عامر الحنتولي من عمان: منذ عقود طويلة ظلت علاقات الأردن مع جاره الشمالي سوريا مثار جدل وتجاهل وأزمات صامتة ومتفجرة تشبه حكاية المد والجزر، فعمان تأخذ على دمشق انغلاقها ونظرها بارتياب لخطوات الأردن في محيطه، فيما ظلت دمشق تأخذ على الأردن اندفاعه لمشاريع الولايات المتحدة في المنطقة، وتحالفه المتنامي مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، حيث كانت سوريا ربما تنظر بحسد لجارتها الجنوبية الأردن التي حافظت على كيانها ونظامها منذ نشأته في أصعب الظروف وأدقها خطورها، فيما كانت سوريا قبل حكم حزب البعث الحالي تنام على انقلاب وتستيقظ على انقلاب آخر، حتى موعد الإنقلاب الأخير الذي أتاح للأردن فرصة للتنفس وقاده الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي اقترب من الحكم الهاشمي في الأردن بشدة راغبا في الوحدة مع الأردن التي تحققت جزئيا خلال سنين حكم الجنرال الأسد الأولى قبل ان تبدأ عمان بمباعدة خطواتها نحو دمشق على اعتبار انه لاتلاقي بتاتا بين مناهج الحكم في عمان ودمشق، إذ كانت عمان بقيادة الملك الراحل حسين بن طلال تظن ان مشاريع وخطوات البعث في دمشق لن توفر للأردن ضمانات استمرار الحكم والنمو في بيئة سياسية صعبة ومعقدة، فكل ذهب الى اتجاهه مع احتفاظ علاقات البلدين بسخونتها بل وبالتقارب وبالتنسيق إلا ان دمشق ظلت على تحسسها من التقارب مع الأردن، وكانت تفضل ابعاد الأردن والتشكيك بكتمه للسر العربي.

كان المراقبون للحال الأردني السوري جفاء وتصعيد وتقاربا يعتقدون بأن رحيل الملك حسين عام 1999 وبعده بعام رحيل حافظ الأسد ووراثة ابنيهما عبدالله وبشار الحكم في عمان ودمشق سيغير كثيرا من الحال، وسيدفعهم الى التقارب الحتمي بسبب أفكارهم الشابة، إلا انه بعد أقل من عامين على التقارب الشكلي والزيارت البروتوكولية وتصريحات المجاملة والتضامن، انحاز عبدالله وبشار كل الى طريقة والده في الحكم ولو بشكل مستتر غير معلن، فبدا انه ليس الحكم وحده الذي ورثه عبدالله وبشار بل ورثا أيضا عن والديهما التشكك بالآخر وتباعد مقاصد الخطوات فسوريا بشار الأسد أوغلت في انتقاد أردن عبدالله الثاني بل والتشهير بتقارب الأردن من الولايات المتحدة والحماسة لمشاريعها السياسية في منطقة الشرق الأوسط، فكان ماكان من جفاء العلاقات والتهميش للآخر، حتى جاءت لحظة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري العام الماضي، وهي أزمة طوقت العنق السوري بأغلال العزلة والإنغلاق الذي ظل النظام السوري وفيا له، فلم يجد القادة السوريون قناة اتصال واحدة مع الولايات المتحدة، حيث قام الأسد بزيارة للأردن يطلب فيها من الملك عبدالله الثاني ان يكون لسان حاله مع الأميركيين بأي مشاريع لتسوية أزمة الحريري، بل زادت سوريا الأسد على ذلك بأن دفعت بسفير جديد لها الى عمان هو علي الحاج حمود وهو جنرال سابق في الإستخبارات العسكرية في مسعى لتمتين العلاقات مع عمان.

لاحقا وبعد وساطة أردنية في واشنطن لم يكتب لها النجاح اتهمت دمشق عمان بأنها لم تنقل للإدارة الأميركية الرسالة السورية على حذافيرها، بل أطبقت أضلاع مربع الأزمة عليها، وفتحت العنان لإعلامها كي يسب ويشتم الأردن ودوره الخفي، وهي أزمة ظل الأردن صامتا عليها بل ومنع اعلامه من التعرض لسوريا بشيء من النقد، حتى انه كان يندر ان تجد انتقادا لسوريا في صحافة الأردن واعلامه الرسمي، حتى وصف المراقبون موقف عمان ذاك بأنه لايعدو عن كونه تريثا في اجراءات الطلاق مع دمشق، إذ ظلت الحكومة الأردنية تتخذ من الأزمة السورية اللبنانية موقفا واحدا هو تأييد القرار 1559 الداعي لإنسحاب القوات الأجنبية من لبنان والعمل دوليا للوصول الى قتلة رفيق الحريري الذي يعرف بالصهر الأردني على اعتبار انه زوجته الثانية هي نازك عودة ذات الأصول الفلسطينية الضاربة في مدينة نابلس لكنها ولدت في الأردن، ناهيك عن المشاريع التي اقامتها في الأردن.

وتثير زيارات وجولات المسؤولين السوريين المكوكية والمفاجئة لدول الجوار الأردني من فوق سماء عمان عتبا أردنيا يرتقي الى حد الغضب من استثناء الأردن من تلك الجولات التي يقوم بها بشار الأسد ووزير خارجيته فاروق الشرع، وكذلك القائد الفعلي لدبلوماسية سوريا في الكواليس في الشهور الأخيرة وليد المعلم.