استبعاد 1500 قاض من الإشراف على الانتخابات
بوادر أزمة بين الحكومة والقضاء في مصر

نبيل شرف الدين من القاهرة : قبيل أيام معدودات على انعقاد الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر، والتي يترقبها الشارع السياسي بشغف كبير، إذ من المقرر أن يحسم خلالها القضاة موقفهم حيال الإشراف على الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم السابع من أيلول (سبتمبر) القادم، فقد رصدت عدة دوائر محلية حالة من التذمر والاستياء بين القضاة الذين استبعدهم المستشار ممدوح مرعي، رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات، من الإشراف على العملية الانتخابية الرئاسية، الذين وصل عددهم ـ وفق مصادر في نادي القضاة ـ إلى ما قد يتجاوز 1500 قاض، نصفهم تقريباً من قضاة مجلس الدولة (القضاء الإداري) من درجات نائب رئيس المجلس ووكيل ومستشار، الأمر الذي أعلن معه مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة أنه في حالة انعقاد دائم لحين تسوية الأزمة، لافتاً إلى أنه سيخاطب رئيس اللجنة رسمياً لتوضيح أسباب ودوافع قرار الاستبعاد الذي وصفه بأنه "بني على أسس ومعايير غير موضوعية"، على حد تعبير مصدر بمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة في مصر . من جانبه علق المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض المصرية، على هذا التطور قائلاً "إن القضاة المستبعدين هم من أصحاب المواقف المناهضة للحكومة، والتي عبروا عنها في الجمعية العمومية السابقة لنادي القضاة، عندما طالبوا بإشراف قضائي كامل على الانتخابات" .
تجدر الإشارة هنا إلى أنه يوجد في مصر نحو 54 ألف صندوق اقتراع بينما لا يتجاوز عدد القضاة 11 ألفا، ويتطلب الإشراف القضائي الكامل أن يسيطر قاض على عملية الاقتراع في كل صندوق، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا في حالة إجراء عملية الاقتراع على عدة أيام، وهو ما استبعده قانون الانتخابات الرئاسية الذي جرى تمريره أو إقراره مؤخراً في مجلس الشعب (البرلمان) رغم رفض العديد من نواب المعارضة والمستقلين، غذ يشكل نواب الحزب الوطني (الحاكم) غالبية ساحقة في البرلمان .

انشقاق ومداولات

في الجانب الآخر من المشهد، علق مصدر في الحزب الوطني (الحاكم) على ذلك متوقعاً أن يبادر في وقت لاحق رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات بنفي الأمر برمته، معتبراً أن هذا القرار يصعب تقبله تحت أية مبررات، وأن أغلب ظنه أنه لم يصدر بالأساس"، على حد تعبير المصدر الحزبي الرفيع الذي توقع أن تنفي لجنة الانتخابات استبعاد قضاة بعينهم من الإشراف على الانتخابات . من جهة أخرى نفى مصدر بنادي القضاة وجود انشقاق في موقف القضاة المصريين، حيال الإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، فقد أعلن تمسكهم بالإشراف على أية انتخابات قادمة"، لافتاً إلى عدم الاعتداد بأي رأي ينسب للقضاة، "إلا إذا كان صادرا عن جمعيتهم العمومية"، وهو التطور الذي وصفه الفقيه القانوني البارز الدكتور يحيى الجمل، بأنه وضع خطير وغير مسبوق أن ينقسم الرأي في شأن عام على هذا النحو خلال هذه المرحلة تحديداً، ومؤكداً أن الجمعية العمومية لنادي القضاة مظلة شرعية تاريخياً لكل القضاة المصريين، وهي بمنزلة "نقابة القضاة"، ولقراراتها حجية متعارف عليها منذ عقود طويلة"، مضيفاً أن القضاة اعتادوا تجاوز أي خلاف بالمداولات الهادئة.

وانتقل قضاة مصر إلى بؤرة الخلاف بين مؤيدي مبارك ومعارضيه، ونشرت الصحف المحلية عدة بيانات عبروا فيها عن مواقفهم حيال الإشراف على الانتخابات، ولوحوا بعدم الإشراف عليها ما لم يخولوا مراقبة العملية بأكملها، ويحصلوا على ضمانات بالاستقلال عن السلطة التنفيذية، وهو القرار الذي يمكن أن يضع الحكومة في موقف حرج باعتبار أن الدستور المصري يوجب الإشراف القضائي على الانتخابات، الأمر الذي قد يحول دون مشروعية أية انتخابات تجرى بعيدا عن إشراف القضاء، أو يشكك في صحة نتائجها . من جانبه جدد المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي القضاة حرص قضاة مصر على أداء واجبهم في الإشراف على الانتخابات، طالما انه إشراف حقيقي وتام وفعلي، مؤكداً أن قضاة مصر حريصون على منع التزوير أو تزييف إرادة الأمة، ويرفضون أن يكونوا أداة بيد السلطة لتزوير إرادة الأمة، وأن أي محاولة لإبعاد القضاة عن الإشراف الكامل على الانتخابات التي تجرى في مصر من شأنه أن يصطدم بشبهة عدم الدستورية"، على حد تعبير رئيس نادي قضاة مصر، الذي تقدره شتى الأوساط المصرية المتباينة .
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه من بين أبرز مطالب الجمعية العمومية لنادي القضاة، اختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى بالانتخاب الحر المباشر بين كافة القضاة بدلاً من الوضع الراهن، وهو ما تضمنه مشروع القانون الخاص بالسلطة القضائية الذي تقدم به القضاة، وتتحفظ عليه وزارة العدل التي تعد مشروعاً آخر يتحفظ عليه القضاة .