاوي واعضاء المكتب سيواصلون إتصالاتهم بكل الأطراف من أجل تجاوز سلبيات الممارسة الإنتخابية الأولى و الدعوة إلى عدم إقحام الدين في السياسة مع الحرص الكامل على الإسترشاد بالإسلام وقيمه الجليلة منهلاً سامياً في الشورى و الرحمة. واوضح ان برنامجا سياسيا للاتحاد الجديد سيتم الاتفاق عليه من اجل تحقيق التطلعات الوطنية الديمقراطية للشعب العراقي في إقامة دولة حرة ديمقراطية إتحادية ينعم فيها المواطنون بحقوقهم الأساسية العامة و الخاصة ورفض إملاءات الآخرين من منطلق برنامج عمل عراقي صميم يضع العراق أولاً و قبل كل شيء و غاية في خاتمة كل شيء من اجل ضمان رفاهية المواطن في ظل الأمن و الإستقرار.

وقد امتدت اتصالات علاوي الى اقليم كردستان العراق حيث سافر الى مدينة اربيل مطلع الشهر الحالي واجتمع مع الزعيم الكردي مسعود البارزاني المرشح لرئاسة الاقليم الذي وجه انتقادات للبرنامج السياسي لحكومة رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري وعدم اشارته الى قانون ادارة الدولة كاساس لعمل الحكومة وكذلك الى الخطوات التي تزمع اتخاذها لتطبيع الاوضاع في كركوك وعدم اشارته الى برلمان كردستان كمؤسسة تشريعية منتخبة .

كما تباحث الطرفان في وسائل تكاتف الكتلة البرلمانية للقائمة العراقية التي يتزعمها علاوي والكتلة البرلمانية للتحالف الكردستاني في ظل خلافاتها مع قائمة التحالف الشيعي اضافة الى دعم العملية السياسية في إرساء مؤسسات المجتمع المدني الديمقراطي . واكد الرجلان ضرورة أن يصبح قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية أساسا لعمل الحكومة في المستقبل كما ناقشا مسائل تتعلق بالعملية السياسية والبرنامج السياسي للحكومة الحالية وأكد الجانبان ضرورة أن يكون البرنامج السياسي شموليا بحيث يشتمل على إعادة الإعمار والمجالات المختلفة الأخرى. وأبدى البارزاني ملاحظاته حول البرنامج السياسي للحكومة وتوقف عند عدم الإشارة إلى قانون إدارة الدولة كأساس لعمل الحكومة في المستقبل وعدم التحدث عن خصوصية إقليم كردستان وإغفال ذكر برلمان الإقليم وعدم الإشارة إلى مراحل تطبيع الوضع في كركوك. كما تناول الاجتماع مسألة كتابة الدستور الدائم وأكد الطرفان ضرورة أن تكون هذه العملية على أساس توافقي ومن جهته أشار علاوي إلى أهمية التنسيق المشترك بين جميع الأطراف المعنية فيما حذر البارزاني من تهميش أي طرف أثناء كتابة الدستور الذي يجب أن يعبر عن حقوق جميع القوميات والأديان والمذاهب.

وفي حملته هذه للعودة الى السلطة يوجه علاوي انتقادات حادة للحكومة الحالية مؤكدا أن الأوضاع الأمنية في العراق كانت أفضل بكثير إبان فترة حكومته الموقتة مما هي عليه الآن خلال فترة الحكومة الانتقالية التي يترأسها إبراهيم الجعفري. وأبلغ علاوي صحيفة" ديلي تليغراف اللندنية "عندما كنا في السلطة كان لدينا برنامج غطى مرحلة ما بعد الانتخابات كما كان الأمن أفضل وكذلك الكهرباء والخدمات التي بدأت بالتحسن في عهدنا"، مشددا على أن الحكومة الراهنة أخفقت في التعامل مع هذه الجوانب وقال "نحن نعلم أننا نمتلك الخبرات في جميع هذه المجالات لتطوير الخدمات".

وكان علاوي رفض الانضمام إلى حكومة الجعفري غير أنه لم يتخلَ عن طموحاته السياسية وقام مؤخراً بجولة لعدد من الدول العربية التقى خلاها الرئيسين المصري حسني مبارك والسوري بشار الاسد والعاهل الاردني الملك عبد الله اضافة الى لقاءات اخرى في دولة الامارات وشخصيات عراقية بينها بعثية سابقة في دول عربية واوروبية .

وفي تصريح صحافي تحدث مسؤول اميركي رفض الاشارة الى اسمه قائلا ان علاوي "لديه الكثير من الوسائل إذا اختار أن يستعملها" مضيفا " إلاّ أن عليه أن يختار استخدامها تحت خيمة كبيرة". وهذا ربما يعني عودة السياسيين العلمانيين إلى السلطة وهو ما يعاكس التوجه السائد في البلاد ألا وهو تمركز السياسة والمجتمع على الأسس العرقية والدينية. وعلى افتراض أن بمقدور العراقيين تجنب الصراع الطائفي المتزايد، فسيكون على كتلة علاوي العلمانية أن تكسب وتسحب السنة الاكراد العلمانيين من تحالفهم مع الاحزاب الشيعية الدينية ودعم حتى الاحزاب الدينية السنية.

وفي مقابلة صحافية مؤخرا قال علاوي انه خسر السلطة لانه كان مشغولاً جداً بالحكومة بعيدا عن تركيزه على بناء التحالفات موضحا انه رفض تسلم دور في الحكومة الجديدة لأن اعضاءها في النهاية قد يوافقون على شرط واحد فقط من شروطه وهو الالتزام بالمواعيد النهائية لإعداد مسودة الدستور الجديد بحلول شهر آب (اغسطس) المقبل وإقامة انتخابات جديدة منتصف كانون الاول (ديسمبر) المقبل في حين رفضت طلباته الأخرى مثل الاعتدال في موضوع اجتثاث البعث ولايزال علاوي يقضي الكثير من وقته محاولاً استغلال علاقاته "لوضع حد للارهابيين" كما يقول وهذا يعني إقناع السنة المعارضين للحكومة الجديدة بأن أفضل وسيلة للقتال هي عن طريق صناديق الاقتراع .