نبيل شرف الدين من القاهرة : على الرغم من أن القضاة المصريين ـ ممثلين بمجلس إدارة ناديهم الذي يضم نحو ثمانية آلاف قاض ـ لم يحسموا أمرهم بعد بشأن قبول الإشراف على الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ سيعقدون جمعية عمومية في الثاني من أيلول(سبتمبر) المقبل، أي قبيل يوم الاقتراع بخمسة أيام فقط، لاتخاذ قرارهم النهائي في هذا الصدد، إلا أن كلاً من المستشار ممدوح مرعي، رئيس اللجنة الخاصة بالانتخابات الرئاسية، والمستشار أسامة عطاوية، أمينها العام، والمتحدث الرسمي باسمها قطعا بشكل حاسم برفض أي شكل من أشكال الرقابة الدولية، من قبل المنظمات الأهلية الناشطة في حقل حقوق الإنسان على الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما أكد المسؤولان قدرة اللجنة التي شكلت بموجب قانون انتخابات الرئاسة الجديد، على تحقيق إشراف قضائي كامل على العملية الانتخابية، وهو التوجه الذي رفضته عدة منظمات حقوقية مصرية، ‏مطالبة بمنح المنظمات الدولية الحق في مراقبة الانتخابات إلى جانب المنظمات المصرية .
جدير بالذكر أن ائتلافاً يضم 35 منظمة غير حكومية مصرية سبق أن بعثت بخطابات إلى كل من وزيري العدل والداخلية ورئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية وذلك لتسهيل مهمة هذه المنظمات في مراقبة الانتخابات الرئاسية، ولكنها لم تتلق أي رد رسمي حتى الآن، كما صرح بذلك لـ (إيلاف) شريف منصور منسق اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات في مركز "ابن خلدون" للدراسات الإنمائية في مصر .

الرقابة والسيادة
وطوال الأيام الماضية بدا واضحاً من خلال تصريحات أدلى بها عدة مسؤولين رسميين أن رد الفعل الرسمي المصري قد اتسم بالحدّة في رفض أي رقابة دولية، مبرراً ذلك بما أسماه هؤلاء المسؤولين، ولعل أبرزهم أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري، "التمسّك بمعايير السيادة الوطنية"، فضلاً عن أن "اضطلاع القضاء بالإشراف الكامل على الانتخابات من شأنه حسم هذا الأمر"، وأضاف أن "معظم أعضاء اللجنة الخاصة بالانتخابات الرئاسية، من كبار رجال القانون، الأمر الذي تنتفي معه عملياً الحاجة إلى أي رقابة دولية"، كما ذهبت إلى ذلك آراء وتصريحات عدد من المسؤولين الرسميين المصريين في هذا السياق .
وفي أحدث تصريحات أدلى بها اليوم الاثنين، قال المستشار أسامة عطاوية المتحدث الرسمي باسم اللجنة الخاصة بالانتخابات الرئاسية إن اللجنة اتخذت من الإجراءات ما ‏يحقق الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، ولا يمكن أن يقبل أحد أن تكون هناك رقابة ‏على عمل القضاة، لأن ذلك يشكل مساساً بهيبة السلطة القضائية"، وأضاف "أن الدستور المصري والقوانين تعطي للقضاء سلطة وحق الإشراف على ‏الانتخابات وبالتالي فإن هذا النظام التشريعي لا يسمح بوجود رقابة دولية أو من منظمات داخلية"، على حد تعبيره .
وفي تصريحات سابقة حسم الباز الأمر بقوله إن "مصر دولة ليست تحت الوصاية حتى تقبل بمراقبين دوليين للإشراف على الانتخابات الرئاسية"، وأضاف قائلاً إن هناك رقابة قضائية كاملة على الانتخابات، فضلا عن وجود وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الأجنبية التي ستغطي أحداث الانتخابات كاملة"، لافتاً إلى أن "هذه الانتخابات تتسم بكونها نزيهة نظرا لوجود تعدد المرشحين فيها، وأن الناخب لديه القدرة على الاختيار والمشاركة بكل حرية في هذه الانتخابات"، على حد تعبير المستشار السياسي لمبارك .

الرقابة والشفافية
في الجانب الآخر تقف العديد من المنظمات الحقوقية المصرية، التي يتبنى القائمون عليها آراء لا تخلو من الوجاهة، إذ يذهبون إلى أن الرقابة على الانتخابات باتت عرفا دولياً لا يمس السيادة الوطنية من قريب ولا من بعيد، وأن مصر ذاتها شاركت في عدة مهام رقابة على انتخابات جرت في دول عربية وغير عربية، وأن مفهوم السيادة الآن لا يعني إطلاقا إنكار حق المجتمع الدولي في ممارسة الشفافية في شأن داخلي مهم ستكون له تداعياته الإقليمية وربما الدولية، وأن البيئة الدولية في الوقت الراهن معبأة بالمزيد من الضغوط، وأن السماح برقابة خارجية لن يسقط حُجج تلك الضغوط المتنامية يوماً بعد الآخر، بل من شأن ذلك أن يجنّب بالتالي البلاد كثيرا من التحفظات والانتقادات التي هي في غنى عنها، فضلاً عن ضرورة الاعتراف بأن المجتمع بحاجة بالفعل إلى ما يطمئنه الى أن انتخاباته الرئاسية والبرلمانية تحترم قيم المجتمع الدولي المتمثلة في العدل والشفافية .
يأتي هذا في الوقت الذي أشار فيه المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض، إلى تمسك نادي القضاة بتعريف الإشراف القضائي كما حددته المحكمة الدستورية العليا في أن يكون قيد الناخب وإدلاؤه بصوته في سرية وتحت سمع القاضي وبصره، لافتاً إلى أن القضاة سيعقدون جمعيتهم العمومية في الثاني من أيلول (سبتمبر) المقبل، موضحاً أن هناك وجهتي نظر تتنازعان هذه الجمعية، الأولى تذهب إلى أن مطالب القضاة لم يُستجب لها بعد، مما يستوجب معه تنفيذ قرار الجمعية العمومية الأخيرة في هذا الشأن بالامتناع عن الإشراف القضائي على الانتخابات المقبلة، بينما ترى وجهة النظر الأخرى الترحيب بما تحقق حتى الآن والإشراف على الانتخابات، وهو ما ستحسمه الجمعية العمومية المقبلة .