نبيل شرف الدين من القاهرة : في موجة جديدة من الحراك السياسي الذي بات الشارع المصري يموج به على نحو لافت خلال الشهور الأخيرة، شهدت القاهرة اليوم الخميس مصادمات ربما كانت الأسوأ من نوعها بين صحافيين حاولوا تسيير مظاهرة دعت إليها حركة "صحافيون من اجل التغيير" من أمام مقر النقابة إلى مجلس الشعب (البرلمان)، لاحتجاجهم على التعديلات الأخيرة لقانوني مباشرة الحقوق السياسة، و تأسيس الأحزاب السياسية، اللذين تضمنا بنودا تفرض مزيداً من القيود على التغطية الصحافية للانتخابات، فضلاً عن تغليظ العقوبات في هذا الصدد لتصل إلى ستة شهور على الأقل، بالإضافة لفرض غرامات مالية كبيرة .
و يتضمن قانونا العقوبات و الصحافة في مصر مواد تعاقب بالحبس مدة تصل إلى سنتين و غرامة تصل إلى 20 ألف جنيه مصري في قضايا القذف و السب عن طريق النشر، كما تضمن قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي أقره البرلمان المصري الأسبوع الماضي عقوبة الحبس ستة أشهر و غرامة تصل إلى خمسة آلاف جنيه مصري لكل من ينشر معلومات يتسبب نشرها في تأثير سلبي على نتائج الانتخابات أو تتضمن طعنا في أي مرشح .

وقائع الصدام
و بدأ الصدام اليوم حينما شرع الصحافيون الذين بلغ عددهم نحو مائتين تقريباً في التحرك من أمام النقابة وسط القاهرة، صوب مقر البرلمان الذي يقع بشارع "قصر العيني" وسط العاصمة المصرية، حتى منعتهم قوات الأمن التي احتشدت على نحو مكثف، و دارت في البداية مناقشات بين الصحافيين و قيادات الأمن، الذين عرضوا عليهم التحرك في حافلات توفرها وزارة الداخلية لهذا الغرض، متعللين بازدحام المدينة في وقت الذروة، و عدم احتمالها هذه المسيرة، غير أن الصحافيين رفضوا ذلك و أصّروا على التوجه إلى مقر البرلمان سيراً على الأقدام، و تعهدوا بعدم الإقدام على أي عمل من شأنه تعطيل حركة السير، و بالطبع عدم المساس بالممتلكات العامة أو الخاصة، و هو ما رفضته أيضاً سلطات الأمن ليشتعل الموقف بعد ذلك، و يصل لحد التدخل بالقوة لمنع مسيرة الصحافيين .
و إزاء ما حدث من إصرار الصحافيين على موقفهم، و رفض الأمن لمسيرتهم السلمية، فقد اكتفى بعض الصحافيين بالوقوف على درج مقر نقابتهم، و رددوا هتافات و رفعوا شعارات تطالب بالاصلاح، بينما قام آخرون ـ من بينهم عضو بمجلس النقابة ـ بالجلوس في عرض الطريق، و على الفور أغلقت قوات الأمن الطريق و حشدت عدداً ضخماً من جنود الأمن المركزي لتطويق مسيرة الصحافيين، الذين راحوا يرددون هتافات تندد بالنظام الحاكم، و لوحوا بلافتات سوداء كتب عليها باللون الأبيض عبارات مثل : "مصر واحدة من 14 دولة فقط تحبس الصحافيين" و" لن نسمح بحزب الفساد و أعداء حرية التعبير بخنق حرية الصحافة"، "و أين ذهب وعد الرئيس مبارك بإلغاء الحبس في قضايا النشر"، في إشارة إلى وعد رئاسي للصحافيين كان قد نقله صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، و جلال عارف نقيب الصحافيين، في جمعيتهم العمومية الأخيرة العام الماضي .

الحبس و الإصلاح
و أثارت نصوص تضمنها قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي أقره البرلمان المصري مؤخراً، جدلا واسعا في صفوف الصحافيين في مصر، و خصوصا المادة التي تقضي بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر و غرامة لا تقل عن ألف جنيه و لا تتجاوز خمسة آلاف جنيه لكل من نشر أو أذاع أقوالا أو أخبارا كاذبة عن موضوع الانتخابات أو الاستفتاء أو عن سلوك أحد المرشحين أو عن أخلاقه، مع علمه بذلك بقصد التأثير في نتيجة الانتخابات أو الاستفتاء .
من جانبه قال الكاتب الصحافي صلاح عيسى، رئيس تحرير صحيفة (القاهرة) الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية، أنه لا شك بأن هناك دوائر داخل الحكومة معادية لحرية الصحافة بقوة تعارض إلغاء هذا القانون، و دوائر أخرى تعارض إصدار القانون الجديد، بحجة أنه يمكن أن يطعن عليه بعدم الدستورية، و بحجة أن إلغاء قانون حبس الصحافيين يتطلب مراجعة قانون العقوبات والمواد القانونية المقيدة للحريات، لذلك فالأمر يحتاج إلى جهد من الطرفين: نقابة الصحافيين و الحكومة لأنه من المصلحة العامة إلغاء قانون حبس الصحافيين، و أن ذلك سينتج عنه مزيد من الحرية والديمقراطية و حرية التعبير .
و يحتوي قانون العقوبات المصري على مواد تجيز حبس الصحفيين في قضايا القذف و السب بطريق النشر الصحافي مدة قد تصل الى أربع سنوات بخلاف غرامات تصل الى 20 ألف جنيه (3200 دولار)، و قضى سبعة صحفيين على الاقل فترات حبس وصلت احداها على الاقل إلى سنة خلال السنوات السبع الماضية تطبيقا لتلك المواد. كما صدرت عشرات أخرى من أحكام الحبس أوقف تنفيذها في مرحلة الاستئناف الى أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في دعاوى بعدم دستورية تلك المواد. كما تنظر المحاكم الجنائية بمختلف درجاتها مئات أخرى من الدعاوى القضائية ضد صحافيين من مختلف التوجهات .